مع كل التفاوت والاختلاف الواقع بين الأهل والأولاد, من النواحي الشخصية والعمرية والبيئية المصغرة ، تبقى في داخل الأهل تخبطات دائمة ومتشابهة لدى الأغلب ، وتبقى الاسئلة الكثيرة التي تدور في الفلك الوالديّ : “هل أقوم بوظيفتي بالطريقة الأمثل؟ هل أنا قدوة لأولادي؟ هل أجهزهم لحياتهم البالغة كما يجب؟ “، تُظهر الأبحاث المختلفة ان أغلب الأهل غير قادرين على وضع الحدود بمجالات التربية المختلفة ، وسنلقي الضوء هنا على التربية المالية , فمهما بلغ الأهل من المقدرة بالتحكم في إدارة ميزانيات كبيرة في مجال عملهم، عند التعامل مع اولادهم تدخل عوامل إضافية تشوش العقلانية المالية الصحيحة.
ومن بعض هذه العوامل ما يلي:
الضغط الاجتماعي: دور المجتمع والضغط الاجتماعي نتيجة الظروف البيئية المحيطة بنا، وهو دور اساسي له التأثير الكبير، فنحن نريد الانتماء لمجموعتنا المفضلة، والطريق الأقصر تكون عادة بتبني جميع عاداتها حتى لو لم نتفق معها تماما، مثلا : “حتى لو علمنا جيدا ان لا حاجة لطفل/ة في جيل 8 سنوات اقتناء هاتفا خليويا، فإنه من الصعب علينا منعه/ها من شرائه خاصة حين نسمع بأن معظم الأولاد في الصف يحملون الخليوي” مثال أخر:” عند اقتراب عيد ميلاد الابن/ة نحاول إقناعه/ها بالاكتفاء باحتفال بسيط ،ولكن نحن نعلم تماما انه خلال السنة شارك/ت باحتفالات ميلاد أصحابه/ها بعيدة كل البعد عن الاحتفالات البسيطة فنضطر للرضوخ لذلك ” مثال أخر : “نعطيهم (الأولاد) المصروف بلا حدود حتى يشعروا أنهم مثل أصدقائهم وليسوا أقل منهم ، وسرعان ما يتبنوا هذه الحجة ويستعملونها ضدنا في المفاوضات المالية لمعرفتهم قوة هذا السلاح (كل أصحابي معهم, كلهم ذاهبون, انا الوحيد/ة اللي فيش عندي..).
التعويض المادي نتيجة تقصير والدي أخر: عندما نشعر أننا نقصر مع أولادنا بواجباتنا كأهل، إن كان من ناحية تواجدنا الفعلي معهم واهتمامنا بأمورهم المستجدة ، نلجأ للتعويض المادي بدلا عن ذلك، كشراء الهدايا أو ممتلكات مادية أخرى، أو تعويضا ماديا ليس مباشرا، مثلا أخذهم لرحلات مكلفة خارج البلاد أو كأن نقضي كل نهاية أسبوع في مطاعم واماكن ترفيهية، كل ذلك تعويضا عن انشغالنا عنهم خلال الأسبوع، وهكذا نعطي أولادنا “قيمة وعبرة” عن أهمية الامور المادية ونرفع سقف التوقعات منا كأهل تجاه اولادنا وبشكل مستمر نحو القيم المادية المرتفعة والباهظة الثمن لإمكانيات الترفيه وعدم القبول بأقل منها لإرضائهم.
من العار التحدث عن الامور المالية (النقود): رُبينا ونربي أولادنا بأنه من المحرج أن نسأل عن معاش أهلنا وأن نناقش أو نستوضح عن الامور المالية ، او ان نقارن ثمن المنتجات وان نحدد إذا كان بإمكاننا شراء هذا المنتَج أم لا، وكل هذا خوفا من أن تلتصق بنا أحدى الصفات كالبخل او الفقر، ونرى ذلك واضحا اليوم في مواسم الأعراس والمناسبات الأخرى حتى الأتراح ، نضطر أن نعمل كما عمل غيرنا حتى اذا لم تكن عندنا المقدرة المادية والسيولة كي لا نكون “مقصرين ” .
