الأحد, يوليو 7, 2024 08:16

Don’t Pay Pal-estinians: عنصرية باي بال الرقميّة ضد الفلسطينيّين▮باي بال تقول “لكلّ شخصٍ الحقّ في مشاركة كاملة بالاقتصاد العالميّ”، لكنّ أفعالها تؤكّد: “إلّا إذا كنتَ فلسطينيًّا”!

أيقون موقع وصلة Wasla
طاقم وصلة
PayPal San Jose Headquarters
مقر شركة باي بال في كاليفورنيا – المصدر: ويكيميديا

في الأساس، أُنشئ موقع باي بال PayPal لتسهيل حركة الأموال رغم الحواجز الماديّة والمعنويّة التي تعيقها. وقد أكّدت الشركة مرارًا في بياناتها التزامها بحقوق الإنسان الأساسيّة، ورفضها لكافّة أشكال التمييز. ورغم أنّ الأراضي الفلسطينيّة هي المكان الأمثل الذي تتجسّد فيه الحاجة لوسائل دفعٍ مشابهة لباي بال، نتيجة القيود العديدة التي تكبّل بها إسرائيل الاقتصاد الفلسطينيّ، حيث تحاصره على أرض الواقع عبر الحواجز والجدران، وتخنقه بالعديد من السياسات الماليّة، إلّا أنّ شركة باي بال تصرّ على حجب خدماتها عنه، رغم كلّ الحملات التي تحثّها على التراجع عن قراراتها التمييزيّة. ولا يعود تفسير سلوك الشركة لغزًا، إذا علمنا أنّ كبار حاملي الأسهم فيها هم مستثمرون نشيطون في شركات الأسلحة ذات العلاقة مع إسرائيل.

تبيّن ورقة موقف صادرة عن حملة – المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، حيثيّات هذا المنع وأثره على الاقتصاد الفلسطيني، معتمدةً على مجموعة من الدراسات الرسميّة المتعلّقة بقطاع تكنولوجيا المعلومات في الأراضي الفلسطينيّة. تُفنّد الورقة كذلك حجج باي بال في حجب خدماتها الماليّة في الأراضي الفلسطينيّة، كإرسال وتلقي الأموال من وإلى أيّ مكان في العالم، مُظهرةً ازدواجيّة المعايير التي تتّبعها الشركة.

تدّعي باي بال أنّ “لكلّ شخص الحقّ في المشاركة الكاملة في الاقتصاد العالميّ”، وتؤكّد رسالتها على “دمقرطة الخدمات الماليّة لضمان أن ينال الجميع الخدمات والمنتجات المناسبة ذات التكلفة الميسورة، بغضّ النظر عن خلفيتهم أو حالتهم الاقتصاديّة، لكي يتمكّنوا من إدارة حياتهم بشكل مستقلّ” وعلى “احترام الحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” ومبادئ الأمم المتّحدة. لكنّ ذلك يتناقض مع سياساتها التمييزية على أرض الواقع، ومع القانون الدولي، حيث تحرم الفلسطينيين في الضفّة الغربية من خدماتها، بينما تقدّمها للمستوطنين الإسرائيليين في المكان ذاته. وتظهر المفارقة أيضًا في حالة بنك القاهرة عمّان، الذي يعمل في الأردن وفلسطين، إذ يتعامل باي بال مع فرعه الأردنيّ، على خلاف فرعه الفلسطينيّ. وقد قامت الشركة بإغلاق حسابات أشخاص قدّموا دعمًا إنسانيًّا للمتضرّرين في غزّة أثناء حرب 2021، بواسطة خدمة الدفع الخاصّة بها عبر الهاتف النقّال Venmo.

يعيق حجب خدمات باي بال عن الحسابات البنكيّة الفلسطينيّة من قدرة الفلسطينيين على مزاولة الأعمال التجاريّة، ومشاركتهم في النشاط التجاريّ العالمي، وبخاصّة الشركات والمشاريع الصغيرة. ونتيجة للبطالة المرتفعة، والإيجارات الباهظة، يختار العديد من الشباب الفلسطينيين إطلاق مشاريع تجارية رقميّة، كالمتاجر الإلكترونيّة في مجالات التطريز أو الأزياء مثلًا، أو تقديم خدمات (كالبرمجة والتصميم) تستهدف زبائن خارج فلسطين، ويحدّ حرمان باي بال لهم من خدماتها من قدرتهم على تلقي الدفعات، ويحصر نشاطهم التجاريّ في السوق المحلّي وفي تلقّي الدفعات النقديّة فقط المحفوفة بالمخاطر عند التسليم. كذلك، بيّنت دراسةٌ أنجزها الباحث أُبي العبودي عام 2018 أنّ سياسات باي بال التمييزية تحرم أكثر من 42 ألف طالب فلسطيني من الوصول لفرص عمل على أكثر من 120 موقع عمل عن بعد. ولا شكّ أنّ هذه الأرقام ارتفعت بعد زيادة اعتماد الشركات حول العالم على العمل عن بعد خاصة أثناء جائحة كورونا.

