الشبح الذي يدّعي الجميع عدم رؤيته: عن الخوف من انهيار البنوك الفلسطينيّة

قلق كبير يسود الأوساط الدوليّة من انهيار البنوك الفلسطينيّة لكن الكل يخاف من التحدّث عن ذلك بشكلٍ علنيّ ومباشر، لأنّ مجرّد انتشار الشائعات عن البنوك قد يؤدّي إلى انهيارها. وهذه الكارثة، إن وقعت، ستعصف بحياة الفلسطينيين ولن تقتصر عليهم وحدهم،
أيقون موقع وصلة Wasla
طاقم وصلة

في قصّة كولومبيّة شعبيّة، تستيقظ عجوز بشعور غامض أنّ شيئًا سيحدث. ينتقل شعورها المتشائم إلى ابنها، ثمّ إلى أصدقائه، حتّى تشعر فيه البلدة كلّها. وفي النهاية، يهجر جميع السكّان الخائفين بلدتهم، فتقول العجوز: “ألم أحذركم أن أمرًا سيئًا سيحدث؟”. تلخّص هذه القصّة علاقتنا مع أيّ بنك، إذا فقدنا الثقة فيه، وشعرنا أنّ شيئًا خطيرًا سيحدث له (ولو لم يكن هناك ما يستدعي ذلك)، فسنسحب أموالنا منه، وعندها سينهار البنك، وسيتأكّد شعورنا المتشائم.

Arab Bank Birzeit
فرع البنك العربي في بير زيت، الضفة الغربية- مصدر: ويكيميديا

لماذا يهمّنا الأمر: في مقال طويل على موقع The Marker، يتحدّث الكاتب الإسرائيليّ إيتان أفرييل عن  قلق كبير يسود الأوساط الدوليّة من انهيار البنوك الفلسطينيّة، وعن الخوف من التحدّث عن ذلك بشكلٍ علنيّ ومباشر، لأنّ مجرّد انتشار الشائعات عن البنوك قد يؤدّي إلى انهيارها. وهذه الكارثة، إن وقعت، ستعصف بحياة 3 مليون فلسطينيّ من سكّان الضفة الغربيّة، ومليونين من سكّان غزّة، دون أن تقتصر عليهم وحدهم، إذ ستؤثّر على استثمارات فلسطينيّي الداخل في الضفّة، وستخلق وضعًا أمنيًّا معقّدًا قد ينفجر في وجه إسرائيل، والتي يقع على سياساتها اللوم الأكبر.

معلومات اقتصاديّة لتوضيح السياق: 

  • منذ الأزمة الاقتصادية عام 2008، بات محرّمًا الحديث عن احتماليّة انهيار البنوك، كي لا يُصاب زبائن البنوك بالهلع ويسحبون أموالهم.
  • قبل عام، انتشرت شائعات حول بنك “وادي السيليكون“، نتيجة قيامه ببيع سندات بخسائر لتوفير السيولة الماليّة المطلوبة. أدّى ذلك إلى فزع المودعين، فسحبوا أموالهم وانهار البنك رغم التطمينات الحكوميّة.
  • يتكوّن النظام المصرفيّ الفلسطينيّ من 13 بنك خاصّ، 5 منها تشكّل فروعًا لبنوك أردنيّة (كالبنك العربيّ، لذلك سيمتدّ أثر انهيار النظام المصرفيّ إلى الأردن)، و4 بنوك أصحابها فلسطينيّون (كبنك فلسطين)، بالإضافة إلى بنك مصريّ (البنك العقاريّ المصريّ) و3 بنوك إسلاميّة تمنح قروضًا “حلال”. وتمتلك هذه البنوك 400 فرع في المدن والقرى الفلسطينيّة، تقدّم قروضًا للحكومة والأفراد، وتوفّر إمكانيّات الدفع والتقسيط، وخدمات عديدة مواكبة للتطوّرات كالـ ATM وبطاقات الائتمان والإنترنت البنكيّ.
  • حتّى عشيّة حرب السابع من أكتوبر، كانت البنوك الفلسطينيّة تعيش أوضاعًا جيّدة وتحقّق نموًّا في العديد من المجالات، وتعافيًا بعد جائحة كورونا. وفي نهاية عام 2022، بلغت نسبة القروض المتعثّرة (التي لا يتمّ سداد فوائدها) أقل من 4.2% من مجموع القروض البالغ 11 مليار دولار، نتيجة للسياسة الماليّة الصارمة. وقد صدر قرار إسرائيلي بتحويل أموال العمّال الفلسطينيّين في إسرائيل عبر البنوك الفلسطينيّة، ما زاد سيولتها وقدرتها على الإقراض.
  •  اعتبر تقرير صندوق النقد الدوليّ قبل الحرب أنّ البنوك الفلسطينيّة “مستقرّة، ووضعها تحت السيطرة”، لكنّه حذّر من علامات أوّليّة للتدهور نتيجة الأوضاع الأمنيّة، وعدم تحويل إسرائيل أموال المقاصّة للسلطة الفلسطينيّة (وهي الضرائب والجمارك التي تجمعها إسرائيل نيابةً عن السلطة من التجّار الفلسطينيّين الذين يستوردون بضاعتهم عبر المعابر والموانئ التي تسيطر إسرائيل عليها جميعها، وتزيد قيمتها الشهريّة عن 200 مليون دولار، وتشكّل أكثر من نصف موازنة السلطة).
  • نتيجة السياسات الاقتصاديّة التي بادر إليها رئيس الوزراء الفلسطينيّ سلام فيّاض (2007-2013)، زاد اعتماد المواطنين الفلسطينيّين على القروض الاستهلاكيّة من البنوك، لشراء الشقق والسيارات، وقد بلغت 68% عام 2014 من مجمل القروض (مقابل القروض الإنتاجيّة وقروض التعليم والصحّة والزراعة)، ما أوقع العديد منهم في شرك القروض ذات الفوائد المرتفعة، بضمان رواتبهم. 

