لماذا يهمّنا الأمر: كان ياما كان، كان هناك طائرٌ انقرض من “الكسل”! تحكي قصّته الأغرب من الخيال الكثير عن تطوّر الكائنات الحيّة، وعن تأثير الإنسان المدمّر على البيئة.
التفاصيل: اخلطوا في “مولينكس” خيالكم بطريقًا بدينًا وحمامةً رماديّة، وستحصلون على طائرٍ يشبه الدودو. سكن المرحوم جزيرة موريشيوس الساحرة في المحيط الهنديّ، وظلّ مرابطًا فيها حتّى انقراضه. كان يبلغ من الطول مترًا ومن الوزن 50 رطلًا. وامتلك منقارًا معقوفًا لم تحسده الطيور على شكله، وريشًا بلون الجوارب البيضاء المتّسخة. كان يمشي بتمايلٍ كزورقٍ سكران، ولم يكن يجيد الطيران، لأنّ جناحيه صَدِئا مع الوقت لقلّة الاستخدام.
زووم إن: كانت جزيرة موريشيوس تشبه الجنّة التي طالما حلم بها الإنسان، حيث الفواكه والمياه العذبة متوفّرة على الدوام. سكنتها بتآخي حيواناتٌ مسالمة كالدودو والسلاحف الضخمة والحمامة الورديّة وخفّاش الفاكهة. فلم يحتج صاحبنا أن يُطوّر وسائل دفاعيّة كالطيران، وبنى عشّه على الأرض عوض الأغصان. كان يتمدّد تحت الشمس الاستوائيّة، قرب صديقته “ليولوبيزما” السحليّة، ويكسر بمنقاره القوّيّ ثمار جوز الهند، كمتقاعدٍ غنيّ لا يبذل جهدًا إلّا لفتح علب البيرة.
الصورة الكبيرة: ولأنّ كلّ قصص الجنّة لا تكتمل إلّا بوصول الأفعى، فقد جاء البشر (الهولنديّون منهم) إلى الجزيرة أوّل مرة عام 1507، في عصر الاكتشاف البحريّ الأوروبيّ. وجلبوا معهم أصدقاءهم المفترسين، كالقطط، والجرذان، والقرود، والخنازير. وقد تغذّى المستوطنون الغرباء على بيوض الدودو، وفراخه، ونافسوه في لقمة عيشه. وقام البشر بهشّ لحمه ونشّه، إذ لم يكن المسكين المفتقر للياقة البدنيّة بقادرٍ على الهرب منهم، تمامًا كعدم قدرة بطّيخة رحلاتكم إلى الشاطئ على الفرار.
التدحرج خارج الجنّة: وبعد أقلّ من مئة عام على وصول الغزاة، وبعد أن شاهد جنّته يَرِثُها الإنسان والجرذان، انقرض الدودو من الأسى، مع العديد من أصدقائه. تدحرجت روحه من وطنه إلى السماوات، ولم يبقَ من أثرٍ له في أرضه، سوى الهياكل العظميّة المدفونة في التراب، والتي نبشها أيضًا الإنسان لدراستها، أو لعرضها في متاحف التاريخ الطبيعيّ الأوروبيّة والأمريكيّة.
ما بين السطور: تحثّنا قصّة الدودو على التفكير في التوازن الدقيق للنظام البيئيّ. وتبيّن لنا أثر التدخّل الطائش للإنسان على الكائنات الحيّة. قد تكون هذه القصّة عيّنةً مصغّرةً عن الأخطار التي تواجه الحياة زمن الاحتباس الحراريّ والأسلحة النوويّة. وقد لا يكون طائر الدودو هو الشخصيّة الأكسل فيها، بل الإنسان الذي يستسهل جني المكاسب دون عناءٍ أو تأمّلٍ في العواقب.