
تواجه شركة أبل، عملاقة التكنولوجيا الأميركية، واحدة من أعنف التحديات التجارية في تاريخها الحديث بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية شاملة وبنسب مرتفعة على الواردات من دول عدة، من بينها الصين وتايوان والهند وماليزيا وتايلاند وفيتنام. هذه الدول تشكل حجر الأساس في سلسلة التوريد العالمية لأبل، وهو ما ينذر بتأثيرات مالية مباشرة وكبيرة على الشركة، قد تُجبرها على رفع أسعار منتجاتها أو تقبل تقليصًا كبيرًا في أرباحها.
الصين، التي تُعد قاعدة التصنيع الأولى لأبل وتنتج نحو 90% من هواتف آيفون، طالتها رسوم جمركية تصاعدية رفعت إجمالي التعرفة على الواردات منها إلى 54%، نتيجة تراكم الرسوم القديمة والجديدة معًا. وبحسب تقديرات بنك الاستثمار “مورغان ستانلي”، فإن هذه الرسوم قد ترفع التكاليف السنوية لأبل بمقدار 8.5 مليار دولار، ما يؤدي إلى تراجع صافي أرباحها بنسبة 7%، أي بما يعادل 7.85 مليار دولار سنويًا.
الانعكاسات على السوق لم تتأخر، حيث سجل سهم أبل تراجعًا حادًا بنسبة 7.14% في التداولات المسائية التي أعقبت إعلان ترامب عن الرسوم. هذا التراجع يعكس مخاوف المستثمرين من التأثيرات المباشرة لهذه السياسة الجمركية على أرباح الشركة وأسعار منتجاتها.
رغم الجهود التي تبذلها أبل منذ سنوات لتنويع سلسلة التوريد الخاصة بها وتقليل اعتمادها على الصين، إلا أن ضربة الرسوم أصابت حتى الدول التي انتقلت إليها جزئيًا. فالهند، التي أصبحت مركزًا لتجميع أجهزة آيفون وأيربودز، فُرضت عليها رسوم بنسبة 26%. أما فيتنام، التي تنتج أعدادًا كبيرة من أجهزة أيربودز، آيباد، ماك وأبل ووتش، فقد تعرضت لرسوم ضخمة بلغت 46%. كذلك فُرضت رسوم بنسبة 24% على ماليزيا، و36% على تايلاند، و20% على أيرلندا، وكلها مواقع إنتاج حيوية لشركة أبل.
إمكانية نقل الإنتاج إلى داخل الولايات المتحدة تبدو غير واقعية حاليًا. الشركة تُصنّع حاليًا منتجًا واحدًا فقط داخل الأراضي الأميركية، هو جهاز ماك برو الذي يُجمع في تكساس. ولم تظهر أبل حتى الآن خطوات جادة لتوسيع خطوط التجميع داخل أميركا. وحتى إذا قررت ذلك، فإن العملية قد تستغرق سنوات، وسيظل معظم مكونات الأجهزة مستوردًا من الخارج، مما يعني استمرار خضوعها للرسوم الجمركية.
البديل المتاح أمام أبل هو محاولة التفاوض مع إدارة ترامب للحصول على إعفاءات خاصة على منتجاتها، كما سبق أن حاولت خلال ولاية ترامب الأولى عبر علاقتها الوثيقة بين المدير التنفيذي تيم كوك والرئيس السابق. ولكن في ظل سياسة “يوم التحرير الاقتصادي” التي أعلنها ترامب، يبدو أن أي استثناء سيكون صعب المنال.
إلى جانب الأجهزة النهائية، تواجه أبل تحديًا آخر يتعلق بالمكونات الأساسية المستخدمة في منتجاتها، وخاصة أشباه الموصلات. تايوان، التي تُعد المورد الرئيسي للرقائق الإلكترونية المتقدمة، فُرضت عليها رسوم بنسبة 32%. هذا من شأنه أن يزيد تكلفة إنتاج هواتف آيفون وباقي الأجهزة بنسبة كبيرة، خاصة أن تصنيع هذه الرقائق لا يمكن نقله بسهولة لموقع آخر.
ورغم أن أبل هي المتضرر الأكبر من بين شركات التكنولوجيا الكبرى بسبب حجم إنتاجها الخارجي، فإن شركات أخرى مثل أمازون، جوجل، مايكروسوفت، ومِتا ستتأثر بدورها. جميع هذه الشركات تنتج أجهزة خارج الولايات المتحدة، وتستثمر بمبالغ طائلة في إنشاء مراكز بيانات تعتمد على مكونات مستوردة. زيادة تكلفة هذه المكونات بفعل الرسوم قد تضعف قدرة هذه الشركات على التوسع في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، وهما من أبرز محاور الاستثمار التكنولوجي العالمي اليوم.
في ظل هذا المشهد المعقّد، تجد أبل نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما نقل عبء الرسوم إلى المستهلكين عبر رفع الأسعار، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع المبيعات، أو تقليص هوامش أرباحها بشكل كبير للحفاظ على الحصة السوقية، ما قد يؤثر على أدائها المالي العام. وكلا الخيارين يحمل في طياته تبعات استراتيجية عميقة على مستقبل الشركة في الأسواق الأميركية والعالمية.
مقالات ذات صلة: أبرز ردود الفعل العالمية على عواصف ترمب الجمركية