أصحاب المحلات في عكا القديمة يواجهون صفعات اقتصادية واحدة تلو الأخرى!
تقرير: نرمين عبد موعد
وأنت في طريقك الى عكا القديمة، خذ نحو زواريبها مسلكًا واقرع أبواب محالها الفارغة، ربما تكون أنت الزبون الأول في يوم طويل قد خلى من الزبائن! لطالما تميزت مدينة عكا عن غيرها من المدن في البلاد، إذا تجمع بين العراقة والتاريخ، البحر والميناء، وسوقها التاريخي، حياة نابضة جعلتها تحظى دائماً بمكانة اقتصادية واجتماعية يقصدها القريب والبعيد، بالإضافة الى مكانتها السياحية التي تعتمد على السياحة الداخلية التي تعتمد على الزبائن العرب، واليهود بالأساس وعلى السياحة الأجنبية بطبيعة الحال.
“لم نكد ننتعش من الكورونا ومن أحداث هبة الكرامة فجاءت الحرب”
لا شك أن البلاد تمر بأزمة اقتصادية لا مثيل لها، منذ السابع من أكتوبر، وهذا ما أكده أصحاب المحلات التجارية في عكا خلال تجوالنا في السوق القديم في البلدة، منهم من تعاون معنا ورغب في إيصال صوته، ومنهم من رفض أو اختار عدم ذكر اسمه.
وأنت في طريقك الى السوق، لا يمكنك المرور من جانب مدخل البازار التركي، دون أن تلمح بسطة ” حلويات جمعة “، لصاحبها جمعة طه، وهي عبارة عن حلويات تراثية يقوم بتصنيعها هو وعائلته، مثل: ” حز الليمون، راحة، سمسمية، نوجا أو علاكة، حلاوة، فستق، مكسرات مع عسل” وغيرها من الحلويات الأصيلة، كان جمعة يقف أمام بسطته ينتظر الزبائن في السوق الخالي منهم، توجهنا اليه وسألناه عن الأوضاع التجارية وإذا تأثرت التجارة لديه بسبب الحرب، حيث أكد: ” لقد تأثر البيع بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وخاصة أن عكا مدينة سياحية، تعتمد على السياحة الداخلية، فهي ليست كباقي المدن والقرى المحيطة بها التي تعتمد على مقتنيات أهل البلد “.
ومقارنة مع شهر أكتوبر 2022 ورمضان 2023، قال جمعة أن البيع انخفض إلى 90% في المحل وبالتالي قل انتاج هذه الحلويات، التي يقوم بتصنيعها في معمله الخاص.
وفيما يتعلق بالزبائن اليهود، أكد جمعة: “لقد أثرت الأحداث الأمنية على اقبال الزبائن اليهود الى السوق القديم في عكا، وانخفضت نسبة الزبائن اليهود الى 95% تقريبًا نتيجة للحرب، لقد بدأ البيع يتشافى من بعد كورونا وهبة الكرامة، ومن ثم أتت الحرب وأثرت على البيع بشكل كبير”!
وبالنسبة للتعويضات، إذا تلقى دعمًا من الحكومة أو البلدية قال: “أنه حصل على تعويضات سلطة الضرائب للمصالح المتضررة من الحرب، لكنها غير كافية وكانت عن 3 أشهر (10-12/2023)، والتعويضات الأساسية تقدمها الحكومة للمواطنين المتواجدين في الجنوب، بينما أصحاب المصالح في الشمال لا أحد يهتم بهم!
” أنا حزين… الشغل تعبان، وانا تعبت من الشغل”.
خلال تجوالنا بين أصحاب المحلات التجارية، فجأة سمعتُ صوتًا ينادي لأن أقترب منه وأسمع صوته، كان نداء بائع العصائر الطبيعية عصام جلام، وكانت الكلمة الأولى التي صرح بها أنه حزين، وعندما سألته عن سبب حزنه قال:” لأنه ما في شغل “!
وتابع حديثه: “نحن في عكا، نعتمد على الزبائن اليهود والسياح الأجانب، وفي الوقت الحالي لا يوجد “أجانب ولا يهود!”! حتى الزبائن العرب، لم يعودوا يشتروا منها مثل السابق، أصبحت زياراتهم فقط أيام جمعة وسبت، وهي ليست كما قبل”.
ومن ثم تنهد وقال: “الشغل تعبان، وانا تعبت من الشغل، حتى رمضان لم يكن كالمعتاد، والعيد أيضًا كانت تقييدات من الشرطة على الدخول الى عكا، وخاصة في اليوم الأول من العيد، وكل ذلك بسبب الحرب “.
وفيما يتعلق عن انخفاض مستوى البيع لديه منذ اندلاع الحرب وحتى اليوم، قال إن تراجع المبيعات وصل الى 70% تقريبًا، ولا يوجد لديه بديل آخر للعمل، وتحول المكان الذي يسترزق منه إلى منفس له ينظر وهو جالس على عتبته على المارة، أفضل بالنسبة له من الجلوس في البيت وبين جدرانه، لعل يمر مجموعة من سياح أو زبائن محتملين ويسترزق من بيعهم.
سوق عكا قبل الحرب لا يشبه سوق عكا بعد الحرب!
لم يكن من السهل أن يفصح أصحاب المحلات التجارية في السوق بالحديث والتعبير عن أنفسهم، لكن كل من تحدثنا اليه أكد أن سوق عكا قبل الحرب لا يشبه سوق عكا بعد الحرب، وأن هناك سياسة تتبعها الحكومة لتهميش البلدات المختلطة والتضييق عليها اقتصاديًا مع ولادة كل أزمة سياسية وأمنية وخاصة مدينة عكا.