هكذا إذن تزيد سياسات باي بال من القيود المفروضة أصلًا على الاقتصاد الفلسطيني، إذ تسيطر إسرائيل على الأراضي والموارد الحيويّة في الضفّة الغربيّة، وتحدّ من قدرة الأفراد والبضائع على التنقّل بسبب الحواجز والجدران، وتسيطر وفقًا لاتفاقيّة باريس على الحدود والمعابر الدوليّة، وتقتطع وتجمّد أموال المقاصة التي تعدّ المصدر الماليّ الأساسيّ للسلطة الفلسطينيّة، دون أن ننسى حصارها وعزلها لأكثر من مليوني شخص في قطاع غزة. كذلك، تحدّ إسرائيل من التطوّر الرقميّ للاقتصاد الفلسطينيّ، إذ تحجب، على سبيل المثال، تردّدات الجيل الرابع والخامس للإنترنت اللاسلكي 4g/5g في الضفة الغربية.

سلطة النقد الفلسطينية
مقر سلطة النقد في رام الله-وهي الهيئة المسؤولة عن القطاع المصرفي الفلسطيني. المصدر: ويكيميديا

ورغم كلّ هذه القيود، أثبت الاقتصاد الفلسطيني مرونته وقدرته على التكيّف والنموّ. وقد عملت الحكومة الفلسطينية على رقمنة الاقتصاد، إذ صاغت قوانين حديثة للمعاملات والتجارة الإلكترونية، ومنحت تراخيص لشركات الدفع الإلكتروني المحلية كجوال باي “JawwalPay” وبال باي Pal Pay، وأطلقت منصّة “حكومتي” للخدمات الحكومية. وقد انضمّت مؤخّرًا نتيجة للتطورات الرقمية للاقتصاد الفلسطيني شركة Apple إلى السوق الفلسطينيّ عبر خدمة آبل باي.

وكلّ ذلك يُفنّد الحجج التي تسوقها شركة باي بال عادةً لتبرير حرمانها للفلسطينيين، كغياب الإمكانيّات الرقميّة الفلسطينية، أو عدم توفّر البنية القانونية اللازمة. وأحيانًا تبرّر الشركة تمييزها بالوضع السياسي غير المستقرّ، لكنّها لم توقف خدماتها في أوكرانيا بعد الغزو الروسي، بل بالعكس وسّعت نطاق خدماتها في آذار 2022 وقلّلت الرسوم لأسباب “إنسانيّة”، وهي كذلك لا تحرم مستوطني الضفة الغربية من خدماتها. وفي مفاوضات الشركة مع سلطة النقد الفلسطينية، برّرت حجب خدماتها بالقلق من غسل الأموال، ولم تفلح تأكيدات سلطة النقد أنّ الخدمات ستكون متوفّرة فقط لمن يمتلكون حسابات بنكية في ثنيها عن ذلك، حيث تخضع البنوك في فلسطين للمعايير الدولية وللآليات التنظيمية الصارمة، وقد شرّعت السلطة الفلسطينية قوانين عديدة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

أخيرًا، يمثّل الشباب من عمر 18 إلى 29 عامًا 22% من سكان الضفة الغربية وقطاع غزّة، وهم الفئة الأكثر تفاعلًا مع التطورات الرقمية، والأكثر تقبّلًا للتسوّق الإلكترونيّ. تعاني هذه الفئة أكثر من غيرها من سياسات القمع الإسرائيليّة والبطالة والتهميش وغياب الأفق الاقتصادي والسياسي، وإنّ حرمان باي بال لهم من خدماتها يمثّل انتهاكًا لحقوقهم الرقميّة الأساسيّة، ويعمّق فداحة واقعهم.

 

مقالات مختارة

Skip to content