أشارت الكاتبة ميراف أرلوزوروف في تقريرها المنشور على موقع “دا ماركر” إلى أن الأوضاع في المجتمع الدرزي وصلت إلى نقطة غليان قبل حادثة مقتل الاطفال في مجدل شمس. وذكرت الصحفية أن التوترات المتزايدة تعود إلى عدة عوامل متراكمة، أبرزها ارتفاع عدد القتلى الدروز في الحرب الأخيرة، وتأثير قانون القومية الذي يُعتبر تهديدًا لشراكتهم في الدولة، بالإضافة إلى أزمة البناء غير المرخص التي تطال عشرات الآلاف من المنازل في القرى الدرزية.
وتطرقت الكاتبة في تقريرها إلى استخدام المواطنين العرب في إسرائيل لحالة الدروز كمثال حي على التمييز المستمر الذي يتعرضون له، مشيرة إلى أنه بالرغم من الخدمة العسكرية الإلزامية التي يؤديها الدروز، إلا أنهم يشعرون في نهاية المطاف بأنهم يعاملون كأي عربي آخر في البلاد. وتؤكد الصحفية أن هذا الشعور ليس بدون أساس، حيث يُعتبر قانون القومية وقانون كامينيتس من أكثر القوانين المثيرة للجدل داخل المجتمع الدرزي.
وفيما يتعلق بقانون كامينيتس، أوضحت الكاتبة أن هذا القانون الذي كان من المفترض أن يكون أداة للحد من البناء غير القانوني في القرى العربية والبدو في النقب، جاء ليضرب بقوة القرى الدرزية التي تعاني أصلًا من ضائقة في التخطيط والبناء. وقد تحدثت الكاتبة مع عصام حامد، المستشار الخاص لوزير الداخلية للشؤون الدرزية والشركسية، الذي أشار إلى أن نحو 10,000 وحدة سكنية من أصل 41,000 في القرى الدرزية قد بُنيت دون تراخيص، مما يعكس حجم الأزمة التي يواجهها المجتمع الدرزي.
وأفادت أرلوزوروف في تقريرها أن السبب الرئيسي لهذه الأزمة يعود إلى أن الأراضي في القرى الدرزية هي بشكل أساسي ملكيات خاصة، حيث يمتلك فقط 20% إلى 40% من السكان الأراضي، مما يجعل من الصعب تنفيذ مشاريع تطويرية بسبب عدم توفر الأراضي العامة. وأضافت الكاتبة أن المواقع الجغرافية لهذه القرى على قمم الجبال، المحاطة بالمحميات الطبيعية مثل جبل الكرمل وجبل حرمون، تزيد من تعقيدات البناء والتطوير.
وفي محاولة لتفسير الأسباب العميقة لهذه الأزمة، حاورت الصحفية رأفت شنان، رئيس المجلس الديني الدرزي، الذي أشار إلى أن هناك ارتباطًا عاطفيًا عميقًا لدى الدروز بالأرض، حيث يرفضون فكرة بيعها أو البناء عليها بطرق لا تتماشى مع تقاليدهم. وأوضح شنان أن هناك معارضة قوية لمفهوم “إعادة التقسيم”، الذي يهدف إلى دمج الأراضي الخاصة في خطط تطويرية شاملة، وهو مفهوم لا يزال يثير مشاعر سلبية في المجتمع الدرزي.
وتابعت الكاتبة في تقريرها تسليط الضوء على التأخر الكبير في عملية التخطيط في القرى الدرزية، حيث لا تزال بعض القرى بدون خرائط تفصيلية تتيح للسكان الحصول على تراخيص بناء قانونية. وأشارت إلى أن ضعف القدرات المالية والتقنية للسلطات المحلية الدرزية أدى إلى تأخر وضع الخطط العمرانية في كثير من القرى، لدرجة أن بعض القرى لا تزال بدون خطط هيكلية حديثة.
