من كفر قاسم إلى لندن : رحلة محفوفة بالتحديات لرجل الأعمال عبد الحليم خير الله | من تنظيف المطاعم والنوم في العراء إلى افتتاح مطعمه الخاص وامتلاك العديد من العقارات

أيقون موقع وصلة Wasla
مجد دانيال | خاص لوصلة
في واحدة من أشهر المناطق وسط العاصمة البريطانية لندن، وأكثرها جذبًا للسياح، و على بعد خطوات من متحف “مدام توسو” الشهير، يقع مطعم “شكشوكة” لصاحبه عبد الحليم خير الله، الذي قرر قبل 35 سنة ترك مسقط رأسه كفر قاسم والانتقال إلى مدينة الضباب لندن في رحلة ذهاب دون إياب، وأن يؤسس نفسه من نقطة الصفر حتى بات واحدًا من أثرياء المدينة ومالكًا لعدد من العقارات في واحدة من أغلى العواصم على مستوى العالم.

 

معطم شكشوكة 3
رجل الأعمال عبد الحليم خير الله مع مراسل وصلة مجد دانيال

وصلة : حدثنا عن قصتك، كيف كانت رحلتك من فلسطين إلى بريطانيا. وعلى وجه التحديد من كفرقاسم الى لندن ؟ هل واجهتك تحديات في بداية الطريق؟ وماذا كان الدافع وراء هذا النجاح في مجال العقارات ؟ 

عبد الحليم : لقد جئت الى بريطانيا لوحدي دون تأييد الأهل، وبطبيعة الحال عندما تصل الى بريطانيا وليس لديك طعام الا لاسبوع واحد وليس لديك الإمكانية أن تدفع أجرة الفنادق، فلا خيار لديك الا النوم في محطة القطار. أمضيتُ أول ثلاثة أشهر في محطة كينغز كروس، بالبداية كنت أعمل في تنظيف المطاعم، ثم في التجارة وبيع الملابس. تمكنت من توفير المال لدخول الجامعة وتعلم المحاماة، حياتي لم تكن سهلة الا انني كنت سعيد. 

حتى اليوم، ورغم أنني أعيش في منزل يبلغ ثمنه ملايين الجنيهات، ما زلت أنظر إلى سقف منزلي وأجد صعوبة بتصديق وجوده. بل وأعترف أنني أصبحت مدمناً على شراء العقارات. وأصبح لدي اليوم عشرات الأسقف وليس سقف واحد.

لكن الأمر الذي بقي عالقا في ذهني منذ أن كنت طفلا وحتى يومنا هذا، وجعلني أكثر تشبثا بهدفي، هي النظرة الفوقية لصاحب العمل اليهودي حيث كان والدي يعمل طيلة النهار بالحفريات، كان عمله شاقًا للغاية وتعرض لعدة إصابات خلاله. إلّا أنّ معاملة صاحب العمل (السيّد) لوالدي وسائر العمال العرب كأنهم عبيد لديه. في إحدى المرات سألته لماذا يتحدث مع والدي بهذه الطريقة، فأجابني: “أنت لست مسؤولًا عن والدك. والدك يعمل خادماً عندي”. قلت له: “أنا لست خادماً عندك”، فرد قائلاً: “لا، أنت ستكون خادماً عند ابني”.

رافقني هذا الشعور طوال الوقت، وعزز لدي القناعة أن لن أكون خادماً كما كان يُعامل والدي، الذي أكن له كل الاحترام والتقدير، وهو أكثر إنسان تفانى في تربية وتعليم أولاده الأربعة عشر. بالنسبة لي، والدي هو أنجح أب في التاريخ، لكن ما لم يعجبني هو الفوقية والتعامل المتعجرف من السيد مع والدي. رفضت أن أتصور نفسي أتلقى الأوامر من شخص متعجرف يعاملني معاملة الكلاب.

وصلة : متى ولماذا قررت أن تفتح مطعمًا, ولم تتردد في البداية من التشديد على الهوية الفلسطينية للمطعم ؟

عبد الحليم : أنا أملك أكثر من عشرين مطعمًا في لندن أؤجرها لأشخاص يديرونها، تشمل هذه المطاعم المأكولات الإيطالية والهندية والصينية وكل أنواع المطابخ. ومع الوقت بدأ أصدقائي يضغطون علي ويسألون: لماذا لا تملك أي مطعم فلسطيني؟ خصوصًا مع انتشار المطاعم الإسرائيلية في لندن التي تسرق أكلاتنا وتراثنا. كنت دائمًا أجيبهم بأنني لا أملك الوقت لإدارة مطعم، إذ تتطلب المطاعم وقتًا وجهدًا كبيرًا. لكن ما جعلني أغير رأيي هو زيارتي لنيويورك، حيث رأيت اليهود هناك يفتحون مطاعم ويقدمون مأكولات مثل الشكشوكة والحمص والمقلوبة على أنها مأكولات إسرائيلية. عندما رأيت أنهم سرقوا الشكشوكة والمقلوبة، قلت لنفسي: “كفى!”. فقررت أن أفتح مطعمًا في وسط لندن وأكتب عليه “مطعم فلسطيني ومأكولات فلسطينية”، ليبحثوا عن فلسطين على الإنترنت.

