في أوقات الطوارئ يكون دور الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني في المجتمع العربي دوراً حيويا لصمود الناس ومواجهة التحديات المختلفة، لكن ضعف الدعم المالي والمعنوي ووجود عقبات عديدة أمامها يهدد وجودها وعملها. من هذا المنطلق أطلقت منظمة “جوينت” برنامجاً متكاملاً لدعم وتمكين الجمعيات العربية في هذه الأيام الصعبة.
نجم هو طفلٌ يبلغ من العمر 6 سنوات، يعاني مثل العديد من الأطفال في جيله من ضغوطات نفسية، ازدادت مع الحرب الأخيرة. لكنّ نجم يمتلك أدوات خاصّة تساعده على التخلّص من مشاعره السلبية، فعندما تدوي صافرات الإنذار، يلجأ نجم – أو “نجّوم” كما تحبّ أن تناديه والدته – إلى صندوق سحريّ أشبه بالكنز، يخرج من هذا الصندوق تنّين يعلّم نجم تمارين التنفس العميق، أو دب باندا يعانقه ليشعر بالأمان، أو قطّة يربت على فروها ليسترخي ويُدخل السرور إلى قلبه.
لا شكّ أنّ كلّ عائلة ترغب في أن يمتلك أطفالها صندوقًا كصندوق نجم، وهو ما عملت عليه بالفعل مؤسّسة star for life في القدس، حيث قامت بإطلاق مشروع “كنز نجوم للأمان” والذي يتم في إطاره إصدار قصّة مصوّرة للأطفال، تحتوي على شخصياتٍ كرتونيّة محبّبة للطفل، كالتنّين والفيل والباندا، تعلّمه من خلال متعة القراءة التعامل مع مشاعره، كالخوف والقلق، بطريقة صحيّة.
كتب القصّة أخصائيّون نفسيّون بالاعتماد على نهجٍ علاجيّ يركّز على معالجة آثار المشاعر السلبية عبر تقنيات جسديّة كالقفز والغناء. واستطاعت المؤسسة طباعة 32 ألف نسخة من كتاب “كنز نجّوم للأمان” وتوزيعها على المدارس وروضات الأطفال الناطقة بالعربية في القدس، لإرشاد الحاضنات للتعامل الأمثل مع مشاعر الطفل.
تنفيذ مشروع “كنز نجوم للأمان” لم يكن ذلك ممكنًا لولا الدعم الذي قدّمته مؤسسة “جوينت“، وهي أكبر منظمة يهودية إنسانيّة في العالم، تضع ضمن أهدافها تطوير المؤسسات العامّة ودعم الحراك الاجتماعي والاقتصادي، بالإضافة إلى أهدافٍ إنسانيّة أخرى متنوعة.
“بعد الحرب، ازدادت الحاجة إلى أنشطة التطوّع التي تقودها منظمات المجتمع المدنيّ لتوصيل المساعدات وتقديم الدعم النفسيّ للجمهور. وقد شهدنا ذلك بشكلٍ ملحوظ لدى المجتمع اليهودي.” يقول سعيد ذيابات، مدير مشاريع المجتمع العربي في جوينت، ويضيف: “ورغم أنّ منظمات المجتمع العربي كانت ترغب في مساعدة مجتمعها الذي تضرّر بشكلٍ كبير من الحرب، وتمتلك الطاقات اللازمة لذلك، إلّا أنّها واجهت عقبات بيروقراطية للحصول على الدعم الحكومي والمالي، بالإضافة إلى صعوبات في التخطيط في أوقات الطوارئ، لأنّ العديد منها يعمل ضمن أُطر محدّدة بعيدة عن الخدمات الصحيّة والنفسيّة”.
هنا، رأت “جوينت” وجود حاجة ملحّة لدعم هذه المنظمات، فعملت على تنظيم ورشات مع 40 مندوب من منظمات المجتمع العربي، قدمت من خلالها المعلومات والخبرات اللازمة للتخطيط في ظلّ حالة الطوارئ، والإدارة الماليّة الفعّالة، وبناء تعاون مع القطاع التجاريّ، وتسويق الخدمات للجمهور.
“بعد اختتام هذه اللقاءات، تمّ إصدار كرّاسة لتلخيص المحاضرات، قررنا في “جوينت” تقديم دعم ماليّ مباشر لأربع منظمات وضعت خطّة فعّالة لمشاريع تعمل على زيادة الحصانة في المجتمع العربيّ في ظلّ الحرب، وتعزيز المبادرة الاجتماعية لإيجاد حلول للمشاكل التي خلقتها الأوضاع الراهنة” يقول سعيد ذيابات.
