أثار اعتقال مؤسس “تليغرام” في فرنسا مخاوف واسعة في الأوساط الروسية، خاصةً أن التطبيق يُعتبر أداة حيوية للتواصل العسكري خلال الحرب. الجيش الروسي اكتشف منذ بداية غزوه لأوكرانيا في 2022 أن أساليب الاتصالات التقليدية التي يعتمد عليها يمكن اعتراضها بسهولة من قبل القوات الأوكرانية. لهذا السبب، لجأت القوات الروسية إلى استخدام “تليغرام” كوسيلة بديلة، لقدرته على توفير مستوى من الحماية ضد عمليات التنصت والاستخبارات الغربية.
دور “تليغرام” في الحرب
يُستخدم التطبيق لتبادل معلومات استخباراتية حيوية، مثل تحديد مواقع العدو وتوجيه المدفعية وإدارة عمليات الطائرات بدون طيار. كذلك، يستخدمه المتطوعون الذين يقدمون دعمًا لوجستيًا، بواسطة الطائرات بدون طيار والمركبات ومناظير الرؤية الليلية، حيث يعتبرونه منصة مركزية لتنسيق الأنشطة وتوفير الموارد. ورغم أنّ التطبيق ليس تطبيقًا رسميًا للجيش الروسي، إلّا أنّ بعض الوحدات العسكرية الروسية الرئيسية تستخدمه حتّى للتنسيق على المستوى التكتيكي أثناء التقدّم في ساحات المعركة في أوكرانيا.
في المقابل، يُفضّل الجيش الأوكراني المنصات الغربية مثل “سيغنال” و “ديسكورد” للتواصل، وهي تطبيقات محجوبة في روسيا. وقد صرّح مؤسّس “تليغرام” بتفوّق نظام التشفير في تطبيقه على هذه التطبيقات المنافسة.
رد الفعل الروسي
يأتي الغضب الروسي نتيجة للدور المحوري الذي يلعبه التطبيق في العمليات العسكرية. يُنظر إلى اعتقال مؤسس “تليغرام”، الذي يحمل الجنسيتين الروسية والفرنسية، كتهديد مباشر لعمليات الجيش الروسي. وقد وصف أليكسي روجوزين، مسؤول روسي ومستشار في البرلمان، الأمر بسخرية على أنّه “اعتقال كبير ضبّاط الإشارة في القوات المسلّحة الروسيّة“، ما يعكس القلق العميق من أن تكون الأسرار والمعلومات الحساسة عرضة للخطر.
خلفية بافيل دوروف
منذ فترة طويلة، يشتهر مؤسس “تليغرام”، بافيل دوروف (39 عامًا)، بتحديه للسلطات الحكومية. ترك روسيا في عام 2014 بعد رفضه التعاون مع مطالب الحكومة بشأن منصة التواصل الاجتماعي الروسية “فكونتاكتي” (VK)، ويقيم حالياً في دبي، حيث المقر الرئيسي لـ”تليغرام”، وهذا من أحد الأسباب التي تجعل الروس يثقون في التطبيق، إذ تحافظ الإمارات -الحليفة التاريخية للولايات المتحدة- على علاقات قوية مع روسيا. يحمل دوروف كذلك الجنسية الإماراتية، وتُقدّر ثروته بحوالي 15 مليار دولار، وقد وضعته السلطات الفرنسية تحت رقابة مشددة بعد إطلاق سراحه على إثر انتهاء تحقيق النيابة العامة معه.
التداعيات الأخرى للاعتقال
تأتي هذه الأحداث في سياق معقد يشمل مسألة حرية التعبير والرقابة الحكومية، حيث تُعد “تليغرام” واحدة من التطبيقات القليلة التي توفر مستوى عالٍ من الخصوصية والتشفير للمستخدمين، وتفرض رقابة محدودة على منشوراتهم. وقد سطع نجم التطبيق أيضًا أثناء الحرب الإسرائيلية في قطاع غزّة، حيث استخدمه العديدون كمصدر أساسي للمعلومات المتعلّقة بالحرب الغير خاضعة للرقابة العسكرية. هذا الدور يعزز التوترات بين التطبيق والحكومات التي ترغب في المزيد من السيطرة على البيانات والمعلومات المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي.
بتصرّف عن وول ستريت جورنال