أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية شاملة على الواردات من دول العالم زلزالًا اقتصاديًا عالميًا، دفع الأسواق إلى التراجع، وأشعل سلسلة واسعة من ردود الفعل المنددة من قادة العالم والمنظمات الاقتصادية، الذين حذروا من عواقب وخيمة قد تعصف بالاقتصاد العالمي وتفتح الباب لحرب تجارية شاملة. القرار، الذي دخل حيز التنفيذ فور إعلانه، استهدف دولًا كبرى مثل الصين، دول الاتحاد الأوروبي، كندا، أستراليا، اليابان، كوريا الجنوبية، البرازيل، والمملكة المتحدة، وغيرها من الدول الحليفة لواشنطن.

الأسواق المالية تحت وقع الصدمة
في اليوم التالي لإعلان ترمب،تراجعت مؤشرات الأسهم العالمية بصورة حادة. بورصة طوكيو سجلت انخفاضًا بنسبة 2.77%، فيما تراجع مؤشر “توبكس” الأوسع نطاقًا بنسبة 3.08%. بورصة كوريا الجنوبية فقدت 1.9% من مؤشر “كوسبي”، بينما سجلت بورصة أستراليا تراجعًا بـ1.8%. في هونغ كونغ، بدأ التداول بهبوط تجاوز 2%، أما بورصة هانوي فقد شهدت واحدة من أعنف الضربات بخسارة تجاوزت 5% بعد فرض رسوم بنسبة 46% على صادرات فيتنام.
وفي أوروبا، افتتحت البورصات على تراجع كبير، إذ انخفض مؤشر داكس الألماني بنسبة 2.2%، ومؤشر كاك 40 الفرنسي بنسبة 2%، بينما تراجع مؤشر فاينانشال تايمز البريطاني بنسبة 1.2%. أما العقود المستقبلية الأميركية، فقد تراجعت هي الأخرى، حيث هبطت عقود مؤشر ستاندرد أند بورز 500 بنسبة 3%، بينما تراجع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 2%.
قطاع الطاقة لم يكن بمنأى عن العاصفة، حيث هبطت أسعار النفط نتيجة القلق من تراجع الطلب العالمي. العقود الآجلة لخام برنت تراجعت بنسبة 2.63% لتسجل 72.98 دولارًا للبرميل، بينما انخفض خام غرب تكساس الأميركي بنسبة 2.76% ليصل إلى 69.73 دولارًا.
الصين: تهديد مباشر للتجارة العالمية
جاء الرد الصيني صارمًا، إذ أعلنت وزارة التجارة في بكين رفضها القاطع للقرار الأميركي، واصفة الرسوم بأنها غير متوافقة مع قواعد منظمة التجارة العالمية، وتمثل خطرًا مباشرًا على الاستقرار الاقتصادي العالمي.
وأكدت الصين أنها ستتخذ “إجراءات مضادة” لحماية مصالحها، داعية واشنطن إلى إلغاء الرسوم فورًا واللجوء إلى الحوار المتكافئ بدلًا من السياسات الأحادية. وأضاف البيان أن “لا أحد يربح في الحروب التجارية، والحمائية لا يمكن أن تكون طريقًا للنمو”.
الاتحاد الأوروبي: مستعدون للرد ولكن نفضّل الحوار
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وصفت الخطوة بأنها “ضربة موجعة للاقتصاد العالمي”، وأعلنت أن الاتحاد الأوروبي “مستعد للرد بقوة إذا لزم الأمر”، رغم أنه يفضل دائمًا الحوار. بدوره، دعا اتحاد الصناعات الكيميائية الألمانية إلى “التحلي بالهدوء” وعدم الانجرار إلى التصعيد، بينما طالب اتحاد صناعة السيارات الألماني بالرد الحازم، محذرًا من أن الضرر لن يقتصر على أوروبا، بل سيطال الصناعات الأميركية والمستهلكين داخل الولايات المتحدة.
رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني رأت أن القرار “خطوة خاطئة تضر بمصالح الطرفين”، محذرة من أن أي حرب تجارية ستقوّض مكانة الغرب اقتصاديًا لصالح قوى صاعدة أخرى.
كندا والبرازيل تتوعدان بالرد
رئيس الوزراء الكندي مارك كارني وصف الرسوم بأنها “تغير جذري في قواعد التجارة العالمية”، وأكد أن بلاده ستتخذ إجراءات مضادة، خاصة أن الرسوم ستؤثر على ملايين الكنديين العاملين في قطاعات مثل الألومنيوم والسيارات.
