
فرض الاتحاد الأوروبي غرامات مالية قاسية على شركتي أبل وميتا، في أول تطبيق عملي لما يُعرف بـ”قانون الأسواق الرقمية”، المصمم لتقييد هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى وتعزيز المنافسة. الغرامة المفروضة على شركة أبل بلغت 500 مليون يورو، أي ما يعادل 570 مليون دولار، بينما فُرضت على شركة ميتا – المالكة لفيسبوك، إنستغرام وواتسآب – غرامة بقيمة 200 مليون يورو، أي نحو 228 مليون دولار.
هذه العقوبات جاءت بعد تحقيق استمر عامًا أجرته المفوضية الأوروبية، التي خلصت إلى أن العملاقين الأميركيين لم يمتثلا للقواعد الجديدة التي تهدف إلى كسر الاحتكارات الرقمية وإتاحة فرص متكافئة أمام المنافسين الصغار، لا سيما في قطاعات الإعلانات، المدفوعات، والوصول إلى المنصات.
في حالة أبل، خلصت المفوضية إلى أن الشركة تفرض قيودًا تقنية وتجارية تمنع مطوري التطبيقات من توجيه المستخدمين إلى خيارات دفع خارجية خارج متجر التطبيقات الخاص بها، ما يُعتبر خرقًا واضحًا لقواعد الشفافية والاختيار المفروضة في القانون الجديد.
أما بخصوص شركة ميتا، فقد تم تسليط الضوء على نموذج الاشتراك المدفوع الذي طرحته في نوفمبر 2023، والذي يسمح للمستخدمين بالاختيار بين استخدام الخدمات مجانًا مع الموافقة على مشاركة بياناتهم لأغراض الإعلانات، أو دفع رسوم مقابل تجربة خالية من الإعلانات. المفوضية رأت أن هذا النموذج يفتقر إلى التوازن ويضغط على المستخدمين للتخلي عن خصوصيتهم، ما يتنافى مع جوهر قانون الأسواق الرقمية الأوروبي.
تزامن هذا التصعيد مع توترات تجارية متزايدة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، خصوصًا في ظل تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 20% على الواردات الأوروبية. ومع أن الرسوم فُرضت مبدئيًا بنسبة 10% وتم تعليقها لـ90 يومًا، فإن فرض الغرامات الأخيرة على شركتين أميركيتين بهذا الحجم قد يؤدي إلى تأجيج التوترات السياسية والتجارية بين الجانبين.
ويجري الاتحاد الأوروبي حاليًا مفاوضات مع الإدارة الأميركية في مسعى إلى رفع الرسوم الجمركية على الواردات الأوروبية، وقالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد إنه يمكن للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التوصل إلى اتفاق بشأن التجارة، لكنهما قد يحتاجان إلى إجراء بعض المفاوضات “الجادة” و”المرهقة” حول بعض القطاعات.
واعتاد ترمب انتقاد الضرائب والغرامات والقيود التنظيمية المفروضة على الخدمات الرقمية الأميركية في أوروبا. وخلافا للعادة، أُعلنت الغرامات الجديدة في بيان من دون مؤتمر صحافي. وعلى إثر ذلك، تلتزم أبل وميتا الصمت. فأصدرت الأولى بيانًا أعلنت فيه نيتها استئناف قرار الغرامة، ووصفت الحكم بأنه “غير عادل”، وأكدت أن المفوضية الأوروبية تتجاهل الأثر السلبي الذي قد تسببه هذه الخطوة على خصوصية وأمن المستخدمين، إلى جانب الإضرار بجودة منتجات أبل، وفرض مشاركة تقنياتها بدون مقابل.
من جانبها، ردت ميتا بغضب أكبر، إذ اتهمت المفوضية الأوروبية بأنها تستهدف الشركات الأميركية الناجحة وتسمح في المقابل للشركات الصينية والأوروبية بالعمل تحت معايير مختلفة. واعتبرت ميتا أن القرار لا يتعلق فقط بغرامة مالية، بل بإجبار الشركة على إعادة هيكلة نموذج أعمالها بالكامل، وهو ما يشبه فرض “ضريبة بمليارات الدولارات” على الشركة – بحسب وصفها – إلى جانب تقليص جودة الخدمة المقدمة للمستخدمين الأوروبيين.
تجدر الإشارة إلى أن هذه العقوبات تأتي في وقت تخضع فيه ميتا أيضًا لمحاكمات تاريخية في الولايات المتحدة بتهم تتعلق بالاحتكار ومخالفات تنافسية، قد تجبرها على فصل تطبيقي إنستغرام وواتسآب.
مقالات ذات صلة: هل سُتجبَر “ميتا” على بيع إنستغرام وواتساب؟