وقد أدت هذه التأخيرات إلى حالة من الإحباط بين السكان، الذين يلجأون في النهاية إلى البناء غير المرخص لمواجهة أزمة السكن. وأكدت الكاتبة أن الرغبة في المحافظة على الأراضي داخل العائلات عبر الأجيال، جعلت من الصعب تنفيذ خطط “إعادة التقسيم” التي تتطلب تنازل السكان عن أجزاء من أراضيهم لصالح مشاريع عامة مثل المدارس والطرق.
وأشارت أرلوزوروف إلى أن قانون كامينيتس، الذي بدأ تطبيقه في عام 2017، منح السلطات صلاحيات واسعة لإصدار أوامر هدم فورية وفرض غرامات قد تصل إلى مئات الآلاف من الشواكل، دون الحاجة إلى المرور عبر المحاكم. ولكن هذا النهج القاسي أثار استياءً واسعًا في المجتمع الدرزي، حيث يشعرون أن القانون يُطبق عليهم بطريقة تعسفية دون توفير بدائل قانونية للبناء. وذكرت الكاتبة أن هناك إحساسًا عامًا بأن قانون كامينيتس يمارس ضغطًا هائلًا على الدروز، ويعتبرونه “مطرقة بقوة 5 أطنان على مشكلة غير قابلة للحل”، كما وصفه عصام حامد.
وذكرت أرلوزوروف أنه في بداية يوليو، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اجتماعًا لمناقشة قضايا التنمية في القرى الدرزية والشركسية. وفي حين رفض نتنياهو إعادة النظر في قانون القومية، فقد ركز على مشكلة التخطيط والبناء. وقد تم الاتفاق على تشكيل فريق من المديرين العامين برئاسة يوسي شيلي، مدير مكتب رئيس الوزراء، لبحث خطط التنمية في هذه القرى. كما اقترح شيلي، وفق ما ذكرته الكاتبة، تجميد أوامر الهدم والغرامات والإجراءات القانونية المتعلقة بالبناء غير المرخص لمدة ثلاث سنوات، ريثما يتم التوصل إلى حلول لهذه الأزمة.
وأضافت الكاتبة أن اقتراح تجميد أوامر الهدم قوبل بمعارضة شديدة من قبل وزارة العدل، حيث أرسلت المستشارة القانونية للحكومة، كرميت يوليس، رسالة حادة إلى يوسي شيلي تذكره بأن السلطة التنفيذية لا تملك الحق في التدخل في قرارات إنفاذ القانون. وأشارت يوليس إلى أن تطبيق القانون ضروري لدعم عملية التخطيط وضمان عدم الانتهاك المتواصل للقوانين.
وفي نهاية تقريرها، سلطت الكاتبة الضوء على التحديات المستمرة في المجتمع الدرزي، مؤكدة أن الحل يكمن في تسريع عملية التخطيط في القرى الدرزية وتوفير موارد كافية لدعم هذا التخطيط. وأشارت إلى أن الحكومة بدأت منذ عام 2015 في العمل بشكل أكثر جدية على تطوير خطط مفصلة للقرى الدرزية، حيث تم المصادقة على خطط لبناء 21,000 وحدة سكنية جديدة، كما توجد خطط أخرى قيد الدراسة لتوفير 16,000 وحدة سكنية إضافية. ومع ذلك، فإن التقدم في تنفيذ هذه الخطط لا يزال بطيئًا بسبب التحديات البيروقراطية والمقاومة المحلية.
ورغم وجود بعض التقدم في هذا الاتجاه، إلا أن تطبيق القانون بشكل صارم دون معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع. وأضافت الكاتبة أنه على الحكومة أن تجد توازنًا بين فرض القانون وتوفير حلول مستدامة للسكان، حتى لا يتحول تطبيق القانون إلى مصدر جديد للتوتر والصراع في المجتمع الدرزي.