بعد أن قتل الجيش الإسرائيلي قائد حركة حماس يحيى السنوار، أُعيد إلى الواجهة النقاش حول تفاصيل “اليوم التالي” في قطاع غزة، وما يحمله من سيناريوهات. ورغم استمرار احتجاز أكثر من 100 أسير داخل القطاع، تبقى مسألة إنهاء الحرب عبر صفقة أسرى غير مطروحة بشكل جدي في الوقت الحالي، حيث يبدو أنّ بنيامين نتنياهو غير مستعجل لإنهاء الحرب بعد، منتظرًا، ربّما، أن تصله بشرى سارة قاطعةً المحيط الأطلسي، بفوز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية بعد أسبوعين.
رهانات نتنياهو على الانتخابات الأمريكية
نتنياهو يتمنى فوز دونالد ترامب في الانتخابات، معتقدًا أن ذلك سيمنحه حرية أكبر في إدارة الحرب. الخطط التي قد يدفع بها نتنياهو تشمل ما يسمى “خطة الجنرالات”، التي تتضمن إخلاء السكان المدنيين من شمال قطاع غزة وفرض حصار عليه (وهو ما يحدث حاليًا في مناطق مثل جباليا وبيت لاهيا)، أو حتى ضم أجزاء من القطاع وإنشاء مستوطنات. كما يأمل في الحصول على دعم لضرب المنشآت النووية الإيرانية.
وقد لا يكون ترمب بالضرورة مشاركًا في هذه الطموحات ذات الخلفية “المسيانية”، إذ إنّ حملته الانتخابية توحي بأنه ليس متحمسًا للمغامرات العسكرية في الشرق الأوسط، مفضلًا إبرام اتفاقات سريعة لتحقيق الهدوء. أما في حال فوز المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، فمن المحتمل أن يجد نتنياهو نفسه مضطرًا لإعادة حساباته، خاصة أن الإدارة الديمقراطية الجديدة حينها، بقيادة هاريس الأكثر حزمًا من بايدن، ستعارض استمرار السيطرة الإسرائيلية على غزة أو السياسات غير الإنسانية.
لكن، إلى أن تنتهي الانتخابات الأمريكية، من المتوقع أن يستمر الجيش الإسرائيلي في عملياته بدون تغيير جوهري، مع تنفيذ ضربات عسكرية متقطعة، وإدخال حد أدنى من المساعدات الإنسانيّة، ما يزيد من ويلات الحرب على سكّان القطاع.
سيناريوهات “اليوم التالي”: سلطة فلسطينية أم أعباء اقتصادية؟
ظهرت بوادر خطط محتملة من قبل الديمقراطيين نهاية الأسبوع الماضي أعلن عنها الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان في مقاله في نيويورك تايمز، تتمثل هذه الخطط في أن “تغض إسرائيل الطرف” عن إدخال عناصر السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة لإدارته، وأنّ يتمّ إعادة ترويج حلّ الدولتين، في مقابل توقيع اتفاق سلام مع السعودية.
لكن “اليوم التالي” في غزة ليس مجرد قضية أمنية أو سياسية، بل هو مسألة اقتصادية ثقيلة الوزن كذلك. قبل أسبوعين، عقد نتنياهو اجتماعًا ناقش فيه إمكانية تولي الجيش الإسرائيلي مسؤولية توزيع المساعدات الإنسانية في غزة، بناءً على طلب الوزيرين بن غفير وسموتريتش. لكن وزارة الدفاع الإسرائيلية تعارض الفكرة، لأنها قد تؤدي إلى توقف التعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى، بالإضافة إلى التكاليف الهائلة التي ستتحملها إسرائيل. شراء الغذاء فقط سيكلف حوالي 5.4 مليار شيكل سنويًا، ناهيك عن التكاليف المرتبطة بالإمدادات الطبية، الوقود، والمساعدات الإنسانية الأخرى.
مقالات ذات صلة: الجيش الإسرائيلي يرفع توقعاته لتكاليف الحرب حتّى 150 مليار شيكل
سيطرة كاملة على القطاع، كما يطمح إليها اليمين المتطرف في الحكومة، ستؤدي إلى تكاليف أكبر. وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت حذر قبل خمسة أشهر من أن فرض حكم عسكري على غزة سيشكل تهديدًا خطيرًا لإسرائيل، لأنه سيحولها إلى عبء رئيسي على الجيش الإسرائيلي على حساب التحديات الأمنية الأخرى في المناطق القريبة والبعيدة. غالانت أضاف أن هذا الخيار سيكلف دماء كثيرة بدون هدف واضح، وسيتسبب في أعباء اقتصادية ضخمة.
التقارير الرسمية التي نُشرت حول ذلك تتوقع أن تكلفة بقاء الجيش الإسرائيلي في غزة ستصل إلى نحو 20 مليار شيكل سنويًا. بالإضافة إلى ذلك، سيكون هناك حاجة إلى تشكيل خمس فرق عسكرية جديدة تُضاف إلى الفرق الـ12 الموجودة حاليًا، ما سيؤدي إلى ضرورة تمديد فترة الخدمة العسكرية الإلزامية إلى أربع سنوات وزيادة أيام الاحتياط.
كذلك، إذا وجدت إسرائيل نفسها المسؤولة الوحيدة عن غزة، ستتحمل أيضاً مسؤولية إعادة إعمار البنية التحتية والاقتصاد المدمرين في القطاع، وهو مشروع قد تصل تكلفته إلى مئات المليارات من الشواكل.
ومع استمرار التصعيد العسكري على الجبهة الشمالية والتوترات الإقليمية مع إيران، يبقى مستقبل غزة والقضية الفلسطينية مرهونًا بتطورات سياسية واقتصادية سواء في إسرائيل أو الولايات المتحدة، دون أن تأخذ أيٌّ من هاتين الدولتين رأي الفلسطينيين أنفسهم في تقرير مصيرهم ومستقبلهم.