يتزايد قلق الاقتصاديين في الولايات المتحدة وحول العالم من السياسات الاقتصادية التي يقترحها دونالد ترمب، الذي يسعى للعودة إلى البيت الأبيض. وبينما يملك ترمب ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس خطط إنفاق ضخمة لتعزيز النمو الاقتصادي، فإن مقترحات ترامب تحديدًا تثير مخاوف كبيرة، حيث يتوقع الخبراء أن تؤدي إلى عودة التضخم وارتفاع الأسعار، ما قد ينعكس سلباً على الاقتصادين الأميركي والعالمي.
بعد جهود مضنية استمرت لعامين ونصف تقريبًا، نجحت الولايات المتحدة في خفض معدلات التضخم باستخدام سياسات نقدية مشددة، عبر رفع أسعار الفائدة وتحسين سلاسل التوريد، ما أتاح تدفق العمالة والاستقرار في الأسواق. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقررة بعد أقل من أسبوع، فإن السياسات الاقتصادية التي قد يعتمدها الرئيس القادم، سواء كانت من ترامب أو هاريس، قد تغير هذا التوازن. وبينما يخطط كلا المرشحين لتعزيز النمو، يتخوف الخبراء من أن سياسات ترامب بالتحديد قد تؤدي إلى تصاعد التضخم من جديد، ما يهدد المكاسب التي حققتها الولايات المتحدة في هذا المجال.
تشمل سياسات ترامب المقترحة فرض تعريفات جمركية واسعة النطاق على السلع المستوردة، وترحيل العمال المهاجرين، ما قد يؤدي إلى نقص في سوق العمل، إضافة إلى محاولة الضغط على بنك الاحتياط الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة. ويرى الاقتصادي بريان ريدل أن هذه السياسات مجتمعة من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع التضخم في عام 2025، ما يزيد من المخاوف بشأن استقرار الاقتصاد الأميركي في المستقبل.
يتفق خبراء الاقتصاد على أن المستهلكين الأميركيين سيتحملون العبء الأكبر من التعريفات الجمركية الجديدة التي ينوي ترامب فرضها، والتي تشمل تعريفة بنسبة 10% على الواردات من مختلف دول العالم، إلى جانب رسوم إضافية على الواردات الصينية تصل إلى 60%. هذه الإجراءات قد تزيد من تكلفة المنتجات الاستهلاكية داخل الولايات المتحدة، حيث ستضطر الشركات إلى تمرير هذه التكاليف الإضافية للمستهلكين. ومع ذلك، يرى بعض مستشاري ترامب أن هذه التعريفات لن تكون تضخمية، مدعين أنها ستُستخدم كأداة ضغط في المفاوضات التجارية.
تشكل ولاية ترامب الثانية، في حال فوزه، تهديداً مباشراً لاستقلالية بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، الذي يعد من ركائز الاستقرار الاقتصادي في الولايات المتحدة. فعلى الرغم من أن البنك المركزي يعمل باستقلالية لاتخاذ قراراته بناءً على البيانات الاقتصادية فقط بعيداً عن الضغوط السياسية، فإن ترامب يعبر بوضوح عن رغبته في التأثير على قرارات البنك. وقد أبدى عداءً علنياً لرئيس البنك جيروم باول، الذي اتهمه بالتحيز السياسي رغم أنّه هو من قام بتعيينه، ما شأنه أن يقوض استقرار الأسواق المالية، حيث يعتمد المستثمرون في توجهاتهم الاستثمارية على قرارات البنك المركزي. وسيودي تسييس قرارات الاحتياطي الفيدرالي إلى جعل المستثمرين يعيدون تقييم توقعاتهم بشأن السياسات النقدية المستقبلية.
يتجاوز القلق من سياسات ترامب الحدود الأميركية ليصل إلى قادة دول وأسواق عديدة، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة التقليديون. يسارع هؤلاء القادة حاليًا لبناء جدران حماية لمواجهة تداعيات السياسات التجارية التي ينوي ترامب تبنيها، والتي تشمل تعريفات جمركية شاملة قد تشعل حربًا تجارية عالمية أعمق من تلك التي شهدها العالم خلال رئاسة ترامب الأولى. ويتخوف المراقبون من أن تؤدي هذه السياسات إلى موجة من الردود الانتقامية التي قد تتسبب في تباطؤ التجارة العالمية وارتفاع أسعار السلع.
يرى بعض المحللين أن ولاية ثانية لترامب قد تؤدي إلى تراجع موقع الولايات المتحدة كقوة اقتصادية عظمى، حيث يمكن أن تؤدي سياساته إلى ارتفاع الديون العامة بشكل كبير، وتهديد التجارة العالمية، والتأثير سلبًا على المنظمات التي تشرف على القوانين الاقتصادية والتجارية الدولية مثل منظمة التجارة العالمية. وقد يتسبب فوزه أيضاً في تآكل المعايير الموثوق بها في السياسة الاقتصادية الأميركية، وهو ما يهدد مكانة الدولار كعملة احتياط دولية.
مقالات ذات صلة: 23 من الفائزين بجائزة نوبل للاقتصاد يدعمون هاريس ويحذّرون من المخاطر الاقتصادية لفوز ترمب