
يشهد الاقتصاد الإسرائيلي تدهورًا مقلقًا وسط تحذيرات متجددة من وكالة موديز للتصنيف الائتماني، التي رسمت صورة قاتمة للمخاطر السياسية والمالية التي تواجه الدولة، خاصة في ظل استمرار الحرب في غزة وتداعيات القرارات الحكومية الداخلية المثيرة للجدل.
في تقرير حديث، أكدت موديز أن العجز الفعلي في ميزانية إسرائيل لعام 2024 بلغ 8.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم أعلى بكثير من تقديرات وزارة المالية التي تحدثت عن 6.8% فقط. الفارق الذي يصل إلى نحو 48 مليار شيكل يعكس فجوة مالية خطيرة تهدد استقرار المالية العامة وتزيد من المخاطر على الاقتصاد الإسرائيلي. واعتبرت موديز أن التقديرات الرسمية غير دقيقة ولا تعكس الصورة الحقيقية للوضع الاقتصادي.
ورغم ذلك، أبقت موديز التصنيف الائتماني لإسرائيل عند Baa1 لكنها شددت على أن التوقعات تظل “سلبية”، في إشارة إلى إمكانية خفض التصنيف مجددًا خلال الأشهر الـ18 القادمة. وأوضحت الوكالة أن المخاطر السياسية الداخلية الأخيرة تمثل مصدر تهديد متزايد قد يفاقم الأزمة الاقتصادية.
وبحسب موديز، فإن خطورة المشهد تكمن في استمرار ارتفاع الدين العام الذي من المتوقع أن يصل إلى نحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات المقبلة، مقارنةً بتوقعات سابقة قبل اندلاع الحرب في أكتوبر 2023 بانخفاض الدين إلى 50%. وبينما نجحت حكومة بينيت ولبيد السابقة في خفض نسبة الدين من 70% إلى 60%، فإن الحكومة الحالية تتجه بالاقتصاد نحو مسار معاكس.
تقرير موديز شدد على أن الحرب في غزة ستكلف الاقتصاد الإسرائيلي أكثر من 50 مليار شيكل إضافية، ما يزيد الضغوط على المالية العامة، في وقت لا تتجاوز فيه إجراءات التكيف في موازنة 2025 سقف 30 مليار شيكل فقط. واعتبرت الوكالة أن هذا الاختلال سيعمق العجز الذي قد يستقر عند 7% من الناتج في 2025، وهو رقم يفوق بكثير هدف العجز الذي حددته الحكومة عند 4%، قبل أن ترفعه مؤخرًا إلى 5%.
ولم تُخف موديز قلقها من تعمق أزمات الحوكمة وفشل الحكومة في التعامل مع المخاطر الاقتصادية والسياسية. واعتبرت أن تصعيد التوترات الداخلية واستمرار محاولات السيطرة السياسية على المؤسسات القضائية سيؤديان إلى تآكل جودة المؤسسات، ويهددان مستقبل النمو الاقتصادي.
ومن بين أبرز المخاطر التي حذرت منها موديز، استمرار انكشاف إسرائيل الشديد للتوترات الجيوسياسية وارتفاع المخاطر على قطاع الهايتك، الذي يعد المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي ومصدرًا أساسيًا للإيرادات الضريبية. وأكدت الوكالة أن استمرار الحرب على غزة وتجدد الهجمات من اليمن ولبنان، إلى جانب تهديدات إيران، ستضيف أعباءً جديدة على الاقتصاد الإسرائيلي.
كما شددت الوكالة على أن انخفاض مشاركة الأقليات الدينية في سوق العمل، وخاصة الحريديم، يفاقم من اتساع فجوة الدخل ويؤجج التوترات الاجتماعية، مما يزيد من هشاشة الاقتصاد الإسرائيلي.
في وقت سابق، كانت موديز قد خفضت التصنيف الائتماني لإسرائيل درجتين، من A2 إلى Baa1، بسبب تراجع جودة المؤسسات وحوكمة المالية العامة، وزيادة الاحتياجات الإنفاقية بسبب الحرب. ويعني خفض التصنيف زيادة كلفة الاقتراض على الحكومة والشركات وحتى الأفراد، ما يشكل ضغطًا إضافيًا على الاقتصاد.
وفي السياق نفسه، ربطت موديز أي تحسن محتمل في التصنيف بتحقيق تقدم في وقف إطلاق النار مع غزة، وتخفيف التصعيد الإقليمي، وخاصة المخاطر المرتبطة بإيران وأمن الملاحة في البحر الأحمر. وأشارت إلى أن التهدئة ستخفف من المخاطر الاقتصادية وتحد من ارتفاع تكاليف التأمين على الاستثمارات في إسرائيل.
في المحصلة، تتوقع موديز نمو الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 3.8% فقط خلال 2025، مقارنة بتوقعات بنك إسرائيل عند 4%، بعد عام من الركود نما فيه الاقتصاد بأقل من 1%. وهو ما يرسم صورة أكثر قتامة تحيق بالاقتصاد الإسرائيلي.
مقالات ذات صلة: الرشاوى السياسية تنقذ نتنياهو… مصادقة نهائية على ميزانية الدولة لعام 2025