
جمارك ترمب من المهد إلى اللحد
في أسبوع واحد فقط، انتقل الرئيس الأميركي دونالد ترمب من إعلان يشبه إعلانات القياصرة للحرب (رغم تسميته بيوم التحرير) فرض خلاله رسومًا جمركية عالمية، إلى تجميد شبه كامل للخطة بعد اضطرابات حادة ضربت الأسواق المالية.
بدأت العاصفة يوم الأربعاء 2 أبريل بفرض رسومًا موحّدة أساسية بنسبة 10% على كافة الواردات إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى رسوم إضافية على عشرات الدول، كانت الصين الهدف الأكبر بينها.
دخلت الرسوم الأساسية حيز التنفيذ في 5 أبريل، بينما بدأت الرسوم الإضافية في 9 أبريل، وهو ما تزامن مع خسائر تاريخية في الأسواق العالمية تخطّت 6 تريليونات دولار خلال يومين فقط. تبع ذلك تصاعد في الانتقادات من رجال الأعمال وأعضاء من الحزب الجمهوري، خاصة بعد وصول مؤشر “الخوف” إلى أعلى مستوى له منذ 30 عامًا، ودخول مؤشر ناسداك منطقة الهبوط.
حتّى أن أصدقائه أنفسهم انتقدوه، إذ وصف الملياردير بيل آكمان الرسوم بأنها “حرب نووية اقتصادية”، ستوقف الاسثتمار وتسلب الولايات المتحدة ثقة العالم فيها، وقد دعا إيلون ماسك إلى منقطة تجارة حرة بين أوروبا والولايات المتحدة، وهو ما تمّ تفسيره على أنّه عدم رضا عن الحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأمريكي مع العالم.
ورغم إنكار ترمب أي نية للتراجع، خصوصًا حين استعرض عضلاته في البيت الأبيض أمام نتنياهو، رافضًا حتّى تخفيض الجمارك التي بلغت 17% على مدللته إسرائيل، أعلن ترمب في الساعات الأولى من اليوم (الخميس 10 أبريل) عن تجميد الرسوم لمدة 90 يومًا على معظم الدول – باستثناء الصين – مبررًا ذلك بالرغبة في فتح المجال أمام التفاوض.
هذا التراجع، حاول ترمب تسويقه على أنّه “جزء من الخطة”، وأنّه كان قد تنبأ بكلّ خطوة مما حدث وسيحدث، لكنه بدا بوضوح رضوخًا للضغط السياسي والمخاوف من ركود اقتصادي وشيك.
كذلك، عبّرت مصادر صحفية عديدة، أبرزها CNN، أن كلمة السر في تراجع ترمب هي “السندات الأمريكية”. فخلال الأسبوع الأول من أبريل، تراجعت عوائد السندات الأميركية بشكل لافت، في ظل انخفاض الطلب عليها، وهي التي تُعد تقليديًا ملاذًا آمنًا للمستثمرين.
وقد أعرب وزير الخزانة سكوت بيسنت مباشرة عن قلقه للرئيس خلال اجتماع خاص، مؤكدًا أن العائدات الضعيفة من بيع السندات ومحاولة الدول المتضررة من جمارك ترمب معاقبة الولايات المتحدة عبر بيع ما تمتلكه من سندات، قد يهدد تمويل البرامج الحكومية، خاصة مع اتساع فجوة العجز المالي، وهو ما قد يفسد المشروع “المسياني” الذي يعتبر ترمب نفسه نبيّه.
محاولة لحفظ ماء الوجه عبر استثناء الصين
إعلان ترمب تجميده المؤقت مؤقت للرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا على عدد من الدول، تلفقته الأسواق على الفور، بقفزة تاريخية -بُعَيد الإعلان- في مؤشرات وول ستريت، حيث ارتفع مؤشر ناسداك بنسبة 10%، وS&P 500 بنسبة 8%، وسجل داو جونز ارتفاعًا بنسبة 6.5%.
لكن ترمب استثنى الصين من ذلك، بل وعاقبها حتى برفع فوري للرسوم عليها من 104% إلى 125%، وهو ما يبدو كمحاولة لحفظ ماء الوجه.
وقد ردّت الصين على استثنائها من قرار التجميد بتصعيد حاد، فصرّحت وزارة التجارة الصينية اليوم بأن بكين “لن تقبل أبدًا بالضغوط الأميركية”، متهمة واشنطن بـ”انتهاك خطير لحقوق ومصالح الشركات الصينية”. وأكدت الوزارة أن الصين مستعدة بالكامل للمواجهة، إذا أصرت واشنطن على المضي قدمًا في حربها التجارية.
وفي رد عملي، أعلنت الصين دخول رسوم جمركية بنسبة 84% على جميع المنتجات الأميركية حيز التنفيذ اعتبارًا من 10 أبريل، ما يُعد تصعيدًا تاريخيًا في النزاع التجاري. وتشمل هذه الرسوم واردات أميركية تصل قيمتها إلى حوالي 143.5 مليار دولار، بحسب مكتب الممثل التجاري الأميركي.
فماذا تخبئ الحرب التجارية لنا في الأيام القادمة؟ من سينكسر أولًا؟ الصين أم الولايات المتحدة؟ وماذا يدور في رأس الرئيس الأمريكي الآن، الذي تتقلب أفكاره بلحظة واحدة، أشدّ حتّى من تقلب أسهم البورصة.
مقالات ذات صلة: ترامب يفجّر الأسواق: تجميد قرار فرض الجمارك على 75 دولة والمزيد من التعرفة الجمركية على الصين