في خطوة تعكس استمرار استراتيجية التقشف التي تتبعها “إنتل”، أعلنت الشركة عن إغلاق نشاط “غرانيوليت” (Granulate)، الشركة الإسرائيلية الناشئة التي استحوذت عليها في عام 2022 بمبلغ 650 مليون دولار. “غرانيوليت” كانت متخصصة في تحسين أداء البنية التحتية للحوسبة، وتُستخدم منتجاتها من قِبَل المؤسسات لزيادة كفاءة الخوادم وخفض التكاليف التشغيلية. قرار الإغلاق أدى إلى تسريح عشرات الموظفين في إسرائيل، وهو جزء من خطة أوسع للشركة العالمية لخفض التكاليف بشكل كبير.
تأثيرات الإغلاق على إسرائيل
إسرائيل تُعَدّ مركزاً هاماً لأنشطة “إنتل”، وتوظف الشركة فيها حوالي 11,700 موظف، ما يجعلها أكبر جهة توظيف خاصة في الدولة. كما تسهم “إنتل” بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل، وتبلغ قيمة صادراتها التكنولوجية حوالي 9 مليارات دولار سنوياً. إلى جانب ذلك، تستفيد حوالي 42 ألف وظيفة بشكل غير مباشر من أنشطة “إنتل” في إسرائيل.
تعتبر مراكز تطوير “إنتل” في حيفا، بيتح تكفا، والقدس، من المراكز الحيوية التي تشمل ما يقارب 7,000 من المهندسين والعاملين في مجال التكنولوجيا، ومن المتوقع أن يكون هؤلاء الأشد تأثرًا من خطّة التسريح. الإضافة إلى ذلك، توجد مصانع إنتاج كبيرة في كريات غات، حيث توظف “إنتل” 4000 من العاملين الآخرين الذين سيتأثرون بذلك أيضًا. وفقاً للتقديرات، من المتوقع تسريح مئات الموظفين من هذه المواقع خلال الأشهر القادمة، بعد أن قبل مئات آخرون برنامج الاستقالة الطوعية.
تفاصيل خطة إنتل لتقليص التكاليف
تسعى “إنتل” إلى خفض تكاليفها العالمية بمقدار 10 مليارات دولار، وتشمل الخطة تسريح 15% من موظفيها، وهو ما يعادل حوالي 18 ألف موظف على مستوى العالم. وذكرت صحيفة “غلوبس”، أن مئات العمال في مراكز تطوير “إنتل” في إسرائيل قد تلقوا إخطارات بالتسريح بالفعل. وتشير التقديرات إلى أن أكبر عملية تسريح ستحدث في الولايات المتحدة، حيث من المتوقع أن تبدأ عمليات التسريح الفعلية في 15 نوفمبر، بعد انتهاء فترة الإشعار المسبق للموظفين.
في محاولة لتقليل التأثيرات الاقتصادية على العمال، وافق مئات الموظفين على برنامج الاستقالة الطوعية الذي أطلقته الشركة، والذي ساهم في تخفيف الأثر المباشر لعمليات التسريح. ومع ذلك، لا تزال حالة عدم اليقين تسيطر على الموظفين والمديرين، حيث أشار أحد الموظفين إلى أن: “سيف التسريح يستهدف الجميع، ولا أحد لديه أي فكرة عن عدد الفرق التي ستبقى أو تغادر“.
تأثير المنافسة وتحديات إنتل في السوق
تشهد “إنتل” منافسة شديدة في سوق أشباه الموصلات، خصوصاً مع الشركات الأمريكية المنافسة مثل “إيه إم دي” و”نفيديا”، بالإضافة إلى الشركة التايوانية “تي إس إم سي”. هذه الشركات تستفيد من الطلب المتزايد على الرقائق المستخدمة في الذكاء الاصطناعي، خاصةً بعد إطلاق “شات جي بي تي” من قبل “أوبن إيه آي” في نهاية عام 2022.
وفي الربع الثاني من هذا العام، سجلت “إنتل” خسارة صافية بلغت 1.6 مليار دولار، مقارنةً بأرباح قدرها 1.5 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي. كما أدى التباطؤ في إنتاج مكونات الذكاء الاصطناعي إلى تراجع أداء الشركة، ما دفعها إلى تقليص إنفاقها الرأسمالي بنسبة 20% ليصل إلى ما بين 25 و27 مليار دولار للعام بأكمله.
تجميد خطط التوسع في كريات غات
إلى جانب عمليات التسريح، أعلنت “إنتل” في يونيو الماضي عن تجميد خطط بناء مصنع جديد في كريات غات. كان المشروع، الذي أعلن عنه في ديسمبر الماضي، يتضمن استثمارًا قدره 25 مليار دولار. وكان من المتوقع أن تحصل “إنتل” على حوافز حكومية إسرائيلية بقيمة 3.2 مليارات شيكل، مقابل التزامها بشراء منتجات وخدمات بقيمة 60 مليار شيكل من الموردين الإسرائيليين خلال العقد المقبل.
مقالات ذات صلة: إنتل تُجمّد استثمارات بقيمة 25 مليار دولار لتوسعة مصانعها في إسرائيل
هذه الخطوة تعتبر ضربة كبيرة للاقتصاد الإسرائيلي، حيث كانت الحكومة تراهن على هذا المشروع لدعم نمو قطاع التكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة. كما أن التخفيضات الأخيرة تثير تساؤلات حول مستقبل صناعة التكنولوجيا الفائقة “الهايتك” في إسرائيل، لا سيما أن “إنتل” تعتبر لاعبًا رئيسيًا في هذا القطاع منذ أكثر من 50 عاماً.
مستقبل صناعة التكنولوجيا في إسرائيل
تأثيرات قرارات “إنتل” على الاقتصاد الإسرائيلي ليست فقط على مستوى الوظائف المباشرة، بل أيضاً على مجموعة واسعة من الشركات المحلية التي تستفيد من أنشطة الشركة. ففي عام 2022، اشترت “إنتل” منتجات وخدمات من الموردين المحليين بقيمة 3.5 مليارات دولار، ما يجعلها واحدة من أكبر المستثمرين في الاقتصاد الإسرائيلي.
مع ذلك، فإن الأزمة الحالية التي تمر بها “إنتل” تعكس أزمة أعمق في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، الذي يواجه تحديات عدة في ظل التغيرات السريعة في السوق العالمي للرقائق وأشباه الموصلات. ومن المتوقع أن تكون هناك آثار طويلة المدى على هذا القطاع إذا استمرت “إنتل” في تقليص نشاطها في إسرائيل.
مقالات ذات صلة: مصائب إنتل هي مصائب إسرائيل أيضًا | التأثير العميق لإنتل في الاقتصاد الإسرائيلي