ليست سويسرا فقط واحدة من أغنى دول العالم، بل هي أيضًا وجهة مفضلة للأثرياء من جميع أنحاء المعمورة. حيث تشير أحدث التقارير إلى أنّ سويسرا تحتل المرتبة الأولى عالميًا من حيث عدد المليارديرات بالنسبة لعدد السكان، متفوقة حتى على الولايات المتحدة. يعيش في سويسرا حوالي 110 مليارديرًا، أي بمعدل ملياردير واحد لكل 80 ألف نسمة، وتبلغ القيمة الإجمالية لثرواتهم حوالي 338 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، تضم سويسرا أعلى نسبة من المليونيرات في العالم.
لطالما كانت سويسرا تعتبر من الدول المتميزة على مستوى العالم. ورغم أنّها واحدةٌ من أصغر الدول الأوروبية من حيث الحجم، إلّا أنّها من بين الأغنى. تتمتع بجودة حياة استثنائية، ولا يقتصر الأمر على الطبيعة الخلابة، الهدوء، والثقافة الغنية، والجبنة اللذيذة والشوكالاه الفاخرة، بل تُعد أيضًا ملاذًا آمنًا للأثرياء بسبب استقرارها السياسي واقتصادها القوي.
في سويسرا، يُقدر أنّ هناك مليارديرًا واحدًا لكل 80 ألف نسمة، وهو معدل مرتفع مقارنة بدول أخرى مثل السعودية، سنغافورة، وحتى الإمارات العربية المتحدة. كما تُعد سويسرا ثالث أعلى دولة في العالم من حيث عدد المليارديرات بالنسبة لعدد السكان بعد لوكسمبورغ وهونغ كونغ. يعيش 22 من بين أغنى 500 شخص في العالم في سويسرا.
ولا تقتصر ثروات سويسرا على المليارديرات فقط، بل تمتد إلى المليونيرات أيضًا، حيث أن واحدًا من كل سبعة سويسريين هو مليونير، ومتوسط ثروة المواطن السويسري يبلغ حوالي 700 ألف دولار، متفوقًا على نظرائه في الولايات المتحدة وهونغ كونغ.
ما الذي يجعل سويسرا وجهة مثالية للأثرياء؟
يعود جزء كبير من جاذبية سويسرا للأثرياء إلى استقرارها السياسي الطويل الأمد وسمعتها الممتازة، وحيادها السياسي. بالنسبة للأثرياء، يعني ذلك أن أموالهم وممتلكاتهم ستكون آمنة من التغيرات المفاجئة في القيادة أو السياسات المالية. بالإضافة إلى ذلك، فإن النظام الاقتصادي السويسري مستقر، والفرنك السويسري قوي، ما يعزز ثقة المستثمرين في هذا البلد.
أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الأثرياء ينجذبون إلى سويسرا هو نظامها الضريبي. سويسرا تفرض ضرائب منخفضة نسبيًا على سكانها، حيث تصل إلى 24% فقط، مقارنةً بما يصل إلى 50% في الدول المجاورة. كما أنها توفر مزايا ضريبية كبيرة للشركات، لذلك تُشكّل وجهة مفضلة للشركات والتكتلات الكبرى. ويضاف إلى ذلك أن سويسرا لا تفرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية، ما يجعلها مغرية للغاية للأثرياء الذين يستثمرون في الأسواق المالية.
ومن الجدير بالذكر أن سويسرا تفرض ضريبة ثروة على أغنى سكانها، لكنها ضريبة منخفضة جدًا تتراوح بين 0.1% و1.1%، لئلّا تشكل عقبة كبيرة أمام الأثرياء. كما تُوفّر الشركات المحلية خدمات التخطيط الضريبي التي تساعد الأغنياء على الاحتفاظ بمعظم أموالهم.
تطور النظام المصرفي السويسري
على مدار القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، اكتسبت البنوك السويسرية سمعة عالمية بفضل نظامها القائم على السرية المصرفية، حيث كان العملاء يتمتعون بدرجة عالية من الخصوصية والسرية في تعاملاتهم المالية. ومع ذلك، شهد النظام المصرفي هناك تغييرات هامة.
كانت البنوك السويسرية تعتمد بشكل كبير على إدارة أموال العملاء بطرق تمكنهم من تجنب دفع الضرائب في بلدانهم الأصلية. ولكن بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، ومع تشديد اللوائح الدولية، واجهت البنوك السويسرية تحديات كبيرة، ما اضطرها إلى تعديل استراتيجياتها. بدأت الحكومة السويسرية والبنوك في تطبيق معايير أكثر صرامة فيما يتعلق بالشفافية، بما في ذلك تبادل المعلومات المالية مع الحكومات الأجنبية.
هذا التحول جاء نتيجة لضغوط دولية وتهديدات بإدراج سويسرا في القائمة السوداء من قبل بعض الدول الكبرى. اضطرت البنوك إلى الابتعاد عن نموذجها الاقتصادي القديم، وركزت، بدلًا من ذلك، على تقديم خدمات مالية مبتكرة، مثل التخطيط المالي الشرعي، وإدارة الأصول بطريقة تُعزّز الاستثمارات طويلة الأمد، وتقديم استشارات تتوافق مع احتياجات عملائها من الأثرياء. كلّ ذلك ساهم في حفاظها على مكانتها كأحد أهم مراكز إدارة الثروات في العالم.
توسيع حدود الجنّة
في حين أن سويسرا تظل جنّةً للأثرياء، إلا أن الحكومة السويسرية تدرك أنّ الاعتماد على النخب المالية فقط ليس استراتيجية مستدامة. لذلك، تحاول الدولة تعزيز جاذبيتها لفئات أوسع من السكان، بما في ذلك الشباب والعائلات من الطبقة الوسطى.
يعمل النظام الاجتماعي المتطور في سويسرا، جنبًا إلى جنب مع قوانين العمل الصارمة ونظام تعليمي متقدم، على توفير مستوى عالٍ من الرفاهية حتى لأولئك الذين ليسوا من أصحاب الثروات الكبيرة. هذا التوازن بين الرفاهية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية يُعدّ أحد أسرار نجاح سويسرا في الحفاظ على مكانتها كواحدة من أفضل الأماكن للعيش والعمل في العالم.
المصدر: بتصرّف عن mako