أحد أصحاب المحلات التجارية وهو صاحب مطعم، فضّل عدم ذكر اسمه، والذي تضرر مطعمه الذي يعتمد ببيعه على السياحة الداخلية وخاصة اليهود، وكان يتحدث بحرقة شديدة عن التقييدات التي فرضتها الجهات المسؤولة على عكا وخاصة في اليوم الأول من العيد، حيث قال ان عكا القديمة كان ممتلئة بأفراد الأمن والشرطة وحرس الحدود وجنود، وهذا أثر على الجو العام وترهيب الناس من القدوم الى عكا، مما تسبب بالضرر.
وأكد أن عكا دائمًا مستهدفة وهي دائمًا تدفع ثمن عدم الاستقرار في الدولة وكل المناوشات ومؤخرًا الحرب!
الشكوى لغير الله مذلة، ولكن…
بدأت “م”، التي رفضت الكشف عن هويتها، حديثها معنا بجملة (الشكوى لغير الله مذلة)، ومن ثم تابعت حديثها بعدما حمدت الله على الوضع قائلة: “لم يعد بإمكاني دفع أجار المحل، لم يعد بإمكاني أدفع “الأرنونا” (ضريبة الأملاك)، قمت بتأجيل دفع فاتورة الكهرباء لشهرين، طلبت من صاحبة الايجار أن تؤجل دفع الايجار لشهرين لكنها رفضت، لم أشعر برمضان ولم أشعر بالحركة التجارية التي تسبق العيد، حتى بعد العيد لم يأت أحد لشراء الملابس، أنا وباقي التجار “منطلع البضاعة، منشمسها، وبعدين منرجعها “، وهنا تلوم أيضًا أهل عكا العرب الذين لا يدعموا أصحاب المحلات التجارية العربية ويذهبون لدعم المحلات التجارية في المجمعات التجارية أو خارج عكا، بدلاً من دعمهم”. وتابعت حديثها: “في كل أزمنة تمر بها البلاد، مدينة عكا أول المتضررين، تصدر أوامر لمقاطعة تجارها ومحلاتها التجارية، فيبدأ الزبائن اليهود بحملات مقاطعة ضد المحلات التجارية العربية في عكا”.
الطنطوري: تطور القرى المحيطة يُشكل تحدي لعكا
وبدوره عقب نائب رئيس بلدية عكا يوسف طنطوري، الذي تولى منصبه حديثًا، قائلاً: ” بداية، تمر البلاد في تحدياتٍ صعبة وخاصة المدن المختلطة وذلك لأنه يوجد فيها تحدٍ أكبر من القرى والمدن المجاورة، وذلك لأسباب عدة، من ضمنها أنها تحتوي على تنوع في المواطنين، سواء من العرب واليهود، بالإضافة الى التعدد الطائفي فيها، وعكا مدينة معروفة بتنوعها الديني”.
احدى الأمور التي بدأنا ندركها في عكا، وليس لها علاقة في بالحرب أو بهبة الكرامة، بل من عشرات السنين، وهي التراجع الاقتصادي في المدينة، وبشكل رهيب، ومن أسباب هذا التراجع، أن القرى المجاورة لعكا، بدأت تتطور اقتصاديًا بشكل ملحوظ وهذا لعب دورًا أساسيًا بالتأثير على الوضع الاقتصادي في عكا
وتابع طنطوري حديثه: “احدى الأمور التي بدأنا ندركها في عكا، وليس لها علاقة في بالحرب أو بهبة الكرامة، بل من عشرات السنين، وهي التراجع الاقتصادي في المدينة، وبشكل رهيب، ومن أسباب هذا التراجع، أن القرى المجاورة لعكا، بدأت تتطور اقتصاديًا بشكل ملحوظ وهذا لعب دورًا أساسيًا بالتأثير على الوضع الاقتصادي في عكا، وللأسف لم يكن خطة اقتصادية بديلة للنهوض بالتجارة والاقتصاد في عكا لاستقطاب الزوار والزبائن الذين بحثوا عن بديل آخر”. وتابع طنطوري:” نحن نسعى في الأيام القريبة للتوجه للمؤسسات الحكومية المعنية، من أجل فحص إمكانية تحصيل تعويضات حكومية لهم، وخاصة ان مدينة نهاريا حصلت تعويض 100%، لأنها مصنفة في خط المواجهة الأول، وعكا ليست بعيدة كثيرًا عن نهاريا مع ذلك لم يحصل التجار في عكا على تعويض، بالرغم من أنه أي وضع أمنى بصب في نهاريا بأثر على عكا.
وبعيدًا عن قضية “عرب ويهود”، المؤسسات الحكومية لا تهتم في مدينة عكا، لأن أيضًا من ضمن المتضررين أصحاب المحلات التجارية ليهود. الوضع صعب على كل المصالح التجارية، ونتأمل في الأسابيع القريبة أن نبدأ بمخاطبة جميع المؤسسات والعمل معها وبذل كل الجهود لمساعدة ودعم أهل عكا”.
واختتم طنطوري حديثه: ” بدأنا العمل على تحضير برامج ترفيهية لإنعاش البلدة القديمة في أيام جمعة وسبت، وذلك بالتعاون بين البلدية والمراكز الجماهيرية أسوار عكا ومسرح عكا، من أجل جذب السياح والزبائن الى البلدة القديمة واحيائها، وهذا العمل يحتاج الى تفاني وجهد كبير”.