“شو قصتك!؟” | قصص ملهمة لمبادرين/ات قرّروا تحويل مسارهم المهنيّ لتحقيق شغفهم في الحياة
ينصح زاهر توما كل شخص وصل إلى طريق مسدود في عمله، ولم يعد لديه سوى القليل ليقدّمه، أن يأخذ قسطًا من الراحة ليتأمّل خياراته ويحدّد وجهته القادمة التي سيعثر فيها على ذاته الحقيقية. فأداؤنا في العمل لا يؤثّر فقط على علاقتنا مع الإدارة والزملاء، بل يؤثّر بشكل رئيسي على تقديرنا لأنفسنا وعطائنا. وفي هذا الحوار، سنتعرّف على قصّة زاهر توما، وكيف كان تحويل مساره المهنيّ من المجال الطبيّ إلى ورشات البناء أفضل قرار في حياته.
بماذا كنتَ تعمل قبل عملك في مجال البناء؟
عملتُ في مجال التقنيات الطبية في معهد طبي خاص تابع لمستشفى روتشيلد في حيفا. لطالما رغبتُ في تعلّم موضوع مرتبط بالطبّ والتمريض، حتّى أعيش أجواء العمل في المستشفيات. لكنّ البيسيخومتري كان عائقًا أمامي، لذا درستُ في الكلية الهندسيّة بالتخنيون تخصّص “ماكينات طبيّة وهندسة إلكترونيكا” لثلاث سنوات، حتّى أتمكّن من العمل في مستشفى مع طاقم طبيّ، وأكون ضمن مجالٍ هو الأقرب إلى حلمي القديم.
ما هي طبيعة عملك في المستشفى، وكيف حدث التحول؟
كان عملي في المستشفى يشمل إجراء عدّة فحوصات، كجهد القلب، وحجم الرئتين في قسم الجهاز التنفسيّ، وفحوصات متعلقة بالعيون وغيرها.
في البداية، كنت شغوفًا بهذا العمل لأنني أحببتُ التعامل مع المرضى والزوار والطواقم الطبية. لكن، في السنة الثالثة من العمل، بدأت الأجواء تتغير تدريجيًا، ما أثّر على أدائي ونجاعتي في العمل.
تغيرت شروط العمل ولم تعد مناسبة لرجل متزوج حديثًا، إذ باتت تتطلب ساعات طويلة في أوقات غير اعتيادية، كورديات منتصف الليل. بالإضافة إلى ذلك، عانيتُ ضغوطات أخرى ناجمة عن الحاجة للتنقّل لإجراء فحوصات طبيّة لعمّال المصانع في أماكن مختلفة من البلاد، وكنتُ أعود إلى البيت في ساعات متأخّرة. وبعد أن رزقني الله طفلي الأول، أصبحت ظروف العمل شبه مستحيلة، خاصّة وأنّ زوجتي لم تكن قد تأقلمت بعد في الناصرة، المدينة الجديدة عليها، حيث مكان سكننا.
لكنّ السبب الرئيسيّ الذي أدّى إلى إنهاء عملي، كان تعرّضي لحادثة تمييز عنصري في العمل أدّت إلى فصلي.
كيف كانت البداية؟
بعد فصلي من العمل، بحثتُ عن وظيفة جديدة في مجال الترميمات والبناء لدى مقاول. ومن ثم بدأت العمل كمستقل في نفس المجال بعد أن فتحتُ ملفًا باسمي في سلطة الضرائب. بدأ طموحي يتوسّع، خاصة أنني أحب مجال الهندسة والبناء أيضًا. لذلك، قرّرتُ أخذ منعطف أوسع لتطوير نفسي مهنيًا من خلال تعلّم مساق “مدير ورشة بناء”. كنت أعمل في النهار وأتعلم في الليل، واستمرّت فترة التعليم لمدة عام، بشروط وأوقات مناسبة لظروفي كزوج وأب لأطفال. في بداية عام 2017، حصلت على الشهادة بعد إجراء الامتحان في هذا المساق.
لم يكن من السهل العثور على وظيفة، وانتظرتُ طويلاً حتى جاءت فرصة العمل مع شركة “شفير” في ميناء حيفا. بعد ذلك، انطلقتُ في هذا المجال كمدير لورشات البناء.
كيف تصف لنا التجربة في عملك الجديد؟
اندمجتُ بسرعة مع عملي الجديد، ولاءمني أن أكون مدير ورشة. خلال عملي في شركة “شفير”، عملتُ مع عدّة مقاولين أجانب من الصين وإسبانيا وإيطاليا واليونان وتركيا. لم يكن العمل صعبًا، بل كان مثيرًا للاهتمام. وكانت ساعاته مرنة ومناسبة لي ولظروفي العائلية.
بعد ذلك، انتقلتُ للعمل في شركة “دينيا سيبوس”، التي تُنفّذ مشاريع بناء كبيرة على مستوى البلاد. وهذه السنة هي الخامسة لي مع الشركة، وأعمل حاليًا في إحدى الورشات في منطقة نتانيا.
هل توجد فروقات في الحياة المعيشية بين العملين؟
بالطبع، الدخل المالي في قطاع البناء أعلى من مجال العمل في التقنيات الطبية، لكنّ الأمر لا يتعلّق بالمادة فقط. كان عملي السابق مليئًا بالحواجز والضغوطات التي تعيق تطوّري مهنيًا، ولم يكن المستقبل هناك يَعِدُ بأيّ جديد، إذ وصلتُ إلى أقصى ما يمكن أن يُضيفه إليّ عملي ذاك. أمّا في مجال البناء، فتوجد مرونة أكبر تتيح إمكانيّة التطوّر، ما يرفع من المستوى المعيشي، ويُحقّق الرضا النفسي.
ورغم أنّ سوق البناء والإنشاءات تأثّر بشكل كبير بالحرب، وخاصة في منطقة الشمال والجنوب، إلّا أنّ العمل في المركز لم يتأثر كثيرًا ولا زلتُ أقوم بمهامي إلى اليوم. ومع ذلك، أثّر غياب الأيدي العاملة الفلسطينيّة بشكلٍ ملحوظ على سير العمل. للأسف، لم يعد عمّال الضفّة يحصلون على تصاريح، وأصبحنا نوظّف عمّالًا أجانب من الصين ومولدوفا. ومؤخّرًا، دخل سوق العمل عمّالٌ من الهند، ونواجه الكثير من الصعوبات في التأقلم معهم.
مقالات ذات صلة: روندا اسبنيولي | من “مُعَلِّمَة انجليزي إلى “مَعَلْمِة” كونديتوريا”