نتيجة السياسات الاقتصاديّة التي بادر إليها رئيس الوزراء الفلسطينيّ سلام فيّاض (2007-2013)، زاد اعتماد المواطنين الفلسطينيّين على القروض الاستهلاكيّة من البنوك، لشراء الشقق والسيارات

Salam Fayyad World Economic Forum 2013
سلام فياض، مصدر: ويكيميديا ، تصويرMonika Flueckiger

التفاصيل: هناك 3 أسباب رئيسيّة قد تؤدّي إلى انهيار البنوك حسب الكاتب إيتان أفرييل:

  • منع إسرائيل دخول العمّال الفلسطينيّين: ما يقارب 150 ألف عامل فلسطينيّ كانوا يدخلون إسرائيل يوميًّا أصبحوا بلا رواتب منذ الحرب. وهذا سيؤدّي إلى عجز في الاقتصاد الفلسطينيّ بشكل عام، وسيؤثّر على قدراتهم على الوفاء بالتزاماتهم المختلفة للبنوك.
  • عدم تحويل إسرائيل أموال المقاصّة إلى السلطة الفلسطينيّة: والهدف من ذلك معاقبة السلطة لأنّها تدفع رواتب لعائلات الأسرى ومنفّذي العمليات. لكن، معظم أموال المقاصّة تستخدمها السلطة في دفع رواتب موظّفيها، وفي المشتريات، والصرف على الخدمات العامّة، ما سيُضعف الاقتصاد الفلسطينيّ بمجمله. أمّا تأثيرها المباشر على قطاع البنوك، فيتلخّص في أنّ 40% من قروضها مُنِحَت للسلطة ومؤسّساتها، ما سيؤثّر في القدرة على سدادها. ورغم أنّ اتّفاقًا رعته الولايات المتّحدة تلعب فيه حكومة النرويج دورًا في نقل هذه الأموال، وضمان عدم وصولها إلى الأيدي التي ترفضها إسرائيل، فإنّ هذا الاتفاق لم يُنفَّذ بعد. 
  • ضعف النشاط التجاريّ لفلسطينيّي الداخل: بعد السابع من أكتوبر، قلّص العديد من العرب الذين يحملون الجنسيات الإسرائيليّة من أعمالهم التجاريّة في مناطق السلطة، ما أثّر سلبًا على الاقتصاد الفلسطينيّ، كونهم يشكّلون عملاءً هامّين له.
Megillah reading in Beit Horon March 2023 V 1
مصدر الصورة: الناطق بلسان الشرطة

ما بين السطور: لأسباب سياسيّة، يرغب العديد من صنّاع القرار الإسرائيليّين، كأعضاء كنيسيت ومسؤولين في الحكومة، في انهيار السلطة الفلسطينيّة ونظام بنوكها، إذ يرفضون تطوير أيّ بوادر لدولة مستقلّة. على رأسهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الداعم للاستيطان والمتحمّس للأفكار التوراتيّة والمسيانيّة، والذي يرغب في حلّ السلطة وضمّ الضفّة الغربيّة، ويحلم في تهجير العرب من “أرض الميعاد”. (نتيجة فرض عقوبات أمريكيّة على مستوطنين في الضفّة، يتوعّد سموتريتش بالانتقام من الاقتصاد الفلسطينيّ، ويعتزم رفع الحماية القانونيّة عن البنكين الإسرائيليَّيْن “ديسكونت” و”هبوعليم”، اللذَيْن يربطان بين النظام البنكيّ الفلسطينيّ وبين النظام البنكيّ العالميّ).

صحيح، لكن: لا يهدف مقالنا هذا إلى إثارة الذعر، أو دفع الناس إلى سحب الأموال من البنوك الفلسطينيّة، فهذا ما سيؤدّي إلى انهيارها وضياع أموالهم. ولا يزال الأمر مجرّد تحذيرات اقتصادية تثير قلقًا لدى العديد من الأوساط. (تحسّن مؤخّرًا النشاط الاقتصادي لفلسطينيّي الداخل في الضفّة، وقد نشهد قريبًا عمل الاتفاقيّة النرويجيّة، وهناك تأكيد أمريكيّ قوّيّ على دعم السلطة الفلسطينيّة وحلّ الدولتين). ولا شكّ أنّ محرر صيحفة دا ماركر يهدف في مقاله إلى حثّ رجال السياسة والاقتصاد في بلده على القيام بإجراءات ملموسة لمنع الانهيار، كالسماح بعودة العمّال الفلسطينيّين، وتحويل أموال المقاصّة، لأنّ العالم سيلوم إسرائيل إذا وقعت هذه الكارثة، وسيترتب على الأمر تبعات اقتصاديّة وسياسيّة وأمنيّة سيكون عليها التعامل معها.

مقالات مختارة

Skip to content