تشكّل شركة تيمو رافدًا جديدًا للطوفان الصينيّ الذي بدأ منذ سنوات يغمر حياتنا عبر شاشات حواسيبنا وهواتفنا، متمثّلًا بشركات مثل “علي بابا” و”شي إن” و”تيك توك”. استطاعت تيمو في سنة واحدة أن تحقّق ما حقّقته العملاقة أمازون في سنوات طويلة بحصولها على أكثر من 50 مليون مستخدم نشط شهريًّا في الولايات المتّحدة وحدها، وذلك رغم (أو بالأحرى بسبب) خساراتها الضخمة، فما السرّ في هذه الشركة؟ ولماذا تبيع عن قصدٍ بخسارة؟
أهداف تيمو:
منذ البداية، وعلى عكس العديد من الشركات الصينيّة، استهدفت تيمو، التي تأسّست في بوسطن، السوقَ الأمريكيّ. أرادت أن تغمر المستهلكين هناك (خصوصًّا جيل زد) بمنتجاتها الرخيصة الثمن، وأن تثير الاهتمام حولها لتكسب انتباه الزبائن. كذلك، حدّدت لنفسها هدفًا أن تبيع ولو في يومٍ واحد فقط أكثر ممّا تبيعه مواطنتها “شي إن”، وقد فعلت أكثر من ذلك، وحصلت في 6 أشهر على مستخدمين أكثر ممّا حصلت عليه “شي إن” في 8 سنوات. بلغت مبيعاتها (لا أرباحها) 17 مليار دولار في 2023، ما رفع القيمة السوقيّة لشركتها الأمّ PDD بـ74%، فتفوّقت بالقيمة (لفترة محدودة) على “علي بابا”، كأكبر شركة صينيّة للتجارة الإلكترونيّة.
المصاريف والخسائر لتحقيق الأهداف:
معدّل خسائر تيمو عام 2023 على كلّ طلب بلغ 7$ (تقريبًا 30%)، وعادةً ما تُقدّم مكافآت وهدايا سخيّة لزبائنها، وقد بلغ مجموع خسائرها الكلّيّ أكثر من 3 مليارات دولار. وفي عام 2023، وصلت نفقاتها التسويقيّة 1.7 مليار دولار، ومن المتوقّع أن ترتفع إلى 3 مليارات عام 2024، وهي تنفق كلّ يوم 10 مليون دولار على الإعلانات في فيسبوك وغوغل. (اشترت تيمو أيضًا وقتًا لبثّ 3 إعلانات في مباراة “السوبر بول” سنة 2024، التي تُعَدّ أكبر حدث رياضي في أمريكا يشاهده أكثر من 123 مليون شخص، وتبلغ تكلفة الـ 30 ثانية من الإعلان 7 مليون دولار).
هدف الأهداف:
الهدف الأساسي ممّا سبق، ومن البيع بخسارة، ومن ضخامة الإعلانات، هو أن تستحوذ الشركة على أكبر حصّة سوقيّة ممكنة. وهذه استراتيجيّة معروفة في عالم الأعمال، استعملتها أمازون في بداياتها، حيث تأمل الشركات باتّباعها أن يُصبح زبائن الشركات المنافسة زبائن حصريين لها، فتُضعِف بذلك منافسيها، وتتمكّن مع الوقت نتيجة للقوّة السوقيّة الكبيرة من أن تكتسب قدرةً أكبر على المساومة للحصول على صفقات أفضل من المورّدين تُخفِضُ التكاليف. وعند وصولها للهيمنة على منافسيها، تبدأ الشركة برفع أسعارها بالتدريج. لكنّ هذه الاستراتيجيّة خطيرة للغاية، وتحتاج إلى دعمٍ ماليّ كبير (وهو ما توفّره الشركة الأمّ لتيمو)، وعليها أن تعمل على كسب ولاء زبائنها، وألّا تقصر العلاقة معهم على أسعار المنتجات المنخفضة، إذ قد تخسرهم عند رفع أسعارها لتحقيق الأرباح.
