سلاح المقاصّة: عندما يتحكم عدوّك بأوكسجين اقتصادك

أيقون موقع وصلة Wasla
طاقم وصلة
كيف تسيطر إسرائيل على الاقتصاد الفلسطيني من خلال أموال المقاصة التي يجب أن تحوّلها للسلطة الفلسطينية وكيف تستخدمها للضغط والابتزاز ولفرض العقوبات الجماعية على الفلسطينيين.

تعريف
 أموال المُقاصّة هي الضرائب التي تجنيها إسرائيل “نيابةً” عن السلطة الفلسطينيّة، نظرًا لسيطرتها على كافّة المعابر والحدود التي يستخدمها المواطنون الفلسطينيّون في نشاطهم التجاريّ، وتقتطع منها “عمولةً” إداريّة قيمتها 3%. تشمل هذه الضرائب: جمارك الاستيراد، وضريبة القيمة المضافة، وضريبة الشراء، والمحروقات، وضريبة الدخل للعمّال الفلسطينيّين في إسرائيل. 

ترصد دراسة لمركز مدى الكرمل استخدام إسرائيل أموال المقاصة الفلسطينيّة كوسيلة لابتزاز السلطة الفلسطينيّة، وتحجيم دورها، ولعقاب الشعب الفلسطينيّ في الضفّة وغزّة، خصوصًّا عندما أصبحت السياسات الماليّة الإسرائيليّة لعبةً في يد سموتريتش.

Al Manara Square Ramallah Davide Mauro
مصدر الصورة: ويكيميديا ، تصوير Davide Mauro

سياق
 يرتبط الاقتصاد الفلسطينيّ بعلاقة تبعيّة مع الاقتصاد الإسرائيليّ على كافّة أصعدته لتسهيل السيطرة السياسيّة، وأكبر مثال على التبعيّة هي أموال المقاصّة، وذلك نتيجةً لاتفّاقيّة أوسلو وملحقها الاقتصاديّ الذي يُعرَف ببروتوكول باريس. استخدَمت إسرائيل سلاح احتجاز هذه الأموال والاقتطاع منها 9 مرّات منذ عام   1997 (كان نتنياهو السبّاق بذلك)، وسنّت قوانين تخالف اتفاقيّات جنيف من أجل تجميل قرصنتها.

أهمّية أموال المقاصة

تُشكّل أموال المقاصّة أكثر من ثُلثَي إيرادات السلطة الفلسطينيّة. تستخدمها في دفع أجور أكثر من 240 ألف موظّف، ورواتب المتقاعدين، وفي مساعدات لـ 120 ألف عائلة فقيرة، وفي المشتريات والخدمات العامّة، وفي الوفاء بالتزاماتها للبنوك (40% من قروض البنوك الفلسطينيّة تذهب للسلطة). لذلك، لا يقتصر الضرر على ابتزاز السلطة ونيل مكاسب سياسيّة منها، بل يؤثّر في الوضع الاقتصاديّ للمواطن الفلسطينيّ، ويهدّد بتعميق الأزمات وتعجيل الانهيارات الماليّة.

Randa107
مصدر الصورة: ويكيميديا ، تصوير Randa107
 أهداف إسرائيل من احتجاز هذه الأموال على اختلاف حكوماتها:
  • عقاب على تدهور الوضع الأمنيّ: كما حصل عام 1997، وكذلك في انتفاضة عام 2000 حين احتجزت حكومة باراك 500 مليون دولار لمدّة عامَين.
  • عقاب على الخيارات السياسيّة: مثل احتجاز حكومة أولمرت 1.1 مليار دولار لمدّة 16 شهر عقوبة على فوز حماس بالانتخابات العامّة.
  • عقاب على المصالحة: فعلت ذلك حكومة نتنياهو عام 2011 فاحتجزت 100 مليون دولار من أموال المقاصّة لمدّة شهر ردًّا على توقيع اتّفاق المصالحة بين فتح وحماس.
  • عقاب على توجّه السلطة للمحاكم الدوليّة أو الانضمام إلى المنظمات الأمميّة: كما عندما حاولت السلطة نيل اعتراف من منظمة اليونسكو، أو عند قبول فلسطين دولة غير عضو في الأمّم المتّحدة، أو انضمامها إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة (جُمّدَ وقتها 450 مليون دولار لأكثر من سنة).
  • عقاب على دفع رواتب الشهداء والأسرى: خاصّة بعد المصادقة عام 2018 على قانون تجميد أموال المقاصة، بما يعادل مخصّصات عائلات الأسرى والشهداء. تدّعي إسرائيل أنّ دافع العمليات ضدّها اقتصادي، حيث يرغب المنفّذون في تلقّي معاشات من السلطة!
  • بدل للخدمات التي تقدّمها إسرائيل للسلطة الفلسطينيّة: كفواتير شركتي الكهرباء والماء.
  • لتوريط السلطة بقروض إسرائيليّة: نتيجة أزماتها المتكرّرة الناجمة عن اقتطاع أموال المقاصّة، تقوم السلطة الفلسطينيّة بالاقتراض من إسرائيل، فتجني الأخيرة أرباحًا على حساب السلطة، وتعزّز تبعيّتها لها وسيطرتها عليها.
  • تعويض لعائلات المستوطنين: في بداية عام 2024، قرّر سموتريتش تحويل 139 مليون شيكل من أموال المقاصّة، لصالح عائلات المستوطنين الذين قُتلوا في عمليات نفّذها فلسطينيّون.
  • أداة مساندة للعمليات العسكريّة: كضغط سموتريتش على حكومته لحرمان أهالي غزّة من حصّتهم من أموال المقاصة أثناء حرب السابع من أكتوبر، وقيمتها 5.5 مليار شيكل. 
  • تفكيك السلطة الفلسطينيّة: يرغب سموتريتش بتفكيك السلطة الفلسطينيّة، وسحق أي بذور حاليّة لدولة فلسطينيّة مستقبليّة على أساس حلّ الدولتين، ويهدف من ذلك لضمّ الضفّة الغربيّة، وتحقيق الوعود المسيانيّة.

ختامًا
تتحمّل السلطة الفلسطينيّة جزءًا من هذه المسؤوليّة، إذ ترضخ دائمًا للعقوبات الإسرائيليّة، وتتراجع في كثيرٍ من الأحيان عن مواقفها في رفض تسلّم أموال المقاصّة ناقصةً. ولا شكّ أنّه قد آن الأوان أن تستعمل السلطة أوراق قوّتها بطريقةٍ أكثر حكمة، ولا توافق على التحوّل إلى مجرّد أداة إدارية بيد الاحتلال العسكريّ للضفّة، وأن تبحث عن بديلٍ لاتّفاقيّة أوسلو وملحقاتها.

مقالات مختارة

Skip to content