كان للحرب المستمرة تأثيرات واسعة على الاقتصاد الإسرائيلي، حيث تأثرت معظم القطاعات بشكل ملحوظ. ووفقًا لتقارير صادرة عن “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية”، يعاني العرب من آثار اقتصادية شديدة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 6٪ من الرجال العرب، ما يقارب 22 ألف منهم، قد خرجوا من سوق العمل منذ بداية الحرب. وهذا يمثل انخفاضًا في معدلات التوظيف من 78٪ إلى 72٪، وهو انخفاض مثير للقلق، خاصة أن المجتمع العربي يعاني بالفعل من أوضاع اجتماعية واقتصادية هشة.
العوامل المؤثرة في فقدان العمال العرب عملهم
هناك عدّة عوامل ساهمت في هذا التراجع في عدد العمال العرب في سوق العمل، من بينها تركز العمال العرب في قطاعات العمل اليدوي مثل البناء، الذي تجمّد نشاطه بشكل كبير بسبب الحرب. بالإضافة إلى ذلك، تجنّب العديد من أصحاب العمل اليهود توظيف العمال العرب خلال الحرب الحالية، ما ساهم في تفاقم الأزمة.
ويوضح الباحث ياردين كيدار، أحد المشاركين في إعداد التقارير، أنّ العمال العرب يتأثّرون بشكل أكبر خلال الأزمات، كونهم يتمتعون “بمستويات تعليم أقل نسبيًا مقارنة بباقي السكان”، ويعود ذلك أيضًا إلى طبيعة الأعمال التي يعملون بها والتي تتأثّر بسرعة بالتقلّبات الاقتصادية. على سبيل المثال، خلال أزمة جائحة كورونا، شهد العمّال العرب تراجعًا مشابهًا في فرص التوظيف، وهو ما يتكرّر الآن مع الحرب.
خسائر اقتصادية كبيرة من خدمة جنود الاحتياط
في المقابل، أدى الارتفاع في أعداد الجنود الاحتياطيين إلى خسائر ضخمة في الاقتصاد الإسرائيلي. فقد وصل عدد ساعات العمل المفقودة إلى حوالي 1.16 مليون ساعة شهريًا، مما يعادل 1٪ من إجمالي ساعات العمل في الاقتصاد. وتُقدّر الخسائر المالية الناتجة عن ذلك بحوالي 700 مليون شيكل شهريًا، ما يعادل نحو 8 مليارات شيكل سنويًا.
خدمة الاحتياط أثرت بشكل خاص على فئة الموظفين المستقلين وأصحاب المشاريع والأعمال الصغيرة، وهم من الفئات الأكثر تضررًا من الانقطاع عن العمل. فقد ارتفع معدل غياب المستقلين عن عملهم من نسبة ضئيلة تبلغ 0.05٪ قبل الحرب إلى 2.8٪ بعد اندلاعها، أي ما يعادل حوالي 14,000 عامل مستقل يغيبون عن أعمالهم شهريًا. ويمثل هذا تحوّلًا كبيرًا، حيث لا تتمتّع هذه الفئة بالحماية ذاتها التي يتمتع بها الموظفون؛ ففي حين يمنع القانون فصل الموظفين أثناء فترة خدمتهم الاحتياطية، لا توجد حماية مشابهة للعمال المستقلين، فالقانون لا يمنع زبائنهم من استبدالهم أثناء خدمتهم الاحتياطية، أو البحث عن مزودين آخرين للسلع والخدمات أكثر توفرًا، ما يجعلهم إحدى أكثر الفئات المعرضة لفقدان الاستقرار المالي.
الإحصائيات المتعلقة بالقطاعات المختلفة
من بين القطاعات الأكثر تضررًا، شهدت قطاعات الفنون، الترفيه، والضيافة، والمطاعم، والبناء أكبر نسبة فقدان لساعات العمل. في ذروة الحرب في أكتوبر 2023، غاب حوالي 14٪ من العمال في هذه القطاعات عن وظائفهم. كما عانى قطاع التكنولوجيا من انخفاض بنسبة 7٪ في ساعات العمل. وبحلول منتصف عام 2024، شهد الاقتصاد الإسرائيلي تحسنًا طفيفًا، ولكن لا يزال قطاع الضيافة والخدمات الغذائية يعاني من معدلات غياب مرتفعة نسبيًا، وصلت إلى حوالي 2.2٪.
في المقابل، تأثر القطاع العام بشكل أقل نسبيًا، حيث فقد فقط 0.8٪ من ساعات العمل نتيجة خدمة الاحتياط. وبالمثل، شهد قطاع التجارة تضررًا بسيطًا، حيث فقد 1.7٪ فقط من ساعات العمل خلال نفس الفترة.
واقع المرأة العربية في سوق العمل
بالرغم من التأثيرات السلبية الكبيرة على الرجال العرب، كانت النساء العربيات أكثر صمودًا. فقد عادت معدلات توظيف النساء العربيات إلى مستويات ما قبل الحرب، ما يشير إلى استقرار نسبي في وظائفهن خلال الحرب. ومع ذلك، فإن استمرار التحديات الاقتصادية في السوق قد يؤثر على فرصهن المستقبلية، خاصة في القطاعات التي تواجه عدم استقرار طويل الأمد.
بالمجمل، تُظهر هذه الإحصائيات كيف أن الحروب لا تؤثر فقط على الأوضاع الأمنية والسياسية، بل تُحدث أيضًا تأثيرات عميقة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية، خاصة على الفئات الأكثر هشاشة، مثل العمال العرب والموظفين المستقلين.
مقالات ذات صلة: زيادة كبيرة في عدد وظائف الهايتك في البلاد يرافقها انخفاض في الأجور