إسرائيل على شفا أزمة دستورية واقتصادية غير مسبوقة: تهديدات بالإضراب وشل الاقتصاد وعصيان ضريبي

تظاهر مساء يوم السبت مائة ألف إسرائيلي ضد حكومة نتنياهو في مناطق عدّة احتجاجاً على إقالة رئيس الشاباك، واستئناف الحرب، مهددين بمزيدٍ من التصعيد، حيث لوّح قادة المعارضة، وعلى رأسهم يائير لبيد بإضراب عام وشل الاقتصاد، بل واللجوء إلى "عصيان ضريبي" — فما الذي يعنيه هذا العصيان تحديدًا، وما مدى قانونيته، وهل يمكن أن ينجح حقًا؟
أيقون موقع وصلة Wasla
طاقم وصلة
Stoping the state Call for an Agreement for the release of the hostages 23
أثناء إحدى المظاهرات ضد الحكومة- صورة توضيحية- المصدر: ويكيميديا

تتصاعد الاحتجاجات في إسرائيل بشكل دراماتيكي وسط أزمة دستورية غير مسبوقة تهدد بتفجير الأوضاع السياسية والاقتصادية، على خلفية قرار الحكومة بإقالة رئيس جهاز الأمن العام “الشاباك”، واستمرار الحرب في غزة ولبنان. ووسط هذه الأجواء المتوترة، لوّح قادة المعارضة وممثلو القطاعات الاقتصادية الكبرى بخطوات تصعيدية تصل حد الدعوة إلى إضراب عام وشل الاقتصاد، بل واللجوء إلى “عصيان ضريبي” — خطوة لم تشهدها إسرائيل من قبل بهذا المستوى.

تهديدات بتعطيل الاقتصاد وتحذيرات من كارثة مالية

زعيم المعارضة يائير لبيد، وصف الحكومة بـ”المافيا السياسية”، معتبرة أن تجاهلها لأوامر المحكمة العليا “يحوّلها إلى حكومة خارجة عن القانون”. وحذر  من أنه في حال تنفيذ الإقالة رغم قرار التجميد الصادر عن المحكمة العليا، فإن “الدولة كلها يجب أن تتوقف”، داعيًا إلى شل عمل المؤسسات الحيوية في الدولة والمرافق الاقتصادية، وصولًا إلى “تنظيم عصيان ضريبي”.

وفي هذا الصدد، صرّح لبيد أمام المتظاهرين على منصة الاحتجاج: “إذا لم تلتزم الحكومة بقرار المحكمة العليا، يجب أن تتوقف الدولة كلها. المنظومة الوحيدة التي لا يجوز لها أن تتوقف هي منظومة الأمن. سنعارض كل شكل من أشكال رفض الخدمة، لكن باستثناء ذلك – كل شيء”. على الاقتصاد أن يُضرب، وعلى الكنيست أن تُضرب، والمحاكم أن تُضرب، والسلطات المحلية أن تُضرب، ليس فقط الجامعات يجب أن تُضرب، بل حتى المدارس. إذا كان بالإمكان تنظيم عصيان ضريبي، سننظم عصيانًا ضريبيًا. لن نكون متساهلين في تدمير الديمقراطية”.

تزامن ذلك مع دعوات مماثلة من الهستدروت، ومنتدى رجال الأعمال، وهيئة شركات الهايتك، الذين لوّحوا بإضراب عام قد يكبّد الاقتصاد خسائر تُقدّر بنحو 5.8 مليارات شيكل يوميًا إذا تم تنفيذه بالكامل، أو 3 مليارات شيكل يوميًا إذا اقتصر على القطاعات الكبرى كما حدث سابقًا. التحذيرات لم تتوقف عند حدود الداخل، إذ أشار اقتصاديون حكوميون إلى أن استمرار تجاهل قرار المحكمة قد يؤدي إلى خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل مجددًا، ما سيزيد من تكلفة ديون الدولة ويعمق الأزمة الاقتصادية.

