
منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عام ونصف، يُعاني قطاع البناء في البلاد من نقص حاد في الأيدي العاملة. فقد مُنع دخول ما يقرب من 80 ألف عامل فلسطيني إلى البلاد بشكل مفاجئ، ما أحدث فجوة كبيرة في القدرة الإنتاجية لشركات المقاولات. ورغم محاولات سد هذا الفراغ عبر استقدام عمال أجانب من دول مثل الهند وسريلانكا ومولدوفا وتايلاند، فإن ظاهرة هروب هؤلاء العمال للعمل بشكل غير قانوني في وظائف أخرى غير المتعلقة بقطاع البناء خلق أزمة جديدة.
بحسب تحقيق لموقع كالكاليست الاقتصادي، وتقارير تلقتها مؤخرًا وزارة الداخلية وشركات تشغيل العمال الأجانب، يوجد تفشٍ متزايد لظاهرة فرار العمال الجدد بعد فترة قصيرة من وصولهم إلى البلاد، خصوصًا من الهند وسريلانكا. وفقًا لمصادر في القطاع تحدثت إلى صحيفة كالكاليست، فإن بعض هؤلاء لا يصمد أكثر من بضعة أيام قبل أن يختفي وينتقل للعمل في مهن أسهل، وبطريقة غير قانونية، في المطاعم، والمخابز، وخدمات تنظيف، بعيدًا عن التزاماتهم الأصلية في البناء.
كذلك، باتت عملية الهروب منظمة وتُدار من قبل شبكات من العمال الأجانب غير القانونيين الذين يعيشون في البلاد منذ سنوات. هؤلاء يغرون الوافدين الجدد بالعمل بأجور أعلى، ويؤمنون لهم أماكن سكن، وفي بعض الحالات يأخذون عمولات مقابل توفير وظائف في الاقتصاد الموازي. على سبيل المثال، في مدينة أور عقيڤا، يعيش ما بين 200 إلى 300 عامل في “شقق سرية” ويعملون في قيسارية وزخرون يعكوف والمناطق المجاورة، بحسب إحدى الشركات المشغلة.
من أصل 145 عاملاً استقدمتهم شركة “غلوبال هايِر” خلال العام الماضي، فرّ منها 31 في أقل من شهرين، بحسب ما أورد موقع كالكاليست. الفارّون ينقسمون بالتساوي تقريبًا بين هنود وسريلانكيين، لكن السريلانكيين أكثر قدرة على الاختفاء بسبب شبكات الدعم القائمة لديهم داخل جاليتهم.
يشير الخبراء في سوق البناء المطلعون على هذه الظاهرة أن الدولة لا تبذل جهدًا حقيقيًا للعثور على العمال الهاربين. وفقًا للأنظمة الرسمية، يجب على الشركات المشغلة الإبلاغ عن كل عامل يهرب، لكن نادرًا ما تتحرك السلطات. وتضطر هذه الشركات لمواصلة دفع رسوم شهرية تبلغ 2,000 شيكل عن كل عامل، حتى نهاية السنة التقويمية، حتى لو فر العامل بعد يومين من وصوله. أضف إلى ذلك رسم تسجيل أولي يبلغ 1,000 شيكل. وبهذا، قد تتكبد الشركة 24 ألف شيكل عن عامل واحد اختفى في بداية السنة.
يؤثر ذلك أيضًا على المقاولين الذين يعتمدون على هؤلاء العمال لإنهاء مشاريع الإسكان في الوقت المحدد. فرار مجموعة من العمال يمكن أن يعرقل الجدول الزمني للبناء، ويجبر المقاول على تدريب عمال بديلين أو اللجوء إلى عمال فلسطينيين لا يمتلكون تصريحات عمل. وفي النهاية، يتحمل المشتري التأخير والتكاليف الزائدة.
رغم أن عدد العمال الأجانب المخصصين للبناء ارتفع من 30,000 إلى 70,000 منذ بدء الحرب، وعدد شركات التشغيل قفز من 49 إلى 280، فإن “سلطة السكان والهجرة” لا يزال تعاني من نقص في القوى العاملة، ما يجعل من الصعب متابعة شؤون التشغيل والهاربين بشكل فعال.
جزء من المشكلة يعود أيضًا إلى استقدام عمال غير محترفين وُصِفوا، بشكل غير صحيح، بأنهم ذوو خبرة في البناء. بعضهم فشل في التأقلم أو طُرد من قبل المقاولين، فاختار الهرب بدلاً من المخاطرة بالبطالة.
مقالات ذات صلة: سوق العمل يواجه نقصًا تاريخيًا في العاملين: وهذه الوظائف تعاني أكثر من غيرها