تواجه إسرائيل ارتفاعًا غير مسبوق في الإنفاق العسكري، حيث من المتوقع أن تصل نسبة الإنفاق الدفاعي إلى 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، ما يجعلها في المرتبة الثانية بعد أوكرانيا في العالم الغربي من حيث نسبة الإنفاق الدفاعي. يُعتبر هذا الرقم تحولاً كبيرًا بعد عقود من الانخفاض، وسط تحليلات تؤكد أن هذا النمو في ميزانية الدفاع سيستمر حتى بعد انتهاء الحرب الحالية. ويُحذّر الخبراء من أن هذه الزيادة قد تترك آثارًا اقتصادية طويلة الأجل على الاقتصاد الإسرائيلي.
بلغت ميزانية الدفاع لعام 2025 حوالي 117 مليار شيكل، وهي زيادة قدرها 15 مليار شيكل عن الميزانية المبدئية المقترحة من وزارة المالية، وزيادة تُقدّر بـ 60 مليار شيكل عن ميزانيات السنين العادية. على الرغم من التشابه النسبي مع ميزانية هذا العام، إلا أن حجم الميزانية يبقى عاليًا وفقًا للمعايير الدولية، حيث تتفوق على إنفاقات عسكرية لدول كبرى مثل روسيا والولايات المتحدة، وتتجاوز معظم دول حلف شمال الأطلسي (الناتو).
مقارنة تاريخية: ارتفاع ملحوظ منذ عقود
عند النظر إلى البيانات التاريخية، يظهر أن هذا الإنفاق الدفاعي ليس سابقة، حيث وصلت نسبة الإنفاق العسكري بعد حرب 1967 إلى 19.7% من الناتج المحلي، وبعد حرب 1973، ارتفعت النسبة إلى ذروة بلغت 28.7%. منذ ذلك الحين، بدأت النسبة في الانخفاض تدريجيًا حتى وصلت قبل اندلاع الحرب الحالية إلى ما يقارب 4%.
الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي، البروفيسور استبان كلور، أشار في حديثه إلى موقع غلوبس إلى أن ارتفاع الإنفاق الدفاعي المستمر يضغط على الميزانية، حيث يجب على الحكومة أن توجه الموارد نحو قطاعات تدعم النمو الاقتصادي لتجنب تكرار “العقد الضائع” الذي حدث في السبعينيات نتيجة ارتفاع الإنفاق الدفاعي. وأوضح كلور: “إن الاستمرار في زيادة ميزانية الدفاع دون مراعاة النمو قد يضع الاقتصاد في مسار غير مستقر وخطر”.
الوضع العالمي: تأثير الحروب والنزاعات على الإنفاق الدفاعي
إلى جانب إسرائيل، تشهد أوكرانيا أيضًا إنفاقًا هائلًا على الدفاع، حيث من المتوقع أن تصل نسبة الإنفاق إلى 26.3% من ناتجها المحلي في العام القادم، مع دعم إضافي من الغرب. أما روسيا، فتخطط لميزانية دفاعية قياسية لعام 2025 تبلغ 13.5 تريليون روبل (حوالي 145 مليار دولار)، بزيادة قدرها 25% عن العام السابق، أي ما يعادل 6.3% من الناتج المحلي.
دول الناتو أيضًا زادت من إنفاقها الدفاعي تحت تأثير الصراع الروسي الأوكراني، حيث بلغ متوسط الإنفاق 2.71% من ناتجها المحلي، مع تصدر بولندا التي رفعت إنفاقها إلى حوالي 4.12%. لكن بريطانيا، على الرغم من التهديدات الأمنية، شهدت زيادة طفيفة فقط، حيث بلغت ميزانيتها الدفاعية 2.33% من الناتج المحلي.
من جهة أخرى، أثرت الصين بشكل كبير على السياسة الدفاعية للدول الكبرى، حيث بلغ إنفاقها الدفاعي لعام 2024 حوالي 1.66 تريليون يوان (231 مليار دولار)، بزيادة سنوية ثابتة منذ 2016. ودفعت هذه السياسات اليابان إلى مضاعفة إنفاقها الدفاعي ليصل إلى حوالي 1.6% من ناتجها المحلي، مع خطط للوصول إلى 2% بحلول 2027.
التحديات المقبلة على إسرائيل
إلى جانب الآثار الاقتصادية المباشرة، يؤثر الإنفاق الدفاعي في إسرائيل على قطاعات أخرى، حيث يُعطّل دخول الشباب إلى سوق العمل وتأخير التحصيل الأكاديمي نتيجة تمديد الخدمة العسكرية، فضلاً عن تحويل موارد من القطاع المدني إلى القطاع العسكري. ويُتوقع أن تكون هناك حاجة إلى زيادة الإنفاق الأمني بشكل مستمر لترميم القدرات الدفاعية، بميزانية إضافية تُقدّر بـ 10 مليارات شيكل سنويًا على مدى السنوات الثماني المقبلة.
يُشكّل حجم الإنفاق الدفاعي أحد العوامل المؤثرة على نسبة العجز المتوقعة في السنوات المقبلة. قبل الحرب الأخيرة، تم الاتفاق على خطة ميزانية متعددة السنوات لوزارة الدفاع، بهدف الوصول إلى نسبة 3% من الناتج المحلي على المدى الطويل. لكن في ظل التغيرات الحالية، يتوقع الخبراء أن يكون من الصعب تحقيق هذا الهدف، ما يجعل استمرار هذه الزيادة مصدرًا للقلق الاقتصادي.
مقالات ذات صلة: “اليوم التالي” في غزّة | حكم إسرائيلي للقطاع تكاليفه المالية باهظة أم إدارة فلسطينية ثمنها السلام مع السعودية؟