ما هو العصيان الضريبي وهل يمكن تطبيقه في إسرائيل؟

العصيان الضريبي هو شكل من أشكال العصيان المدني، حيث يرفض المواطنون أو قطاع اقتصادي بأكمله دفع الضرائب للحكومة كوسيلة ضغط سياسي، بهدف شل قدرة الحكومة على تمويل نفسها، وبالتالي إجبارها على التراجع عن قرارات أو سياسات مثيرة للجدل.

لكن من الناحية العملية، تطبيق العصيان الضريبي في دولة مثل إسرائيل صعبًا للغاية. فغالبية الضرائب تُجبى تلقائيًا عبر الاقتطاع من رواتب الموظفين، ولا يمكن للأجراء رفض دفع الضرائب بأنفسهم. وحدهم أصحاب الأعمال الحرة يمكنهم نظريًا التلكؤ أو التلاعب في التصريحات الضريبية أو محاولة التأجيل، لكن ذلك يعرضهم مباشرة لمخالفات جنائية وعقوبات مالية قاسية قد تصل إلى السجن.

Yesh Atid Election Night Party
زعيم المعارضة يائير لبيد، صورة أرشيفية- المصدر: ويكيميديا

كذلك، تُلزَم الشركات الكبرى قانونيًا بدفع الضرائب في مواعيدها، وأي إخلال بذلك سيؤدي إلى عقوبات قد تشمل الغرامات والحجز على الأصول. بالإضافة إلى ذلك، يحذّر الاقتصاديون من أن أي محاولة لعصيان ضريبي واسع قد تفتح الباب أمام اقتصاد ظلّ موازٍ، وتؤدي إلى زيادة هروب رؤوس الأموال والمستثمرين، كما ستُدخل إسرائيل في دوامة مالية تهدد قدرتها على تمويل الجيش، والشرطة، والصحة، والتعليم، وكل الخدمات الأساسية.

سبق أن طُرحت مثل هذه الدعوات في إسرائيل، خاصة في ذروة الاحتجاجات ضد خطة “الانقلاب القضائي” عام 2023، لكنها بقيت مجرد تهديدات إعلامية. تاريخيًا، المثال الأقرب على عصيان ضريبي في المنطقة وقع عام 1988 في بلدة بيت ساحور في بيت لحم، عندما امتنع السكان عن دفع الضرائب للاحتلال الإسرائيلي أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وانتهى الأمر حينها بحملة قمع واسعة شملت مصادرة الممتلكات وفرض غرامات باهظة.

أزمة تتجاوز السياسة.. تهدد الاقتصاد ومستقبل الدولة

الأزمة الحالية في إسرائيل تتجاوز الخلاف السياسي التقليدي، لتلامس أسس النظام الديمقراطي ومبدأ الفصل بين السلطات. وتُجمع التحذيرات من مختلف الأطراف الاقتصادية على أن استمرار الحكومة في تجاهل قرارات المحكمة العليا قد يدفع إسرائيل إلى أزمة دستورية ومالية خانقة، تضع تصنيفها الدولي واستقرارها الاقتصادي على المحك.

وفي حال تم اللجوء إلى العصيان الضريبي أو الإضراب العام بالفعل، فإن التداعيات ستكون باهظة — ليس فقط على الحكومة بل على الاقتصاد والمجتمع بأسره، حيث ستتراجع الاستثمارات، وسترتفع تكلفة الدين، وسيتعرض المواطنون العاديون لمزيد من الأعباء.

وفي المحصلة، وبينما تستمر المواجهة بين الحكومة والمعارضة، تبقى إسرائيل في لحظة حرجة قد تحدد ملامح مستقبلها السياسي والاقتصادي لسنوات قادمة.

مقالات ذات صلة: تصاعد الخسائر في بورصة تل أبيب وانخفاضات حادة في أسهم البنوك وشركات التأمين

مقالات مختارة