الثلاثاء, يوليو 2, 2024 13:35

مشروع “التركواز” السكنيّ في جسر الزرقاء؛ الجنّة ليست لأهلها | كيف تحول المشروع السكني من مبادرة لمساعدة الأزواج الشابة إلى فرصة عقارية للأثرياء فقط؟

أيقون موقع وصلة Wasla
طاقم وصلة
صورة للمشروع من الكراسة التسويقية للشركة المُنفذة

لحلّ أزمة السكن في قرية جسر الزرقاء، تمّ بناء واحد من أجمل مشاريع الإسكان في البلاد. شقق سكنية بإطلالة على البحر تجعلك تشعر أنك في جزيرة إيطالية مع أنك في الجيتو العربي الأفقر في إسرائيل. يوفّر المشروع شققًا سكنيّة فاخرة بأسعارٍ “مغرية” تصل حتّى 4 مليون شيكل في قرية يعيش غالبية سكانها تحت خط الفقر.

رغم موقع القرية الإستراتيجيّ وطبيعتها الخلابة إلّا أنّها الأفقر في البلاد  


جسر الزرقاء هي القرية العربيّة الساحليّة الوحيدة التي بقيت بعد النكبة. ورغم طبيعتها الخلّابة، وموقعها الاستراتيجيّ الذي يبعد 40 كم عن حيفا و50 كم عن تل أبيب، فإنّها تُعتبَر البلدة الأفقر في إسرائيل، حيث يلمح زوّارها ذلك على الفور في شوارعها المتّسخة المليئة بالنفايات والأوساخ. صودرت غالبية أراضيها على مرّ السنوات لصالح الكيبوتسات أو صُنّفَت كمحميّات طبيعيّة، ويسكنها 14 ألف نسمة على مسطح بمساحة 880 دونم فقط، يعمل أغلبهم في مجال التنظيف، ويعيش
80% منهم تحت خطّ الفقر.

2Q==
قرية جسر الزرقاء، تصوير:حاييم شيفر -ويكيميديا

مشروع إسكاني فاخر

أنشأت شركة “غشم أحزكوت” مؤخّرًا شروعًا سكنيًّا على أراضٍ في جسر الزرقاء مصنّفةٍ كأراضي دولة. تشبه مبانيه “البوتيكية” المنتجعات الساحرة على شاطئ البحر في الريفييرا الفرنسية والإيطالية، لا البيوت المتهالكة للقرية المهمّشة التي تستضيف هذا المشروع. تبلغ مساحة الشقق الجديدة 150 مترًا، تحتوي على 5 غرف وشرفات واسعة يطلّ معظمها على المشهد البحريّ. وللزبائن الذين يرغبون في “التميّز”، يوفّر المشروع شققًا مع حدائق، وشقق “بنتهاوس” في الطوابق العليا تبلغ مساحتها 200 مترًا، ما يعمّق الفجوة بينها وبين “علب السردين” التي يسكنها أهالي جسر الزرقاء. وقريبًا، لن يضطرّ السكّان الجدد إلى المرور من خلال طرقات القرية، التي ستفقد حتّى “امتياز” أن تكون جسرًا لهم إلى زرقة البحر كما يوحي اسمها، بل سيتجنبونها عبر طريقٍ جديدٍ يسمّيه أهل القرية “جسر التفافي”. 

كذلك، سيخدم المباني الفاخرة شارع “بوليفارد” للتسوّق، وقاعةٌ للفعاليّات، ومركز ألعاب مائيّة. وسيكون هناك أيضًا فندق 5 نجوم في القرية مجاور لقيسارية. وهكذا، ستُرزَق قيسارية، التي بنت جدارًا يفصلها عن جسر الزرقاء، بأُختٍ صغيرةٍ مدلّلةٍ مثلها.

