بعد عامين تقريبًا من استضافة قطر لكأس العالم 2022، وفوز منتخب الأرجنتين على فرنسا في نهائي تاريخي، رفع فيه ميسي الكأس الذهبيّة مرتديًا البشت القطري، تواجه البنوك الحكومية خسائر ائتمانية متزايدة. هذه البنوك، التي مولت بناء الطرق السريعة والفنادق والملاعب وأنظمة الصرف الصحي من أجل الحدث الضخم الذي كلّف مئات مليارات الدولارات، تواجه الآن تحديات متزايدة حيث تكافح شركات البناء لسداد قروضها. ما دفع الحكومة القطرية لمحاولة إيجاد طرق لدعم هذه البنوك، بما في ذلك تعيين مستشارين لإعادة هيكلة الديون، وشراء محافظ استثمار عقارية مضطربة، أو إجبار البنوك الصغيرة على الاندماج.
دعم الحكومة والتأثير الاقتصادي
بالتأكيد، لن تسمح الحكومة القطرية، المدعومة بإيرادات الغاز الضخمة، لأي بنك قطري بالانهيار. ومع ذلك، قد يتطلب إنقاذ البنوك هذه المرة كبح نشاط جهاز قطر للاستثمار (QIA)، وهو الصندوق السيادي لدولة قطر الذي تُقدّر أصوله بـِ 510 مليارات دولار، في وقت يتوسع فيه نفوذه واستثماراته العالمية. وفقًا لمصادر مطّلعة، قد تحدّ الحكومة من اسثتمارات صندوقها للمساعدة في تمويل إنقاذ البنوك.
صرح مكتب الإعلام الدولي في قطر: “اقتصاد قطر قوي وموجود في وضع جيد للمستقبل، وهذا يشمل قطاع البنوك”. لقد ظل معدل القروض المتعثرة ضمن النطاق المتوقع منذ أن استضافت قطر كأس العالم في 2022. ومع ذلك، لا تزال المناقشات في مراحلها الأولى، وليس من الواضح ما هي الإجراءات التي ستتخذها الحكومة في النهاية.
نفوذ قطر العالمي
فاجأت قطر العالم بفوزها عام 2010 بحق استضافة كأس العالم 2022، وقد أثار ملفها الكثير من الجدل وشبهات الفساد. وعلى الرغم من صغر حجمها، الذي لا يتجاوز 12,000 كيلومتر مربع على شبه جزيرة في الخليج العربي تتشارك حدودًا بريّة مع جارتها اللدودة فقط السعودية، فإن احتياطيات الغاز الطبيعي الهائلة لقطر قد منحتها نفوذًا دوليًا كبيرًا. بحلول نهاية العقد، من المتوقع أن تسيطر قطر على حوالي ربع السوق العالمي للغاز المسال، خصوصًا مع القيود الدولية على الغاز الروسي.
كان كأس العالم 2022 ذروة نفوذ قطر العالمي. بلغت التكلفة النهائية للألعاب 300 مليار دولار، تم إنفاقها على بناء شبكة كاملة من الطرق السريعة بالإضافة إلى مترو الدوحة، وهو شبكة قطارات سريعة جديدة تمامًا لربط الملاعب السبعة التي بُنيت من أجل الحدث. بالإضافة إلى بناء فنادق فاخرة متعددة الطوابق لاستيعاب تدفق الزوار، وتم تجديد أنظمة الصرف الصحي في البلاد لتحمل 1.2 مليون مشجع حضروا الحدث الذي استمر لمدة شهر.
اعتمدت الحكومة على مئات المقاولين وشركات البناء لإكمال هذه المشاريع، والتي بدورها اعتمدت على البنوك المحلية للتمويل، ما أدى إلى تراكم ديون ضخمة. منذ كأس العالم، استضافت قطر العديد من الأحداث، لكن إيرادات الغرف الفندقية، وهو مؤشر رئيسي للربحية في قطاع السياحة والضيافة، انخفضت العام الماضي. يمثل فائض العرض في الغرف الفندقية مصدر قلق كبير لاقتصاد السياحة القطري، التي لم تتمكن من جذب المزيد من الزوار مقارنة بأولئك الذين حضروا الألعاب في 2022. في غضون ذلك، بدأت عدة شركات بناء إجراءات تحكيم بسبب صعوبات في تحصيل المدفوعات من الحكومة.
التحديات المالية الحالية
تعد قطر واحدة من أغنى الدول في العالم من حيث نصيب الفرد، وهي حاليًا تطور مشروع جديد للغاز المسال من المتوقع أن يزيد من إيراداتها السنوية بحوالي 31 مليار دولار. في عام 2023، ساهمت الإيرادات المتزايدة لقطر في فائض مالي بلغ 11.8 مليار دولار، مما زاد من ثروة ونفوذ البلاد. ومع ذلك، فإن العديد من شركات البناء غير قادرة على سداد قروضها. ووفقًا لمؤسسة بلومبرج إنتليجنس، حوالي 3.5% من قروض البنوك القطرية تم تصنيفها على أنها قروض متعثّرة بنهاية الربع الأول، مقارنة بـ 2.6% قبل عامين.
وبالفعل، بدأ البنك التجاري القطري P.S.Q.C، وهو أحد البنوك الخاصّة، محاولة بيع بعض الأصول العقارية المضطربة.
ذكرت المحللة الاقتصادية من مؤسسة موديز، فرانشيسكا باولينو، في تقريرها الاستشاري للمستثمرين أنّ: “تدهور أداء القروض يرجع إلى المعروض الزائد في قطاع العقارات، مثل مراكز التسوق ومباني المكاتب وخاصة الفنادق. كما ساهم في ذلك تأخر سداد الديون في قطاع البناء، فضلاً عن ارتفاع أسعار الفائدة”.
المصدر: بتصرّف عن دا ماركر + وكالات عالمية