بالإضافة إلى مشروع كتاب “كنز نجّوم للأمان”، الهادف لمساعدة الطفل في السيطرة على “جوقة” مشاعره الصعبة، قدّمت “جوينت” دعمًا لمؤسسة “مواطنون يبنون مجتمع”، من أجل تأسيس جوقة موسيقية في اللد بين طلّابٍ عرب ويهود في الصفّ الرابع، للتدرّب على أغاني عربية وعبرية ينشدونها معًا لتعزيز الانتماء والتعايش المشترك في مدينتهم المختلطة. “دعم وتمكين الحياة المشتركة في المدن المختلطة أمر في غاية الأهمية مؤسسة جوينت وشرط أساسي لبناء مستقبل واعد للعرب واليهود في هذه البلاد” يقول الأستاذ امين الجمل مدير جمعية “مواطنون يبنون المجتمع” من اللد.
ولأنّ من بين أهمّ أهداف جوينت تعزيز الاستقرار الماليّ للعائلات، تم تمويل مشروع للتربية الاقتصادية بإدارة المنتدى الاقتصادي العربي، الذي بدوره أطلق سلسلة من المحاضرات والورشات في موضوع إدارة اقتصاد العائلة والتخطيط المالي للعائلات. قدّم المشروع أربع ورشات تعليمية لأكثر من 100 عائلة في المجتمع العربي، تهدف إلى مساعدتهم على التخطيط المالي الصحيّ في فترة الطوارئ، لتمكينهم من إدارة ميزانيتهم المالية دون ديونٍ أو قروض غير ضرورية. إضافة إلى ذلك، يهدف المشروع إلى غرس قيم التثقيف المالي لدى الأسر، مع التركيز على سوق رأس المال والمصارف والاستهلاك الشخصي. يساعد هذا على تحسين فهم المستهلكين للمنتجات المالية والمبادئ الاقتصادية، ومنحهم المهارات والثقة بالنفس لاتخاذ قرارات مستنيرة، مما يشجع على المسؤولية الشخصية في إدارة الأمور المالية.
أخيرًا، جاء المشروع الرابع، من جمعية “الفجر الجديد” في النقب، مواكبًا لرؤية “جوينت” بأنّ الحصانة النفسية الفردية والعائلية شرط أساسي لمواجهة التحديات والصعوبات في الأوقات الصعبة كالتي نعيشها في الأشهر الأخيرة. ومن هذا المُنطلق تم تقديم الدعم المالي لإقامة دورة تأهيلية للمعالجين النفسيين والعاملين الاجتماعيين من أبناء المجتمع البدويّ، لمساعدتهم على تطوير آليات تدعم العائلات المتضرّرة من الحرب نفسيًا واقتصاديًا، بما يلائم خصوصيّات المجتمع البدويّ وثقافته.
تقوم منظمة الجوينت بتطوير الحلول المجتمعية في مجالات متنوعة مثل: الشيخوخة المثلى، والحراك الاجتماعي الاقتصادي، تطوير المنظمات العامة وتحسين عملها، وتعزيز العيش المستقل للأشخاص ذوي الإعاقة، والعمل على رفع الإنتاجية في سوق العمل والمزيد., تعمل منظمة الجوينت بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والسلطات المحلية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع التجاريّ. في الاوضاع العادية، يستفيد أكثر من مليون مواطن اسرائيلي كل أسبوع من الخدمات الاجتماعية التي طورتها منظمة الجوينت، وابتداء من 7 أكتوبر، قام الجوينت بنشر مجموعة متنوعة من خدمات الطوارئ لإنقاذ الأرواح ومساعدة عشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين أجبروا على العيش في واقع جديد وصعب.
وعن أهمية دعم المشاريع في المجتمع العربي يؤكد سعيد ذيابات أنه “لا يمكن بناء أي حصانة مجتمعية حقيقية على مستوى المجتمع ككل بدون دعم وتمكين المؤسسات والجمعيات العربية لتقوم بدورها على أكمل وجه, ولتكون جزءا من أي حل او برنامج يهدف لتحسين أوضاع مجتمعنا العربي خاصة في ظل تداعيات والتحديات التي تجلبها الحرب الحالية”
عن دور مؤسسات المجتمع المدني في اوقات الطوارئ يمكنكم قراءة تلخيص المحاضرات لمنظمات المجتمع المدني التي أقامتها مؤسسة “جوينت” في الرابط التالي:
لمعلومات أخرى عن مشاريع منظمة الجوينت وللتواصل معنا بامكانكم تصفح موقعنا: thejoint.org.il
صفحتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/joint.israel
