في عملية معقدة وواسعة النطاق، تمكن الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد من تهريب أمواله وممتلكاته السرية وثروته المالية الضخمة من سوريا إلى الإمارات، قبل أن يفر من البلاد في الأيام الأخيرة لنظامه. التقرير الاستقصائي الذي نشرته وكالة “رويترز” اليوم الخميس يكشف لأول مرة خفايا هذه العملية التي تمّت تحت غطاء من السرية، وبمشاركة شبكات معقدة من المسؤولين والمستشارين وموظفي المخابرات، وانتهت في قاعدة حميميم الروسية بعملية إجلاء جوي تحمل طابعًا دراميًا.
وبحسب التحقيق، فقد استأجر الأسد طائرة خاصة من طراز “إمبراير ليغاسي 600” المُسجلة في غامبيا تحت الرقم التعريفي C5-SKY، استخدمت في تنفيذ أربع رحلات بين السادس والثامن من ديسمبر، من بينها رحلة أخيرة غادرت من قاعدة حميميم الروسية التي تسيطر عليها موسكو. الرحلات الأربع نقلت أموالًا نقدية لا تقل عن نصف مليون دولار في كل مرة، بالإضافة إلى وثائق سرية وأقراص صلبة تحمل معلومات عن شبكة “المجموعة” الاقتصادية التي بناها الأسد على مدار أكثر من عقدين.

مَن نفّذ العملية؟
الرجل الذي تولّى ترتيب العملية هو يسار إبراهيم، أحد أقرب المستشارين الاقتصاديين للأسد، والذي كان يشغل رسميًا منصب مدير المكتب المالي والاقتصادي في القصر الرئاسي. ويُعتقد أن إبراهيم كان الواجهة المدنية لعدد من الاستثمارات والشركات المرتبطة بالأسد، وشغل دورًا محوريًا في إخفاء الأصول خارج سوريا. وقد فرضت عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات لدوره في تمويل النظام.
المعلومات التي كشفتها رويترز جمعت من 14 مصدرًا بينهم مسؤولون سابقون في المخابرات الجوية، وموظفو مطارات، وضباط في الحرس الجمهوري، ومسؤولون في الحكومة الجديدة التي تسعى الآن لاسترجاع الأموال المنهوبة. كما اعتمدت الوكالة على سجلات تتبع الطيران، صور أقمار صناعية، ومراسلات على تطبيق “واتساب” بين مساعدي إبراهيم.
ما الذي حملته الطائرة؟
من بين المواد التي حملتها الرحلات الأربع، حسبما تؤكد مصادر رويترز، كانت هناك حقائب سوداء لا تحمل علامات تحتوي على مئات الآلاف من الدولارات نقدًا، بالإضافة إلى أقراص صلبة وأجهزة كمبيوتر تضم معلومات استخباراتية وتجارية حساسة. البيانات تتضمن سجلات مالية، محاضر اجتماعات، اتفاقيات شراكة، ملكيات عقارات وشركات، وتحويلات مالية لحسابات مصرفية خارجية.
الرحلتان الأوليان نقلتا أيضًا أفرادًا من عائلة الأسد ومساعديه المقربين، بعضهم من الشباب، بالإضافة إلى لوحات فنية ومنحوتات صغيرة. وذكرت ثلاثة مصادر من العاملين في مطار دمشق أن القاعة التي خُصصت لهذه الرحلات كانت تحت حماية مباشرة من عناصر المخابرات الجوية، بينما تكفّلت سيارات الحرس الجمهوري بنقل الحقائب والركاب.
الدور الإماراتي؟
بحسب التحقيق، فإن سيارات مصفحة تابعة لسفارة الإمارات في دمشق كانت موجودة في قاعة كبار الزوار بالمطار خلال واحدة على الأقل من الرحلات الأربع، ما يشير إلى أن السلطات الإماراتية كانت جزءًا منها.
كما أكدت صور الأقمار الصناعية والطيران أن الطائرة حطت في مطار البطين الخاص في أبوظبي، وهو مطار يُستخدم عادة لاستقبال كبار الشخصيات ويوفر مستويات عالية من الخصوصية.
الرحلة الأخيرة: من حميميم إلى أبوظبي
في الساعات الأولى من الثامن من ديسمبر، ومع اقتراب قوات المعارضة من العاصمة دمشق، اختفى الأسد من المشهد. توقفت الرحلات الجوية من مطار دمشق، وفي تلك اللحظة، حلّقت طائرة “إمبراير” من قاعدة حميميم الروسية التي تبعد أكثر من 200 كيلومتر عن دمشق، لتعود إلى أبوظبي. وكانت تلك آخر الرحلات التي نقلت أسرار النظام إلى الخارج.
مصادر من داخل شبكة أعمال الأسد قالت إن أحمد خليل خليل، أحد أعوان يسار إبراهيم والمدير التنفيذي للعديد من شركات النظام، كان على متن الرحلة الأخيرة، وهو يحمل مبلغ 500 ألف دولار نقدًا، حصل عليها من حساب مصرفي في بنك سورية الدولي الإسلامي. هذا البنك يُعتقد أنه أحد الأذرع المالية لشبكة الأسد، ويمتلك فيه إبراهيم نصف أسهم شركة “البرج للاستثمار”، بحسب سجلات سورية رسمية تعود إلى عام 2018.
رد الحكومة الجديدة
الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع أكدت لرويترز عزمها استعادة الأموال المنهوبة، وأفاد أحد كبار المسؤولين بأن السلطات تُحقق في كيفية إخراج الأصول وتتبّع وجهتها. وأضاف أن استعادة الأموال ستكون جزءًا أساسيًا من خطط إنقاذ الاقتصاد السوري الذي يعاني من العقوبات ومن تآكل العملة المحلية.
مقالات ذات صلة: بينما كان شعبه يموت جوعًا – جمع الأسد ثروات ضخمة