معطم شكشوكة
مطعم شكشوكة في لندن- المصدر: وصلة

وصلة : نحن نعلم أن الحرب الأخيرة غيرت أو حتى قلبت الموازين لدى الكثير من البيض في الغرب. هنا في بريطانيا شهدنا مظاهرات شارك فيها مئات الآلاف. هل تلاحظ زيادة في فضول الإنجليز حول كل ما هو فلسطيني بعد الحرب؟

عبد الحليم : ربما ازداد عدد الزبائن الإنجليز الذين يأتون إلى مطعمنا بنسبة 80%. كلهم يأتون تضامنًا ومن منطلق أضعف الإيمان وتشجيع المصالح الفلسطينية، وهذا يبدو واضحًا أيام السبت. إذا قارنّا مع المطعم الإسرائيلي القريب منا، نجد أن مطعمنا ممتلئ وقد تضطر للانتظار لفترة معينة للدخول، بينما المطعم الإسرائيلي فارغ وحتى اليهود يخشون الدخول إليه. حتى من الناحية الاقتصادية يمكن القول بأن دخل المطعم قد تضاعف. الجيل العربي والإنجليزي الجديد هم أبناء السوشيال ميديا، فالقوانين التي كانت تنطبق على آبائنا وأجدادنا لم تعد تنطبق عليهم، فهم يؤيدوننا تأييدًا رهيبًا.

معطم شكشوكة 2
من داخل مطعم شكشوكة

وصلة : أنت كمحامي وصاحب مطعم ورجل أعمال، كيف ترى دور الفلسطيني المغترب عن أرضه في إيصال صوت فلسطين للعالم، وهل تلاحظ نجاحنا في توصيل صوتنا وتغيير وجهات النظر عنّا؟ 

عبد الحليم : لا شك أن حصول شاب مثل معتز عزايزة على 17 مليون متابع على إنستغرام وهو موجود في غزة، يُبرز أهمية أن نكون في الطليعة. إذا دُعينا إلى مظاهرة، يجب أن نشارك جميعًا. يجب أن نستمر في الحديث عن فلسطين والتبرع ماديًا للأطفال والنساء. أنا شخصيًا أتحمل مسؤولية دعم كل الطلاب المعتصمين لأجل فلسطين في الجامعات. كل يوم، نقوم بإعداد الطعام لهم بالإضافة إلى التبرعات التي نقدمها. هذا هو أضعف الإيمان في مثل هذه الأوقات لدعم شعبنا.

وصلة : كيف انعكس الدعم لفلسطين على الانتخابات الاخيرة في بريطانيا؟ 

عبد الحليم : لأول مرة في التاريخ، تأتي عضوة البرلمان عن حزب العمال عن منطقة ويستمنستر، ومعها رئيسة البلدية ورئيس الحزب في المنطقة، إلى مطعمي ثلاث أو أربع مرات، في محاولة منهم لكسب رضاي كفلسطيني. لأول مرة أيضًا، لديك سياسي مثل جيرمي كوربن يستقل عن حزب العمال ويترشح على ورقة فلسطين، ويحقق انتصارًا كبيرًا في منطقته رغم كل الحملات التي مورست ضده. بالإضافة إلى ذلك، هناك أربعة مرشحين داعمين بشكل واضح لفلسطين يترشحون كمستقلين ويتغلبون على الأحزاب التقليدية. وكأنه لأول مرة يوجد حزب فلسطيني في البرلمان البريطاني.

مطعم شكشوكة 4
من داخل معطم شكشوكة

كما أن العديد من الأعضاء في حزب العمال وحزب الديمقراطيين الليبراليين قد غيّروا من توجهاتهم وبدأوا يتحدثون عن فلسطين من أجل كسب الأصوات. يمكن القول إن هذه الانتخابات قد قوت الصوت الفلسطيني بشكل غير مسبوق.

نقطة أخرى مهمة، ورغم تغلب حزب العمال على حزب المحافظين بفارق كبير من حيث عدد المقاعد، إلا أن مجموع الأصوات التي نالها حزب العمال بقيادة جيرمي كوربن في الانتخابات السابقة كان أكبر من مجموع الأصوات التي حصل عليها الحزب في الانتخابات الحالية.

مقالات مختارة

Skip to content