تدرس شركة إنتل حالياً سلسلة من الإجراءات الجذرية بهدف إعادة إحياء الشركة، وذلك بعد تقارير فصلية مخيبة للآمال واستمرار الصعوبات المالية. تشمل الخطوات المحتملة وقف مشاريع بناء بقيمة مليارات الدولارات، وبيع شركات تحت مظلتها مثل شركة “موبيلاي” الإسرائيلية لأنظمة القيادة الذاتية، وحتى تقسيم أنشطة إنتل الأساسية إلى شركات منفصلة. تأتي هذه المناقشات، التي أوردتها وكالة بلومبرغ، في ظل التحديات التي تواجه إنتل تحت قيادة الرئيس التنفيذي بات غلسينغر، في وقت تتعامل فيه الشركة مع تطورات السوق والمنافسة الشديدة.
وتأتي هذه المناقشات بعد تقرير إنتل عن أرباح الربع الثاني من عام 2024، الذي وصفه المحللون بأنه أسوأ تقرير أرباح لها على الإطلاق، بعد أن أظهر انخفاضًا بنسبة 1% في الإيرادات، لتصل إلى 12.8 مليار دولار، وهو ما كان أقل بكثير من توقعات المحللين. إضافة إلى ذلك، سجلت الشركة خسارة صافية قدرها 1.6 مليار دولار، مقارنةً بأرباح قدرها 1.5 مليار دولار في العام السابق. دفع هذا التقرير إنتل إلى الإعلان عن خطط لتسريح 15,000 موظف كجزء من جهد أوسع لإعادة الهيكلة.
دور إسرائيل في استراتيجية إنتل العالمية
بينما يتركز الكثير من النقاش حول عمليات إنتل في الولايات المتحدة وأوروبا، يبقى مصير توسعة مصنعها في كريات جات، بقيمة 25 مليار دولار، غير واضح. تمّ إيقاف توسعة هذا المصنع في يونيو من هذا العام، ما يثير تساؤلات حول مدى التزام إنتل بمشاريعها في إسرائيل.
استثمارات إنتل في إسرائيل، خاصة من خلال منشأة كريات جات، تأتي كجزء من أهداف أوسع لتأمين مواقع إنتاج خارج الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن المصنع لم يُدرج رسميًا ضمن المشاريع التي قد تُلغى، فإن أي تغييرات في استراتيجية إنتل العالمية قد تؤثر على مستوى الاستثمار في إسرائيل.
تشكيك في رؤية غلسينغر الاستراتيجية
دفع الرئيس التنفيذي بات غلسينغر باستراتيجية طموحة ترتكز على إنشاء نشاط كبير في إنتاج الرقائق للشركات الأخرى. كان من المتوقع أن تساعد هذه الخطة في إنعاش الشركة، خاصةً في ظل تاريخ إنتل في ريادة صناعة أشباه الموصلات. لكن الانتكاسات المالية الأخيرة أدت إلى تآكل ثقة المستثمرين في هذه الخطة.
أعرب محللون مثل ستايسي رسغون من شركة برنشتاين عن شكوكهم حول جدوى استراتيجية غلسينغر في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، مشيراً إلى أنه “بينما كانت استراتيجية غلسينغر منطقية في البداية، لا تستطيع الظروف التجارية الحالية دعمها.” والآن، يدرس مجلس إدارة إنتل عدة بدائل لتثبيت وضع الشركة، بما في ذلك بيع شركات تم شراؤها قبل تعيين غلسينغر، وهي الآن منفصلة عن الأنشطة الأساسية لإنتل. من بينها شركة “موبيلاي”، التي فصلتها إنتل في 2022 ولكنها احتفظت بحصة كبيرة فيها.
ومع ذلك، بعد أن شهدت أسهم “موبيلاي” انخفاضًا بنسبة 75% في قيمتها السوقية هذا العام، قد لا يكون بيع جزء من هذا القسم مجزياً بشكل كبير في الوقت الحالي. كما تفكر إنتل في بيع شركة “Altera”، المصنعة للدوائر الرقمية، والتي اشترتها في 2015 ولكن فصلتها عن باقي أنشطتها العام الماضي استعدادًا لبيع محتمل.
استراتيجية صناعة أشباه الموصلات الأمريكية في خطر
قد يعرض تقليص إنتل للاستثمارات في مشاريع التصنيع الرئيسية للخطر أيضاً طموحات إدارة بايدن لإعادة إحياء إنتاج أشباه الموصلات في الولايات المتحدة. كانت الحكومة قد منحت إنتل إعانات كبيرة لبناء مصانعها في أريزونا وأوهايو، التي كانت تهدف لتشكيل العمود الفقري لاستراتيجية أشباه الموصلات الأمريكية. لطالما روّجت وزيرة التجارة الأمريكية، جينا ريموندو، لدور إنتل في هذه الجهود، حتى أنها حاولت تشجيع منافسين مثل “إنفيديا” و”AMD” لتصنيع رقائقهم في مصانع إنتل.
ومع ذلك، واجهت إنتل صعوبات في تأمين طلب كافٍ على هذه الخدمات، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت الشركة قادرة على دعم مثل هذه الطموحات الكبيرة في التصنيع.
مستقبل عمليات إنتل
إحدى الخيارات القصوى التي تجري مناقشتها هي احتمال تقسيم إنتل إلى شركات منفصلة، بحيث يتم تقسيم أنشطة التصميم والإنتاج. لكن هذا التحرك يواجه تحديات عملية وتنظيمية كبيرة، بما في ذلك الحاجة للحصول على موافقات من عدة حكومات في الدول التي توجد فيها مصانع إنتل. علاوة على ذلك، يُعتبر التكامل الوثيق بين تصميم الرقائق وإنتاجها جزءاً أساسياً من هوية إنتل، مما يجعل من غير المؤكد مدى جدوى هذا الانقسام.
ولن تقتصر خطوات إنتل الحالية على تشكيل مستقبل الشركة، بل يمكن أن يكون لها تأثير واسع على الصناعات التقنية العالمية، بما في ذلك قطاع أشباه الموصلات المتنامي في إسرائيل.
بتصرف عن بلومبرغ + كالكاليست