شهدت أسعار المواد الغذائية في إسرائيل زيادة غير مسبوقة بنسبة 30% خلال السنوات الخمس الماضية، وذلك تحت تأثير جائحة كورونا، الاضطرابات السياسية التي تشمل محاولات تعديل النظام القضائي، والحرب في الجنوب والشمال. هذه الزيادات أثقلت كاهل الأسر الإسرائيلية، حيث أدت إلى إضافة تكلفة سنوية تقدر بحوالي 10,000 شيكل لكل أسرة. يعود هذا الارتفاع الجنوني إلى احتكار سوق المواد الغذائية بواسطة قليل من الشركات، وضعف استجابة الحكومة لمواجهة هذه الظاهرة المتنامية.
بات الشعور بارتفاع تكلفة سلة التسوق في كل زيارة إلى السوبرماركت أمرًا ملموسًا لدى جميع الأسر. ورغم تقليل عدد المنتجات التي يتم شراؤها أو التخلي عن شراء العلامات التجارية الفاخرة، فإن التكلفة الإجمالية لا تزال ترتفع بشكل ملحوظ. من خلال تحقيق أجرته صحيفة “كلكلست”، تبين أن أسعار السلع في السوبرماركت ارتفعت بنسبة تتجاوز 30% منذ عام 2019. في بعض الحالات، زادت أسعار بعض المنتجات بنسبة ثلاثية، وأحيانًا زادت الأسعار بعشرات الشواكل لمنتج واحد فقط.
الإحصائيات: ارتفاع حاد في تكلفة السلع
وفقًا لبيانات موقع “פרייסז”، الذي يتابع أسعار السلع في إسرائيل، فقد ارتفعت تكلفة سلة تسوق أسبوعية تضم 50 منتجًا من 10 فئات مختلفة مثل منتجات الألبان، الأغذية الجافة، اللحوم، الدواجن، المجمدات، الخضار والفواكه، المشروبات، الحلويات، منتجات النظافة، ومنتجات التنظيف، من 636.2 شيكل في سبتمبر 2019 إلى 830.5 شيكل في عام 2023. أي بزيادة قدرها 30.5% في غضون خمس سنوات. إذا ما تم احتساب هذه الزيادة على أساس سنوي، فإن الأسرة الواحدة تدفع الآن ما يقارب 10,000 شيكل إضافية سنوياً مقارنة بما كانت تدفعه قبل خمس سنوات.
استغلال الشركات الكبرى وضعف الحكومة
شهد قطاع الأغذية في إسرائيل في السنوات الأخيرة هيمنة واضحة من قبل عدد قليل من الشركات الكبرى التي استطاعت رفع الأسعار بشكل متواصل، مستغلة ضعف الحكومة. هذه الظاهرة تعود بجزء كبير منها إلى فترة جائحة كورونا التي أحدثت تحولًا جذريًا في طريقة استهلاك الأسر الإسرائيلية. مع إغلاق المدارس وتحويل أماكن العمل إلى العمل عن بُعد، ارتفع الطلب على المواد الغذائية بشكل كبير.
أثناء فترات الإغلاق، أصبحت متاجر السوبرماركت والشركات الموردة للمواد الغذائية اللاعب الرئيسي في تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين، حيث اضطرت الحكومة إلى تصنيف هذه المتاجر كجزء من قطاع الطوارئ. كما أدى إغلاق المطاعم والفنادق إلى تقليص الخيارات المتاحة للمستهلكين، ما جعلهم يعتمدون بشكل رئيسي على شراء الطعام للاستهلاك المنزلي. هذا الوضع جعل الأسعار ترتفع بشكل ملحوظ، حيث اضطرت العديد من الأسر إلى دفع مبالغ أكبر مقابل نفس المنتجات التي كانت متوفرة بأسعار أقل في السنوات السابقة.
مع انتقال أغلب المعاملات إلى التسوق عبر الإنترنت، وخاصة من خلال شبكة شوفرسال التي احتكرت ذلك، شهد القطاع نموًا في الإيرادات بنسبة 9.2% في عام 2020، حيث وصلت مبيعات السوق إلى 51.8 مليار شيكل. لكن مع عودة الحياة إلى طبيعتها بشكل تدريجي في عام 2021، اتجهت الشركات الكبرى مثل شتراوس إلى رفع الأسعار تحت ذريعة زيادة تكاليف المواد الخام والشحن.
استغلال الثغرات القانونية واستمرار الزيادات
على الرغم من الضغوط الحكومية في بداية عام 2022، استمرت الشركات الكبرى في رفع الأسعار، مستغلة احتكار السوق وضعف التنظيم الحكومي. وفقًا لتقرير “סטורנקסט”، فإن 60.8% من مبيعات السوق الغذائية في إسرائيل تسيطر عليها 20 شركة فقط، في حين أن أكبر 10 شركات تستحوذ على 49.5% من هذه المبيعات. ومن بين هذه الشركات الكبرى، تسيطر تنوفا وشتراوس وحدهما على 21.1% من السوق.
بالإضافة إلى ذلك، أدت القرارات الحكومية مثل فرض ضريبة جديدة على المشروبات المحلاة والأدوات البلاستيكية في يناير 2022 إلى زيادة الأسعار بشكل أكبر في هذه الفئات. وحتى بعد إلغاء هذه الضرائب لاحقاً، لم تعُد الأسعار إلى مستوياتها السابقة، بل استمرت بالارتفاع بسبب هيمنة الشركات الكبرى التي رفعت الأسعار من جديد.
وعلى الرغم من تعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال حملته الانتخابية بخفض أسعار المواد الغذائية، لم تنجح الحكومة في تفعيل أي آلية فعالة لضبط الأسعار. بدلاً من ذلك، استمرت الشركات الكبرى في زيادة الأسعار بشكل منتظم. وحتى بعد التدخلات الرمزية مثل إطلاق العلامة التجارية الفرنسية “كارفور” في السوق الإسرائيلي، لم تشهد الأسعار أي انخفاض ملحوظ.
دور المستهلك في مواجهة الأسعار المرتفعة
مع ضعف التدخلات الحكومية وزيادة تركّز السوق، يبرز دور المستهلك في مواجهة هذه الزيادات. في حين أن القوى الكبيرة من الشركات الكبرى تسيطر على السوق، إلا أن التجارب السابقة مثل احتجاجات عام 2011 أظهرت أن المستهلكين قادرون على التأثير في الأسعار من خلال تنظيم حملات مقاطعة المنتجات باهظة الثمن أو تقليل الاستهلاك.
وفقًا لبيانات من عام 2013، أدى رد الفعل الشعبي ضد ارتفاع الأسعار إلى انخفاض المبيعات بنسبة 1%، ما دفع الشركات إلى إعادة التفكير في استراتيجيات التسعير الخاصة بها.
المصدر: كالكاليست