
أعادت التطورات الأخيرة في الأسواق الأميركية طرح تساؤلات حادة حول سلوك الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ومدى استغلاله لمنصبه كرئيس لتحقيق مكاسب اقتصادية له ولعائلته ولأنصاره وحلفائه من رجال الأعمال والمستثمرين المقربين. حيث يتّهمه عدد من أعضاء الكونغرس من الحزب الديمقراطي باستخدام أدوات السياسة التجارية، وعلى رأسها الرسوم والإعفاءات الجمركية، كوسيلة لتمكين النفوذ السياسي والتربّح المالي، في انتهاك محتمل لقوانين الأوراق المالية الأميركية.
بعث أكثر من 12 نائبًا ديمقراطيًا رسالة إلى رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات، ومراقبين حكوميين، طالبوا فيها بفتح تحقيق في ما إذا كان ترمب أو المقربون منه قد تورطوا في عمليات تداول داخلي مرتبطة بإعلانات الرسوم الجمركية التي هزّت الأسواق في الآونة الأخيرة. وقد شددت النائبة إليزابيث وارن، إحدى أبرز الموقّعين على الرسالة، على أن التلاعب بالسياسات الجمركية أفاد المقربين من ترمب وأضرّ بالمواطن الأميركي.
وبحسب أعضاء الكونغرس، فإن الانخفاض الكبير في مؤشرات البورصة عقب إعلان الرسوم، ثم الارتفاع الحاد بعد قرار تعليقها، شكّل فرصة نادرة للربح السريع لأشخاص على صلة بالإدارة. فقد ارتفعت أسهم شركة تسلا بنسبة 18% بعد الإعلان عن الإعفاءات، وهو ما استدلّ به النائب آدم شيف الذي دعا أيضًا إلى مراجعة الاتصالات بين البيت الأبيض ومؤسسات مالية قد تكون حصلت على معلومات غير معلنة.
وكانت التغريدة التي نشرها ترمب على موقع “تروث سوشل” أبرز ما أثار الجدل، حيث قال: “هذا هو الوقت المناسب للشراء”، وذلك قبل ساعتين فقط من إعلانه تعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا. هذا التوقيت الحرج دفع خبراء ومشرعين إلى اتهامه صراحةً بالتورط في فضيحة “تداول من الداخل”، مستشهدين أيضًا بارتفاع سهم شركة “تروث سوشيال” بنسبة 22% في ذات اليوم، وهي الشركة التابعة لمجموعة ترمب للإعلام والتكنولوجيا التي تحمل الرمز DJT – نفس الأحرف التي ذيّل بها ترمب منشوره.

النائبة ألكسندريا أوكاسيو كورتيز دعت جميع أعضاء الكونغرس إلى الكشف العلني عن تعاملاتهم في السوق خلال الساعات التي سبقت الإعلان، وألمحت إلى أن فضائح ستُكشف في جلسة مقررة في 15 مايو. كما اعترفت النائبة الجمهورية مارغوري تايلور غرين، الحليفة القوية لترمب، بأنها اشترت أسهم شركات كبرى مثل آبل وأمازون قبيل الإعلان، وحققت أرباحًا بعد ارتفاعهما بنسبة 12% و15% على التوالي.
السيناتورة إليزابيث وارن وصفت الإعفاءات الجمركية التي منحتها إدارة ترمب بأنها “هدايا لكبرى الشركات”، وتحديدًا شركة آبل، معتبرة أنها استفادت من إعفاءات على الهواتف الذكية والإلكترونيات، في ظل تقارير عن تبرّع مديرها التنفيذي تيم كوك بمبلغ مليون دولار لصالح صندوق تنصيب ترمب.
القانونيون بدورهم منقسمون. فبينما ترى البروفيسورة كارين وودي من كلية واشنطن للقانون أن ما حدث يشكّل “مثالًا واضحًا على التلاعب بالسوق من طرف لديه القدرة على تحريكها”، يرى البروفيسور آدم بريتشارد من جامعة ميشيغان أن التغريدة وحدها لا تشكّل دليلاً كافيًا، وأنه لا بد من إثبات أن ترمب نفسه قام بالتداول أو نقل معلومات خاصة إلى أطراف أخرى.
أما كيفن دوغلاس، أستاذ القانون في جامعة ولاية ميشيغان، فاعتبر أن القوانين الفيدرالية لا تحظر صراحة التداول من الداخل، وأن الغموض في تعريف “المعلومة غير العامة” يجعل من الصعب الإدانة، ما قد يوفّر ثغرة قانونية لترمب.
رغم ذلك، تتواصل المطالبات بالتحقيق من داخل الكونغرس، وسط إشارات قوية إلى أن استخدام ترمب لأدوات السياسة التجارية لم يكن فقط وسيلة ضغط على الصين أو حماية للمصالح الأميركية، بل جزءًا من شبكة معقدة من المصالح والعلاقات المالية.
مقالات ذات صلة: هدية لآبل وسامسونج: ترمب يعفي الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر من رسومه