الفجوة الرقمية تكشف التمييز الممنهج: 152 ألف من المواطنين العرب في البلاد بلا إنترنت

25.2% من الفلسطينيين في الداخل يعتمدون على هواتفهم المحمولة كمصدر رئيسي للاتصال بالإنترنت، أي أكبر بمرتين من نظيرتها لدى المواطنين اليهود، بينما تصل هذه النسبة إلى 42% بين الفلسطينيين في النقب. ما يعكس ضعف البنية التحتية للإنترنت الثابت، خاصة في القرى غير المعترف بها التي يسكنها أكثر من 120 ألف فلسطيني محرومون من خدمات الاتصال الأساسية.
أيقون موقع وصلة Wasla
طاقم وصلة
fb570417 4d2f 42ce 8e45 0bdd1247dcd9 1
صور لبنى الاتصالات التحتية القديمة في البلدات الفلسطينية في الداخل- تصوير: حبيب مخّول

في تقرير جديد صادم، يكشف مركز “حملة” حجم التمييز الممنهج الذي يعاني منه الفلسطينيون في الداخل في مجال البنية التحتية للإنترنت وخدمات الاتصال. التقرير الذي أعده الباحث حبيب مخّول، يرصد بعمق الفجوات الرقمية الصارخة بين المواطنين الفلسطينيين واليهود داخل إسرائيل، ويوثق كيف تحرم سياسات الدولة أكثر من 152 ألف فلسطيني من خدمات الإنترنت الأساسية، في تناقض صارخ مع ما تدعيه إسرائيل من مبدأ “الشمولية” في توفير الخدمات.

رغم أن القانون الإسرائيلي ينص على وجوب توفير خدمات الكهرباء والماء والاتصالات والإنترنت بشكل متساوٍ للجميع، إلا أن الواقع يقول غير ذلك. شركتا “هوت” و”بيزك”، اللتان تحتكران البنية التحتية للإنترنت في إسرائيل، ملزمتان نظريًا بتوفير الخدمات لكل منزل، لكن المعطيات تؤكد أن 66% من نحو مليون شخص محرومين من خدمة “هوت” هم من المواطنين العرب.

التقرير يكشف أن 25.2% من الفلسطينيين في الداخل يعتمدون على هواتفهم المحمولة كمصدر رئيسي للاتصال بالإنترنت، وهي نسبة أكبر بمرتين من نظيرتها لدى المواطنين اليهود، بينما تصل هذه النسبة إلى 42% بين الفلسطينيين في النقب. هذا الاعتماد الكبير على الإنترنت الخلوي يعكس ضعف البنية التحتية للإنترنت الثابت، خاصة في القرى غير المعترف بها التي يسكنها أكثر من 120 ألف فلسطيني محرومون من أي خدمة اتصال أساسية.

في المقابل، وبينما يتعرض الفلسطينيون لهذا التهميش، تعلن الحكومة الإسرائيلية خططًا لتوسيع شبكة الاتصالات وتكنولوجيا الجيل الخامس في المستوطنات غير القانونية بالضفة الغربية، بحجة “حماية حياة المستوطنين”، بينما لا تجد نفس المبررات مكانًا عندما يتعلق الأمر بأهالي النقب.

الفجوة الرقمية تظهر جلية في مقارنة دقيقة بين الناصرة، أكبر المدن الفلسطينية في الداخل، ومدينة نوف هچليل (نتسيرت عليت سابقًا) ذات الأغلبية اليهودية، واللتين يفصل بينهما شارع لا يتجاوز عرضه بضعة أمتار. بينما تتمتع نوف هچليل بخدمات ألياف بصرية وتغطية كاملة لشبكات الجيل الخامس، لا تزال الناصرة، بكل أهميتها الاقتصادية والثقافية، تعاني من نقص حاد في البنية التحتية. حتى المنطقة التكنولوجية ومكاتب شركات مثل مايكروسوفت، تقع في مناطق غير موصولة بالألياف، مما يعكس تمييزًا ممنهجًا وخنقًا للاقتصاد المحلي.

86d0f1f4 5d1f 44e0 9d27 d1d5ebd78e7c
صور لبنى الاتصالات التحتية القديمة في البلدات الفلسطينية في الداخل- تصوير: حبيب مخّول

التقرير يوثق أيضًا أن 51% من الفلسطينيين في الداخل غير راضين عن جودة الإنترنت مقابل 45% لدى السكان اليهود، وهي فجوة تزداد اتساعًا وفقًا لمعطيات اتحاد الإنترنت الإسرائيلي لعام 2023. كما أن سرعة التحميل في المدن العربية مثل الناصرة لا تتعدى نصف المستويات المتوفرة في نوف هچليل.

الأمر لا يتوقف عند الإنترنت الثابت، بل يمتد إلى الهواتف المحمولة حيث تسود شبكات الجيل الخامس في الجانب اليهودي، بينما يعاني الفلسطينيون في الناصرة والنقب من تقنيات قديمة كشبكات الجيل الثالث. المفارقة أن شركات الاتصالات نفسها رسمت خرائط التغطية التي تضع الناصرة في أدنى مراتب جودة الخدمة، فيما تحظى نوف هچليل بأفضل السرعات.

هذا التمييز لا ينعكس فقط على حياة الأفراد بل يضرب الاقتصاد الفلسطيني في الداخل بشكل مباشر. إذ تخلق الفجوات الرقمية عقبة أمام تطور الأعمال، وتحُدّ من قدرة الشركات العربية على المنافسة والتوسع في عالم يعتمد على التكنولوجيا والاتصال السريع.

الاحتكار الذي تمارسه شركتا “هوت” و”بيزك” يزيد من الطين بلة. فبالنسبة لنحو 700 ألف فلسطيني داخل الخط الأخضر، تعمل “بيزك” كمزود وحيد للإنترنت، ما يؤدي إلى أسعار مرتفعة وجودة متدنية. وزارة الاتصالات نفسها اعترفت عام 2019 بوجود فرق “إحصائي واضح” في الأسعار والجودة بين المناطق التي تحظى بخدمات الشركتين وتلك التي تحتكرها “بيزك”، ما يفضح زيف ادعاءات “المساواة” التي تروج لها الدولة.

ورغم وجود محاولات محلية لحل هذه المعضلة عبر مزودين غير مرخصين في البلدات العربية والدرزية، تواجه هذه المبادرات هجمات حكومية شرسة دون تقديم أي بديل. والأسوأ، أن إسرائيل تدرس اليوم وقف تشغيل شبكة الكابلات التقليدية في المناطق التي تغطيها الألياف البصرية، ما يهدد بزيادة عزل الفلسطينيين رقميًا.

خلاصة التقرير أن الفجوة الرقمية في إسرائيل ليست مجرد مشكلة تقنية، بل سياسة متعمدة تهدف إلى إضعاف الفلسطينيين اقتصاديًا واجتماعيًا، عبر حرمانهم من حقهم في البنى التحتية الأساسية، بينما تُمنح المستوطنات غير القانونية خدمات فائقة. إنها صورة أخرى من صور التمييز والتطهير العرقي المستمر، لكن هذه المرة بأدوات تكنولوجية.

مقالات ذات صلة: “محو وقمع”… شركة ميتا تكمّم أفواه الفلسطينيين وتضيّق على مصادر رزقهم أيضًا

مقالات مختارة