الثلاثاء, يوليو 2, 2024 13:53

بحسب التوقعات الحالية سيصل “المينوس في حساب بنك الدولة” إلى 150 مليار شاقل نهاية السنة. أول من يدفع الثمن.. نحن!

أيقون موقع وصلة Wasla
نبيل أرملي
مؤسس ومحرر موقع "وصلة للاقتصاد والأعمال"

يعمل في المنظومة المالية العامة التي تدير الشؤون المالية والاقتصادية لدولة إسرائيل آلاف، أو ربما عشرات الآلاف، من الموظفين والمستشارين والخبراء بمختلف المستويات وفي جميع الوزارات، وعلى رأسها وزارة المالية، وفي الهيئات العامة، وعلى رأسها “بنك إسرائيل”.

تخَيُل هذه المنظومة بتفاصيلها وتشعباتها أشبه بتخيل منظومة لا نهائية من العلاقات والتفاعلات بين الآف المراكز والتقاطعات واللاعبين وأصحاب المصالح. يكفي أن نلقي نظرة على “كتاب الميزانية” الذي تُقدمة وزارة المالية لهيئة الكنيست للتصويت عليه كل سنة أو سنتين، لنفهم مدى تعقيد ميزانية الدولة وتفاصيلها، وهي جزء واحد فقط، لكن مركزي، من منظومة المال العام في إسرائيل.

D922 099
صندوق مستندات مشروع قانون الميزانية – مصدر: مكتب الإعلام الحكومي- تصوير: عاموس بن جرشون

لكن يمكن أيضا التعامل مع المنظومة المالية ومع ميزانية الدولة من منظور أبسط بكثير، وكأنها ميزانية بيت. يعني ببساطة، إذا كانت ميزانية البيت تتكون من المدخولات والمصروفات والتوفيرات والقروض وما شابه من بنود، يمكن أيضا تخيل ميزانية الدولة بنفس المنطق:

  • مدخولات ونفقات
  • استثمارات والتزامات
  • مدَخرات
  • ديون

تحليل ميزانية الدولة بهذا المنطق يسهّل على الناس العاديين، ممن ليسوا خبراء في الاقتصاد والمحاسبة العامة والمالية، فهم التحولات التي تطرأ على الاقتصاد الإسرائيلي وعلى ميزانية الدولة في السنة الأخيرة. وتساعد في إدراك تأثير قرارات صُناّع القرار في أعلى المستويات السياسية والحكومية على جيب المواطن العادي وحصته من “الكعكة” العامة، وعلى ما سيأتي في قادم الأيام من عواقب اقتصادية ومالية لما حصل بعد السابع من أكتوبر والحرب البربرية على غزة.

بمنطق “ميزانية البيت” دخلت إسرائيل الحرب وهي في وضع اقتصادي ممتاز. فعلى الرغم من كل الأحداث السياسية والاضطرابات الشعبية المتعلقة الانقلاب القضائي، تمتع الاقتصاد الإسرائيلي بمعطيات عامة ممتازة. في الأشهر التي سبقت الحرب بلغت نسبة البطالة 4% فقط (بطالة بهذه المستويات تُسمى في علم الاقتصاد “البطالة الطبيعية”، أو بكلمات أخرى تُعبّر عن استغلال كامل لقوة العمل في الدولة). في أواخر 2022، كان هناك فائض (0.6%) في ميزانية الدولة، أي أن الأموال التي كانت تدخل لخزينة الدولة (ضرائب بالأساس)، كانت أعلى من مصروفاتها. وفي نفس الفترة، بلغت نسبة سداد الدين العام (أي الأقساط التي تدفعها الحكومة على قروضها) 3.3%، وهي أقل نسبة منذ 20 سنة. أما الدين العام نفسه فقد كان في وتيرة انخفاض واضحة بعد الانتعاشة الاقتصادية التي أعقبت أزمة الكورونا.

بمفاهيم الاقتصاد المنزلي يُمكن وصف الوضع الاقتصادي لدولة إسرائيل حتى صبيحة السابع من أكتوبر بأنه “مبحبح” ومتين، وعلى هذا الأساس تعاملت المؤسسات المالية العالمية معه، فظل يحظى بمستوى تصنيف ممتاز من وكالات التصنيف العالمية مثل موديز، وفيتش وغيرها على الرغم من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية.