9k=
مخطط كورنيش تجاري في مشروع التركواز- الصورة من الكراسة التسويقية للمشروع

يرصد تقرير موسّع في صحيفة دا ماركر الإشكاليّات المختلفة لهذا المشروع، عارضًا وجهة نظر الشركة المطوّرة القاضية بأنّ هذا المشروع يُشكّل جنّةً ستكون ثمارها متاحة للجميع، ووجهة النظر المعارضة التي يتبنّاها أهالي القرية بأنّه جنّةٌ فعلًا، لكن تحيطها أسوارٌ ماديّةٌ ومعنويّة تهدف إلى إبقائهم خارجها. 

وجهة نظر الشركة المطوّرة

يعتبر مسؤولو شركة “غشم أحزكوت” الذين قابلهم معدّ التقرير أنّ المشروع فرصة ذهبيّة لانتشال القرية من وضعها الصعب، وخلق واقعٍ مشرقٍ لها. فقط حيٌّ سكنيٌّ جديد، وفقًا لمسؤولي الشركة، سيوفّر للقرية بنية تحتيّة حديثة تحسّن جودة الخدمات، وقد ربطت شركتهم شبكة الصرف الصحيّ للمشروع بمحطّة المعالجة في الخضيرة، ما سيسهم في حلّ مشاكل الصرف الصحيّ الشديدة للقرية. وسيعزّز مشروعهم التنمية الإقليميّة، ويجلب سكّانًا جددًا للمنطقة يساهمون في تطويرها. كذلك، سيتمكّن المجلس المحلّيّ من جني مبالغ كبيرة من خلال رسوم التطوير، ما سيزيد من قدرته على توفير الخدمات التي تفتقر إليها القرية اليوم، مثل الحفاظ على البيئة وتنظيف الشواطئ. 

بالإضافة لما سبق، سيوفّر المشروع شققًا مدعومة السعر مخصّصة للسكّان المحلّيّين، يتراوح سعرها بين 800 ألف إلى 1.2 مليون شيكل. وستزدهر القرية اقتصاديًّا وفقًا للشركة، عن طريق توفير فرص عملٍ لسكّانها سواءً في أعمال الإنشاء، أو في الحيّ الجديد وشارعه التجاريّ ومطاعمه. وستنتعش قرية الصيّادين في جسر الزرقاء نتيجة اندماج الحيّ الجديد معها. هكذا، إذن، تبدو الصورة مشرقة من جانب موظّفي الشركة، كأنّهم يصفون المشهد الذي تطلّ عليه شرفات مشروع التركواز في صباحٍ ربيعيّ، كيف لا وقد تمكّنوا من بيع معظم الشقق المخصّصة للسوق الحرّة. لكن، كيف تبدو الصورة في الجانب الآخر من الحكاية؟

وجهة نظر أهالي القرية: “حارة اليهود”

تحدّث معدّو التقرير مع رئيس المجلس المحلّيّ الشيخ مراد عماش، بالإضافة إلى عددٍ من السكّان الذين فضّلوا إخفاء هويّاتهم، ولم تشبه وجهة نظرهم على الإطلاق ما عبّر عنه مسؤولو الشركة. فبالنسبة إلى رئيس المجلس، كان الهدف من التخطيط الذي يقوم به المجلس المحلّيّ مع الحكومة حلّ أزمة السكن المأساويّة في القرية، لا جلب مزيدٍ من السكّان من خارجها ليسكنوا شقق مشروع جديد مقام على أراضيها، ما سيخلق عبئًا إضافيًّا على المجلس لتقديم خدمات للقاطنين الجدد، ويحرم السكّان الأصليّين للقرية من أراضٍ كان يمكن استغلالها في توسّعها الفعليّ. 