آلية العمل:
تعمل تيمو مع 80 ألف مورّد للمنتجات، تشكّل وسيطًا بينهم وبين المستهلك النهائيّ. ومثل “شي إن” و”تيك توك”، تستهدف تيمو جيل زد، مركّزةً على جمع المعلومات عنهم لتواكب آخر الصحيات و”التريندات” لديهم، ليقوم المورّدين بصنع منتجات رخيصة تواكب ذلك، والتي تُحمَّل يوميًّا على منصّتها، فيتمكّن الزبائن من “التسوّق كالمليارديرات”، أي يشتروا ما يشاؤون وبكمّياتٍ كبيرة دون القلق على السعر.
كذلك، فهي تستخدم مجموعة من “الحيل” النفسيّة لضمان ولاء (أو إدمان) زبائنها، فعرض المنتجات على المنصّة يحاكي تجربة “الاستكشاف” المعمول بها في “تيك توك”، أي أنّ يقوم المستهلك بفتح تطبيق تيمو على هاتفه، فيبحر عبر محيطٍ من المنتجات، ملبّيًا رغبته في التسلية، لا حاجةً فعليّةً لديه. كذلك، فإنّ عدد كلّ منتج يكون محدودًا عادةً، وإذا فتحتم التطبيق، ستلاحظون تحت العديد من البضائع المعروضة عدّ تنازلي يوضّح الوقت المتبقّي قبل انتهاء الخصم الخاص على السعر، وهذا ما يخلق إلحاحًا نفسيًّا على الزبون كي لا يُضيّع على نفسه العروض، وشعورًا بالرضا إذا “لحّق” العرض الخاص. كلّ ذلك جعل تطبيقها الأكثر تحميلًا في عام 2023 (337 مليون مرّة).
تجربة:
قمنا في وصلة بعمل تجربة مقارنة لأسعار المنتجات. على سبيل المثال، بلغ سعر سمّاعات earbuds على موقع تيمو للسوق الإسرائيليّ 115 شيكل، ونفس السماعات كانت أرخص كثيرًا على موقع “علي إكسبرس” حيث بلغت 68 شيكل. لكن، عندما حوّلنا البلد في موقع تيمو إلى الولايات المتّحدة، تفاجأنا بالسعر الذي بلغ 59 شيكل، وهذا يدلّ على تركيز عروض الشركة المميّزة على السوق الأمريكيّ.
مقارنة مع أمازون:
تركّز تيمو على السعر، لا على مدة التوصيل لديها التي تمتد من 6-22 يوم، بينما يبلغ معدّل وقت التوصيل لدى أمازون يومين فقط، والتي بنت علاقتها مع زبائنها في أمريكا على سرعة التوصيل الفائقة. لا تزال أمازون بالطبع في المركز الأول في الولايات المتحدة، لكنها بدأت تشعر بالقلق من تيمو، وقامت بتخفيض الرسوم التي تجمعها من بائعي الثياب التي قيمتها أقل من 20 دولار. ورغم أنّها قالت إنّ سبب ذلك ليس المنافسة مع أي طرف، إلّا أنّ الثياب الرخيصة هي ساحة لعب تيمو و”شي إن”.
الجانب الآخر:
العديد من الزبائن انتقدوا رداءة جودة منتجات تيمو. واتّهمها تقريرٌ للكونغرس هي و”شي إن” بأنّهما تُشكّلان خطرًا أمنيًا بجمعهما المفرط لبيانات المواطنين الأمريكيّين، وأنّهما يستغلّان الثغرات في قوانين التجارة (وضّح تقريرٌ آخر لمجلس النوّاب الأمريكيّ في حزيران 2023، أنّ 30% من جميع الطرود التي تُشحَن إلى الولايات المتّحدة هي طرود شركتَي “شي إن” وتيمو، حيث تستغلّان أنّ الطرود البريديّة التي يقلّ سعرها عن 800$ معفيّة من الرسوم الجمركيّة). وكذلك، اتّهمهما التقرير باستخدام العمالة القسريّة لأقليّة الإيغور.