أما البرازيل، فقد سارعت إلى تمرير قانون يجيز للحكومة الرد على أي قيود تجارية، وأعربت حكومة لولا دا سيلفا عن أسفها للقرار الأميركي الذي شمل صادراتها برسوم إضافية بنسبة 10%، مؤكدة أنها تدرس الرد عبر منظمة التجارة العالمية.
بريطانيا: تأثير لا يمكن إنكاره
رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أقرّ بأن للقرار “تأثيرًا لا يمكن إنكاره” على الاقتصاد البريطاني، لكنه دعا إلى التزام الهدوء والعمل الدبلوماسي.
وزير التجارة البريطاني أعلن أن لندن لن تتخذ إجراءات انتقامية فورية، لكنها ستسعى لتخفيف تأثير القرار عبر مفاوضات مباشرة. في المقابل، نددت جمعيات الأعمال البريطانية بالقرار، معتبرة أنه يهدد عقودًا من سلاسل التوريد بين بريطانيا والولايات المتحدة.
اليابان وكوريا الجنوبية: اعتراضات مدروسة
اليابان، التي طالتها رسوم بنسبة 24%، أعلنت أن الخطوة قد تشكل انتهاكًا لاتفاقياتها التجارية مع واشنطن. وزير التجارة الياباني يوجي موتو وصف الرسوم بأنها “مؤسفة جدًا”، وأكد أن بلاده أبلغت الولايات المتحدة بموقفها.
أما كوريا الجنوبية، التي فُرضت عليها رسوم بنسبة 25%، فقد شهدت بورصتها هبوطًا حادًا، وأعلنت حكومتها أنها ستستخدم كل الموارد الممكنة لمواجهة الأزمة.

تايوان وفيتنام: صدمة آسيوية مزدوجة
تايوان، التي فُرضت عليها رسوم بنسبة 32%، اعتبرت القرار غير عقلاني، وأعلنت أنها ستبدأ مفاوضات جادة مع واشنطن. وقد استُثنيت رقائق أشباه الموصلات من الرسوم، لكنها تمثل فقط جزءًا من صادرات تايوان، في حين أن مكونات إلكترونية أخرى لا تزال عرضة للرسوم.
في فيتنام، حيث بلغت الرسوم 46%، سادت حالة من الذعر في بورصة هانوي، التي خسرت أكثر من 5%، خاصة مع تأثر شركات النسيج والتكنولوجيا. البلاد تُعد من أبرز مراكز التصنيع البديلة عن الصين، ما يجعلها في مرمى نيران القرار الأميركي.
أستراليا وأيرلندا وسويسرا: حلفاء ينتقدون واشنطن
رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي وصف القرار بأنه “غير مبرر تمامًا”، وأشار إلى أنه سيغير طبيعة العلاقة بين بلاده والولايات المتحدة.
أما رئيس الوزراء الأيرلندي مايكل مارتن، فقد دعا إلى رد أوروبي “متناسب”، في حين اعتبرت رئيسة الاتحاد السويسري بأنّ الرسوم تشكل تهديدًا للمصالح طويلة الأمد، مشددة على أهمية احترام القانون الدولي.
تأثير الرسوم على النفط والنمو العالمي
الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب شملت كل شيء تقريبًا باستثناء واردات النفط والغاز، وهو ما خفف جزئيًا من آثار القرار على قطاع الطاقة الأميركي. إلا أن البيانات الأميركية الأخيرة أظهرت ارتفاعًا غير متوقع في مخزونات النفط بمقدار 6.2 ملايين برميل، ما ساهم في تراجع أسعار النفط على الصعيد العالمي، إلى جانب القلق من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
قرار ترمب، الذي وصفه البيت الأبيض بأنه “إعلان للاستقلال الاقتصادي”، يضع العلاقات التجارية الدولية في مهب الريح. وبينما تسعى واشنطن لتعزيز الإنتاج المحلي، فإن شركاءها حول العالم يستعدون للرد، كل بطريقته، ما ينذر بمرحلة من التوترات التجارية التي قد تترك آثارًا عميقة على الاقتصاد العالمي، وسط تحذيرات متزايدة من أن “لا رابح في الحروب التجارية”.
مقالات ذات صلة: ترمب يطعن إسرائيل بالرسوم الجمركية… وشركات الهايتك أشد المتضررين