لم يتمكّن سوى 40 شخصًا فقط من الأهالي من شراء شقق في المشروع الجديد 

وكما بيّن أحد السكّان، لم يتمكّن سوى 40 شخصًا فقط من أهل القرية من شراء شققٍ في المشروع، من أصل 520 وحدة سكنيّة مخططة للمشروع. يعود السبب في ذلك إلى عدّة عوامل، أبرزها الوضع الاقتصاديّ الصعب للأهالي، فسعر الشقّة المدعوم يصل إلى 800 ألف شيكل، ورغم أنّ امتلاك  شقّة مع اطلالة بحريّة بهذا الثمن يُعدّ مغريًا جدًّا للعديد من سكّان البلاد، فإنّه يُعتَبر مبلغًا خياليًّا للأهالي، خاصّةً لامتناع البنوك عن منحهم قروضًا عقاريّة (مشكنتا) بحجّة “المخاطرة“. 

وتوجد أيضًا أسبابٌ أخرى لعدم شراء السكّان الشقق المخصّصة لهم، منها غياب الثقة في المشاريع الإسرائيليّة الناجم عن الظلم والتهميش المتراكمين على القرية منذ عقود، حيث ينظر العديد من السكّان إلى المشروع السكنيّ على أنّه “حارةٌ يهوديّة” لا تخصّهم، تهدف إلى إكمال الإطباق على قريتهم ومحاصرتها من جهة الغرب، ما جعل العديد من المشاركين في قرعة الشقق المدعومة يتراجعون عن عملية الشراء. حتّى أنّ واحدًا ممّن حاورهم التقرير -والذي فضّل إخفاء هويّته- يُشكّك في نوايا الدولة من إقامة هذا المشروع، معتبرًا أنّ الهدف الحقيقيّ منه تحويل جسر الزرقاء إلى يافا وعكّا. فوفقًا له، لا يشبه اليهود الذين يراهم في مشروع التركواز سكّان تل أبيب، بل سكّان المستوطنات، حيث سيسكنون في البداية شققهم الفاخرة، ثمّ سيبدأون التغلغل داخل القرية وشراء بيوتٍ فيها.

Z
قرية الصيادين في جسر الزرقا، تصوير:حاييم شيفر-ويكيميديا

مستقبل غير واضح

هكذا، يعزّز المشروع، منذ الآن وقبل انتقال سكّانه الجدد، الانقسام والشعور بالتمييز بدل الاندماج. ولا شكّ أنّ هذه المشاعر السلبيّة ستتفاقم عندما يُحيط الملّاك مبانيهم بالأسوار، نتيجةً للأوضاع الأمنيّة المعقّدة في القرية، إذ امتدّت إليها موجة الجريمة التي تضرب المجتمع العربيّ، فقُتِلَ قبل سنتين طفلٌ هناك يبلغ من العمر 14 عامًا. ولن تشكّل الوظائف الموعودة لأهالي القرية عزاءً كبيرًا، إذ ستكون أيضًا في مجالاتٍ شبيهةٍ بوظائفهم الحاليّة أي العمل في قطاع النظافة، وبالتالي لن يتقدّم أهالي الجسر ولو خطوة واحدة إلى الأمام.

بارقة أمل

ختامًا، تمّت الموافقة في عام 2023 على إنشاء حيّ سكنيّ جديد في جسر الزرقاء يوفّر 588 شقّة جديدة لخدمة القرية. سيُقام الحيّ على أراضٍ زراعيّة يملكها السكّان أعُيد تخطيطها للبناء السكنيّ. ولا شكّ أنّ الأهالي يأملون، رغم الإحباط المتراكم عبر السنوات، أن يكون هذا المشروع بذرةً تُسهِم في التخفيف من أوضاعهم الصعبة، تنمو لتحقّق ازدهارًا حقيقيًا لقريتهم، لأنّ من حقّ سكّان “الغيتوهات” أيضًا أن يُطلّوا من نوافذ بيوتهم على زرقة البحر التركوازيّة، لا فقط على جنّاتٍ محاطةٍ بالأسوار محرّمةٍ عليهم.

مقالات مختارة

Skip to content