تشهد العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين تصعيدًا غير مسبوق في الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي أعلن فرض رسوم جمركية شاملة بنسبة 54% على الواردات الصينية. هذه الخطوة تمثل تصعيدًا حادًا مقارنة بالجولة الأولى من الحرب التجارية بين البلدين خلال فترة رئاسته الأولى، وتهدد بتوجيه ضربة قاسية للنمو الاقتصادي الصيني، مع تداعيات محتملة على الاقتصاد العالمي برمته.
بحسب تقديرات “سيتي غروب”، قد تؤدي هذه الرسوم إلى تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني بمقدار 2.4 نقطة مئوية خلال عام 2025، وهو ما يفوق بكثير التأثيرات التي شهدتها الصين في ذروة التوترات التجارية بين عامي 2018 و2019. وتشير تقديرات أخرى من بنوك مثل “BNP Paribas”، و”سوسيتيه جنرال”، و”آي إن جي”، إلى خسائر تتراوح بين نقطة ونقطتين مئويتين، حتى قبل احتساب أي ردود انتقامية محتملة من الصين.
في تحليل نشره “مورغان ستانلي”، حذّر خبراء اقتصاديون من أن صدمة الرسوم هذه ستكون أوسع نطاقًا وأكثر تأثيرًا من الجولة السابقة، مشيرين إلى أن الأثر لن يقتصر على الصادرات الصينية فحسب، بل سيمتد إلى تباطؤ التجارة العالمية نتيجة الرسوم التي طالت شركاء تجاريين آخرين للولايات المتحدة أيضًا، وهو ما يضيف طبقة إضافية من التعقيد والضغط.
وفي رد فعل أولي، أعلنت بكين إدانتها للرسوم الجديدة، وتعهدت بالرد بإجراءات لم تُحدّد بعد، بينما يتوقع محللون اقتصاديون أن تضطر السلطات الصينية إلى توسيع سياسات التحفيز الاقتصادي لمواجهة هذه الضغوط، سواء عبر تعزيز الإنفاق الحكومي أو ضخ سيولة في النظام المالي. ووفقًا لـ”ميزوهو سيكيوريتيز آسيا”، قد تلجأ الحكومة الصينية إلى إصدار سندات سيادية خاصة إضافية بقيمة تتراوح بين تريليون وتريليوني يوان، فوق خطتها الأصلية لإصدار سندات طويلة الأجل بقيمة 1.3 تريليون يوان (179 مليار دولار).
وتأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة للصين، حيث بدأ اقتصادها عام 2025 يتعافى نسبيًا، ما دفع مؤسسات كبرى مثل “مورغان ستانلي” و”سيتي غروب” إلى رفع توقعاتها لنمو الناتج المحلي إلى ما يقارب 5%. إلا أن الرسوم الجمركية الجديدة قد تهدد هذه الآمال، ويصعّب على الحكومة تحقيق هدفها الرسمي للنمو دون اتخاذ خطوات إضافية لدعم الطلب والاستثمار.
وبحسب مذكرة حديثة من “سيتي غروب”، فإن التأثيرات الأولية للرسوم قد تبدأ في الظهور اعتبارًا من الربع الثاني من هذا العام، وقد تؤدي إلى تراجع في التوقعات الحالية للنمو بنسبة تتراوح بين 0.5 إلى 1 نقطة مئوية، مما يضع السلطات الاقتصادية الصينية أمام معضلة التحرك السريع لتفادي التباطؤ.
اجتماعات مهمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني من المقرر عقدها في أبريل ويوليو المقبل، ويتوقع أن تشهد هذه اللقاءات نقاشات مكثفة حول السياسات الاقتصادية وخطط التحفيز الممكنة، بما في ذلك خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي للبنوك، وهي خطوة قد توفر المزيد من السيولة في الأسواق وتساعد على تخفيف الأثر المباشر للرسوم على القطاعات الإنتاجية.
وفي تعليق لخبير الاقتصاد تشي شياوجيا من “كريدي أغريكول سي آي بي”، أشار إلى أن احتمالية خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي خلال أبريل أصبحت أكبر، في ضوء الحاجة إلى دعم الثقة بالأسواق والحد من تباطؤ الاستهلاك والاستثمار.
لكن ورغم خطورة الرسوم، قد تجد الصين متنفسًا في كون دولًا أخرى تضررت بدورها من الإجراءات الأميركية، ما قد يقلل من الميزة النسبية لمنافسيها التقليديين مثل فيتنام. وبحسب المحلل تومي شيه من “أوفرسي-تشاينيز بانكينغ”، فإن التكلفة الاقتصادية الحقيقية لهذه الرسوم ستتوقف إلى حد كبير على مدى قدرة الولايات المتحدة والدول الأخرى على استبدال المنتجات الصينية، أكثر مما ستتأثر بمعدل الرسوم الجمركية نفسه.
ما يبدو واضحًا هو أن المرحلة المقبلة ستشهد ضغوطًا شديدة على بكين، سواء في إدارة علاقاتها التجارية مع واشنطن أو في الحفاظ على زخم النمو الداخلي. كما أن الاحتمالات المتزايدة لردود انتقامية من جانب الصين أو شركاء تجاريين آخرين قد تؤدي إلى دوامة من التصعيد التجاري العالمي، ما يضع الاقتصاد الدولي برمته أمام تحدٍ غير مسبوق منذ أزمة 2018.
مقالات ذات صلة: أبرز ردود الفعل العالمية على عواصف ترمب الجمركية