في الأشهر الأخيرة، شهدت الساحة الدولية تحولات جذرية في مواقف العديد من المؤسسات المالية الكبرى تجاه إسرائيل، خصوصًا فيما يتعلق بسجلها في حقوق الإنسان. من بين هذه المؤسسات، برز صندوق التقاعد الجامعي في بريطانيا (USS)، وهو أكبر صندوق تقاعد في القطاع الخاص في المملكة المتحدة بقيمة 79 مليار جنيه إسترليني، حيث قام ببيع أصوله الإسرائيلية بقيمة 80 مليون جنيه إسترليني (385 مليون شيكل). هذه الخطوة جاءت كنتيجة مباشرة لضغوط مستمرة من أعضاء الصندوق، الذين عبروا عن قلقهم إزاء تورط هذه الأصول في انتهاكات حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين.
تأتي هذه الخطوة ضمن موجة متنامية من الانسحابات المالية التي تقودها صناديق التقاعد العالمية، والتي تسعى إلى تجنب الاستثمار في الشركات التي تدعم الأنشطة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. قرار صندوق التقاعد الجامعي لم يكن مجرد إجراء مالي بحت، بل كان انعكاسًا لتحولات أعمق في التفكير الأخلاقي والاقتصادي لهذه المؤسسات، التي أصبحت تدرك أن استثماراتها يجب أن تتماشى مع قيم حقوق الإنسان والقانون الدولي.
تزامنت هذه التحركات مع استمرار الصراع في غزة، الذي بدأ في أكتوبر 2023، والذي أدى إلى تجدد التركيز على الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. أعضاء صندوق التقاعد الجامعي، الذي يضم أكثر من 500 ألف عضو من العاملين في قطاع التعليم العالي، كالمحاضرين في جامعات عريقة مثل أكسفورد وكامبريدج كانوا في طليعة هذه الضغوط. وقد أعرب هؤلاء الأعضاء عن رفضهم الشديد لتورط أموالهم التقاعدية في تمويل الأنشطة الإسرائيلية التي تسهم في استمرار الاحتلال والانتهاكات ضد الفلسطينيين.
التحركات البريطانية ليست الوحيدة في هذا السياق. في يونيو الماضي، أعلن صندوق التقاعد النرويجي “كي إل بي”، الذي يدير أصولًا بقيمة 90 مليار دولار، عن سحب استثماراته من شركة “كاتربيلر” الأميركية، حيث كان يملك أسهمًا فيها بقيمة 70 مليون دولار. هذه الشركة كانت قد تعرضت لانتقادات حادة بسبب توريدها لمعدات تستخدمها القوات الإسرائيلية في هدم منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية وتمهيد الطرق أمام المستوطنات. وأشار الصندوق إلى أن استمرار الاستثمار في “كاتربيلر” قد يجعلها شريكًا غير مباشر في انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل في الضفة الغربية وغزة. هذا القرار يأتي بعد سلسلة من الخطوات المماثلة التي اتخذها الصندوق النرويجي في السنوات الماضية، والتي شملت سحب استثماراته من شركات مرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
الضغوط المتزايدة على إسرائيل لم تقتصر على بريطانيا والنرويج. في الدنمارك، أعلن صندوق التقاعد “فيلليف” الذي يضم 420 ألف عضو، عن سحب استثماراته من 11 بنكًا إسرائيليًا، وذلك بعد مراجعة دقيقة لسياسات هذه البنوك ودورها في تمويل الأنشطة الاستيطانية. كما قامت صناديق تقاعد أخرى مثل “بنشيون دنمارك” و”Industriens Pension” باتخاذ خطوات مماثلة، حيث استبعدت عدة بنوك وشركات إسرائيلية من قوائم استثماراتها.
المصدر: العربي الجديد + وكالات عالمية