الشبكات الاجتماعية: من مضار الشبكات الاجتماعية الملحوظة اليوم هي إدخالنا في أوهام بأن الجميع يقضي أوقاتا سعيدة دائما، إن كان في الرحلات خارج البلاد والمطاعم والتسوق، يدخلنا هذا في منافسة مع الأخرين ومحاولة تقليدهم خاصة حين نشر الصور ، فنعتقد أننا الوحيدون الذين بقينا في البيت ، بدون تفكير أن بقية الناس هم مثلنا في البيوت ولم يخرجوا للتمتع، ولم تنشر شيئا في الشبكات الاجتماعية، ضرر أضافي هو كشفنا وكشف اولادنا لاحتفالات وبذخ أشخاص موجودين ضمن دائرتنا الموسعة في شبكات التواصل الاجتماعي وأيضا دائرة أصدقاءنا ولديهم قدرات مادية أكثر نضطر للتعرف على ما ينشروه بهذا الصدد وبالتالي تقليده ،اي بمعنى أخر دوائر التواصل المباشرة والغير مباشرة تكشفنا أكثر لمغريات وترفيهات نحاول تقليدها دون تخطيط صحيح وحسابات لما نملك حقيقة.
الأهل قدوة سيئة للأولاد: نحن كأناس بالغين ومسؤولين لا ندير ميزانياتنا العائلية بشكل عميق أو دقيق , لا نوفر في مصروفاتنا بشكل كاف ولا نضع سلم أولويات في احتياجاتنا المرتبطة بالصرف، لا نقارن الأسعار قبل شراء الحاجيات وغالبا حتى لو ناقشنا الموضوع نقاشاتنا تنتهي بدون حلول منطقية وبمشاحنات عائلية .
بعض الاقتراحات لحل أزمة التربية المالية:
التحدث عن المال في كل فرصه مناسبة: عندما يتعلم الاولاد القراءة ندربهم كيفية مقارنة الاسعار أثناء اصطحابهم للمشتريات, وعندما يتعلمون الحساب نعلمهم طرق الدفع، حساب الثمن وحساب الباقي (مع الأخذ بعين الاعتبار خصائص الجيل والقدرات الذهنية المتعلقة بذلك), وعندما يبلغون أكثر اصطحابهم للبنك والشرح لهم عن العمليات البنكية المختلفة.
إعطائهم المحفزات الدائمة للتوفير: مثال : “تريد شراء دراجه هوائية، وفر/ي نصف المبلغ وانا أكمل لكَ/كِ بقية المبلغ” (أهداف واقعيه وليست مستحيلة)
التحدث عن الأمور المالية بشفافية ومشاركتهم بأهمية الانتباه لسلم الأولويات العائلي.
مسؤوليتهم عن مصروفهم: على الأهل تحديد المصروف الأسبوعي (فوق جيل 9 سنوات ) أو الشهري (فوق جيل 14 عاما) وإعطاء أولادهم إمكانية ادارة الميزانية، وأيضا تحمل نتائج هذه الإدارة بحسناتها وسيئاتها، الصرف بتحكم وإعطاء سلم أولويات بالمصروف اليومي، وبذلك ينمون لدى أولادهم القدرة على الادارة المالية السليمة عندما يكبرون.
الأهل قدوة لأولادهم: إدارة ميزانية عائلية سليمة، توفير، مقارنة أسعار، تخطيط سليم ما قبل الصرف.
ماذا نحلم لأولادنا؟
ان يكونوا ناجحين، محترمين، سعداء ، لديهم رفاه اقتصادي يوفر لهم حياة كريمة، يتقنون مهنة ناجحة، هذا ما نسعى للوصول إليه من أجلهم ، فمنذ صغرهم نعمل جاهدين متفانين لتنمية قدراتهم التعليمية العالية وأخلاقهم الحميدة وتصرفاتهم السوية ،ولكننا نهمل أو نكاد لا نعطي أهمية لكل ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والمالية والتدريب على ذلك ، وهذا لا يقل أهمية عن بقية النواحي التربوية، مهم جدا أن يصبحوا أطباء مثلا ولكن بدون إهمال للجانب الاقتصادي كي يبنوا حياتهم بدون ضغوط مادية متراكمة ووضع مالي سيء بل مستقر يساعدهم على تحقيق أهداف وأحلام مستقبلية.