لكن زلزال السابع من أكتوبر ضرب الاقتصاد الإسرائيلي بقوة لا تقل عن الضربة الأمنية والسياسية. وبمنطق الاقتصاد المنزلي، تعرض “البيت الإسرائيلي” لـ… طوفان. وكما كانت الصدمة السياسية والأمنية غير قابلة للاستيعاب، فإن الصدمة الاقتصادية أيضا كانت أكبر من أن تُستوعب في الأسابيع والأشهر الأولى للحرب.

D1245 119
مفاجأة طوفان الأقصى هزت الاقتصاد الإسرائيلي ايضا- مصدر: مكتب الإعلام الحكومي- تصوير: ميشيل أمزالاج

ما حصل في السابع من أكتوبر لم يخطر ببال صُناع القرارات الاقتصادية في إسرائيل في أسوأ كوابيسهم. كيف يمكن تخيّل سيناريو اقتصادي يتم فيه خلال أيام قليلة إخلاء مناطق كاملة في الجنوب وفي الشمال ونقل عشرات آلاف المواطنين للإقامة في فنادق على حساب الدولة، وقف العمل بصورة تامة في عشرات المدن والبلدات في الجليل والنقب؛ خروج مئات الألاف من الموظفين والعُمال الشباب إلى خدمة الاحتياط في الجيش وخسارة أسابيع وأشهر عمل وإنتاج، فقدان عشرات الأف الأيدي العاملة الأجنبية والفلسطينية وشل قطاعات الزراعة والبناء والسياحة بصورة كاملة تقريبا والمزيد من “المفاجآت” التي جعلت خزينة الدولة تنزف دون توقف منذ ذلك اليوم.

بمنطق الاقتصاد المنزلي، حالة “البحبوحة” التي عاشها الاقتصاد الإسرائيلي حتى السابع من أكتوبر تحولت إلى ضائقة اقتصادية حادة. مصاريف الحرب الهائلة (المباشرة وغير المباشرة) دفعت حكومة نتنياهو إلى الاستدانة والاقتراض بصورة جنونية. الفائض في ميزانية الدولة في أواخر 2022 تحوّل إلى عجز هائل في مطلع 2024. بحسب التوقعات الحالية سيصل “المينوس في حساب بنك” الحكومة آخر السنة الحالية إلى 150 مليار شاقل! أما الطامة الكبرى اقتصادياً فتكمن في شخص المسؤول الأول عن السياسة المالية والاقتصادية للدولة، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش. بمنطق الاقتصاد المنزلي يُشبه الأمر تسليم إدارة ميزانية العائلة في أحلك الظروف للابن النمرود المُدلل الذي لا يعرف اساسيات الجمع والطرح ثم تقول لموظف البنك الذي يتصل بك ليسألك عن “المينوس”… “إحكي مع الولد”.  

D1241 069
جلسة لمناقشة ميزانية الدولة لسنة 2023-2024- مصدر: مكتب الصحافة الحكومي- تصوير: كوبي جيدعون

فهم الصورة بصورة مبسطة، مبسطة جدًا، ضروري لإدراك حجم تأثير العواقب الاقتصادية لهذه الحرب علينا في المجتمع العربي. نحن، العرب في البلاد، أول من بدأ بدفع فاتورة هذه الحرب على المستوى الاقتصادي: تقليص حاد (15%) في ميزانيات خطة التطوير المخصصة للبلدات العربية وفي الميزانيات العادية للوزارات، إقالات بالجملة للعمال العرب من أماكن العمل اليهودية؛ مقاطعة المُستهلك اليهودي للأسواق العربية؛ حصة صفرية تقريبا في التعويضات المالية بسبب الحرب؛ قطع التواصل الاقتصادي مع أسواق الضفة الغربية. يُضاف إلى كل هذا المعاناة المُضاعفة للمواطن العربي من الارتفاع الحاد في الأسعار على خلفية التراجع الملحوظ في مستوى دخله.
والآتي أعظم.

 

مقالات مختارة

Skip to content