شهد قطاع تأمين السيارات في البلاد تحولات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، إذ عاد لتحقيق أرباح ضخمة بعد سنوات من الخسائر، في وقت يتساءل فيه المواطنون، وخاصة مالكو السيارات الكهربائية، عن سبب دفعهم أسعارًا مرتفعة للغاية مقابل التأمين. وترافقت هذه التطورات أيضًا مع قرارات مثيرة للجدل اتخذتها بعض شركات التأمين، تضمنت الامتناع عن دفع عمولات لوكلائها على استقطاب زبائن من ذوي الدخل المنخفض، ما أثار تحذيرات من تمييز متزايد في تقديم خدمات التأمين.

أرباح غير مسبوقة للشركات بسبب الارتفاع الحاد بالأسعار
وفقًا لتقرير نشر على موقع كالكاليست، فإنّه بين عامي 2022 و2023، ارتفعت أسعار تأمين السيارات الإجباري والشامل في البلاد بمعدل 35%، مشكلًا عبئًا كبيرًا على الزبائن. وعلى الرغم من أن الأسعار استقرت في عام 2024 بزيادة طفيفة قدرها 2.8%، بل وانخفضت بنسبة 1.2% في بداية 2025، فإن التقارير تشير إلى أن الأسعار ما تزال مرتفعة، خصوصًا في قطاع السيارات الكهربائية. في المقابل، أظهرت تقارير شركات التأمين للعام 2024 أرباحًا إجمالية بلغت 1.8 مليار شيكل من تأمين السيارات، مقارنة بخسارة قدرها 1.55 مليار شيكل في 2022.
التحسن الكبير في ربحية القطاع يعود في جزء منه إلى أداء الأسواق المالية حيث تُستثمر أموال الزبائن، لكن الجزء الأهم من الأرباح تحقق من أسعار التأمينات ذاتها، حيث ارتفع الربح الصافي للشركات الست الكبرى بمقدار ستة أضعاف ليصل إلى 1.1 مليار شيكل. كما انخفضت نسبة الخسارة التشغيلية (Combined Loss Ratio) من 103% في 2023 إلى 90% في 2024، ما يشير إلى تحسّن ملموس في أداء القطاع.
كل هذه الأرباح التي تجنيها شركات تأمين السيارات ثير علامات استفهام عن سبب تقاعس الجهات الرقابية في وضع حدٍّ لارتفاع الأسعار على حساب الزبائن، خاصة مع وجود أكثر من 4 ملايين سيارة في البلاد، بمعدل مركبة ونصف لكل أسرة.
السيارات الكهربائية تحت عبء تأميني أكبر
ورغم التراجع الطفيف في متوسط الأسعار، فإن أصحاب السيارات الكهربائية ما زالوا يدفعون أكثر بكثير من مالكي سيارات البنزين. وتشير التقديرات إلى أن تكلفة تأمين سيارة كهربائية قد تكون أعلى بنسبة 50% من سيارة تقليدية بنفس القيمة السوقية. ويرجع هذا الفارق إلى عوامل متعددة، منها ارتفاع معدل الحوادث في السيارات الكهربائية بنسبة تصل إلى 45%، وغلاء تكاليف الإصلاح بسبب نوعية قطع هذه السيارات مثل البطارية المدمجة في جسم السيارة، وكذلك ازدياد شهية اللصوص لهذه المركبات، حيث تُسرق بمعدل يزيد بخمسة أضعاف مقارنة بسيارات البنزين.
كما لا تمتلك شركات التأمين بيانات حول أداء السيارات الكهربائية شبيهة بتلك الخاصة بسيارات البنزين، ما يدفعها إلى التسعير بتحفظ شديد. وبعض الشركات قررت تقليص عدد السيارات الكهربائية التي تؤمنها، فيما أشارت بيانات من شركات مثل Wobi إلى أن بعض الطرازات شهدت زيادات سنوية في الأسعار بنسبة 20%، رغم جهود الشركات المصنعة لزيادة أمان مركباتها.
سرقة السيارات وحوادث الطرق ترفع التكلفة
تعكس أسعار التأمين المرتفعة أيضًا تقاعس الجهات الحكومية في التصدي لظواهر سرقة السيارات وحوادث السير. فقد سُجلت سرقة نحو 40 ألف مركبة في عامي 2023 و2024، بزيادة قدرها 35% عن العامين السابقين. وفي الربع الأول من 2025 وحده، سُجلت سرقة 4,200 مركبة. وتشكل هذه السرقات نحو 15% من إجمالي مطالبات التأمين. كما قُتل في العام 2024 نحو 436 شخصًا في حوادث الطرق، وهو أعلى رقم منذ عام 2007.
وفيما لا تزال الحكومة تُواجه صعوبات في تمرير إصلاحات حيوية مثل إصلاح سوق قطع الغيار، تستمر التكاليف المرتفعة في التأثير على أسعار التأمين، حيث يُضطر الزبائن إلى دفع مبالغ أكبر إذا اختاروا إصلاح مركباتهم في كراجات غير متعاقدة مع شركات التأمين، بسبب الاعتماد على قوائم أسعار مبالغ فيها.

قرارات مثيرة للجدل: تمييز ضد ذوي الدخل المحدود؟
من ناحية أخرى، أثار قرار عدد من شركات التأمين وقف دفع عمولات للوكلاء على استقطاب زبائن يقل دخلهم الشهري عن 10,000 شيكل، انتقادات شديدة من قبل وكلاء التأمين. ووفقًا لاتحاد الوكلاء، تلقى الوكلاء رسائل من أربع شركات تأمين تُبلغهم بأن استقطاب الزبائن ذوي الدخل المنخفض لن يُكافأ بعد الآن، ما قد يؤدي إلى تراجع في مستوى الخدمة المقدمة لهذه الفئة.
وفي حين بلغت عمولات الوكلاء 11 مليار شيكل في عام 2024، فإن بعض الشركات ترى أن هذا العبء لم يعد مقبولًا. واعتبر بعض النواب خلال جلسة لجنة الاقتصاد في الكنيست أن الخطوة قد تنطوي على تمييز غير قانوني، وطالبوا “سلطة سوق المال” بتقديم توضيحات عاجلة.
وفي تعقيبها، أعلنت “سلطة سوق المال” أنها بصدد فحص القضية، خاصة بعد تسلمها نسخًا من الرسائل التي أرسلتها الشركات إلى الوكلاء. وأكد ممثلوها أنهم سيدققون في مدى التزام هذه السياسات الجديدة بالقانون، وسيتخذون الإجراءات الضرورية إن ثبت وجود تجاوز.
مقالات ذات صلة: هذه المدن تتصدّر قائمة سرقات السيارات في البلاد