فلاش باك: في عام 2021، افتُتَحت محطّة جديدة في ميناء حيفا بتكلفة 1.7 مليار دولار، تديرها -لمدّة 25 عام- مجموعة شنغهاي الدوليّة للموانئ المملوكة للصين. ما أكمل سلسلةً من التغلغل الصينيّ في الاقتصاد الإسرائيليّ، كالاستثمار في الزراعة وقطاع الهايتك، وشراء شركة تنوفا المسيطرة على سوق الألبان، وبناء وتشغيل مترو تل أبيب.
قلق:
- أثار الوجود الصينيّ في إسرائيل مخاوف حليفتها الاستراتيجيّة، الولايات المتّحدة، التي لم تنجح ضغوطها في منع تشغيل الصينيّين للمحطّة الجديدة، فمنعت أسطولها السادس من أن يرسو في ميناء حيفا كما كان معتادًا، خشية التجسّس الصينيّ عليه، خاصّة أنّ أمريكا لا تؤمن بوجود حدودٍ بالصين بين الاستخدامات المدنيّة والعسكريّة.
- كذلك، أُثيرت مخاوف إسرائيليّة داخلية من أن تصبح إسرائيل رهينة لدى الصين في اقتصادها (المحطّة الجديدة في حيفا تستحوذ على 88% من سوق الشحن البحريّ)، وأن يتأثّر أمنها القوميّ من التجسّس الصينيّ (ميناء حيفا يقع قرب قاعدة لسلاح البحريّة الإسرائيلي يُعتقَد -بحسب الجيروسلم بوست– أنّها تحوي غواصات نوويّة). ودعا رئيس الشاباك عام 2019 إلى فرض قيود رقابيّة مشدّدة، وتلقّى رئيس لجنة الدفاع في الكنيست هذه السنة رسالة تدعو لمناقشة المشاركة الصينيّة في مشاريع البنية التحتيّة، وحذّر مؤخّرًا أحد مؤسّسي وحدة السايبر في الشاباك من أنّ الصين تشدّد مواقفها ضد إسرائيل.
بعد 7 أكتوبر: لم تدن الصين هجوم حماس، بينما وصف وزير خارجيّتها الحرب الإسرائيليّة على غزّة بـ “وصمة العار للحضارة”، ودعا رئيسها إلى إقامة دولة فلسطينيّة. واجهت مصانع الهايتك الإسرائيليّة تأخيرًا في تسلّم شحنات المكوّنات الإلكترونيّة من الصين، حيث خُلِقَت عقبات بيروقراطيّة في الاستيراد لم تكن موجودةً مسبقًا، فُسِّرَت لدى البعض على أنّها “عقوبات اقتصاديّة” ضدّ إسرائيل نتيجة الحرب. وصرّح رئيس جمعيّة المصنّعين الإسرائيليّين لموقع ذاماركر قائلًا: “أصبحنا عبيدًا للصينيّين في الواردات، وقد نضطر لإيجاد مصادر أخرى”.
صبّ الزيت على النار: فرضت هجمات الحوثيّين في البحر الأحمر شللًا على موانئ إسرائيل، وزيادةً لتكاليف الشحن وتأخيرًا كبيرًا، إذ تضطر العديد من السفن إلى قطع طريق بديل طويل يمرّ برأس الرجاء الصالح (يواجه نصف العمّال في ميناء إيلات خطر التسريح، وتستعدّ إسرائيل لنقص في السيّارات). وفي بداية هذا العام، علّقت شركة كوسكو الصينيّة العملاقة للشحن البحريّ رحلاتها إلى إسرائيل مبرّرةً ذلك بالتوتّرات في البحر الأحمر (رغم العلاقات الاستراتيجيّة بين الصين وإيران الداعمة الأساسيّة للحوثيّين)، ما أضرّ كثيرًا بنشاط التحميل في محطّة حيفا الجديدة، وبشراكتها مع شركة زيم الإسرائيليّة في نقل السيارات الصينيّة إلى إسرائيل عبر ميناء إيلات (حتّى قبل إعلانها الرسميّ تعليق رحلاتها، انخفض عدد حاوياتها في حيفا شهر 11-2023 من 13 ألف إلى 2800 حاوية). ما دفع ميناء أسدود إلى وصف المحطّة بالخطر الاستراتيجيّ، والصين بإحدى “دول محور الشرّ”.
ختامًا: تستخدم الشرطة الإسرائيليّة نظام كاميرات ذكيّة يُدعى “عين الصقر“، مكوّناته مصنوعة في الصين، وقد أُدرِجَت في القائمة السوداء للولايات المتّحدة. العقوبات التي تفرضها أمريكا على الصين في حربهما التجاريّة ستؤثّر سلبًا على إسرائيل كلّما ازداد ارتباطها بالصين. ولا شكّ أنّ اللهفة الأمريكيّة بعد هجوم السابع من أكتوبر ودعمها اللامحدود الذي أنقذها طوال الحرب، في مقابل الحدّة الصينيّة، قد بيّنا لإسرائيل في حضن من عليها أن ترتمي: التنّين الصينيّ، أم النسر الأصلع الأمريكيّ.