قبل أربع سنوات توجهت مجموعة من رجال وسيدات الأعمال العرب للمحامي أحمد مهنا، مؤسس ومدير عام جمعية “أمانينا”، لينضم لطاقم تأسيس مبادرة مجتمعية تهدف إلى تنظيم ومأسسة شبكة للمتبرعين العرب في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل. “لم أتردد في قبول العرض وأجلت، مرة أخرى، حلمي الشخصي القديم للعمل في مجال المحاماة، لأساهم في بناء ما أعتبره الآن مشروع حياتي، شبكة المتبرعين العرب – قدرة”.
يوم الاثنين القريب 11/11/2024، ستعقد شبكة “قدرة” مؤتمرها الأوّل، “وصلة” التقت بمدير عام “قدرة” المحامي والمبادر الاجتماعي أحمد مهنا للتعرّف على هذه المبادرة الاجتماعيّة الفريدة من نوعها التي توفّر بيتًا مهنيًا لرجال ونساء الأعمال العرب لتنظيم تبرعاتهم وتعزيز أثرها
أستاذ أحمد، نرى أنّكم في “قدرة” تنهون استعداداتكم لمؤتمركم الأوّل الأسبوع القادم، وهي مناسبة للتعرّف على مبادرتكم التي لا بدّ أن تهمّ رجال ونساء الأعمال في المجتمع العربيّ. عرّفنا بداية كيف تأسّست “قدرة”؟
بدأ مسار تأسيس قدرة – شبكة المتبرعين العرب في عام 2019 حيث التقت مجموعة من رجال ونساء الأعمال العرب من المتبرعين البارزين، من أجل التباحث في قضية التطوير الاستراتيجي للتبرّع في المجتمع العربي واحتياجاته. كان كلّ واحد وواحدة منهم يتبرّع لوحده وبشكل غير منظّم أو استراتيجي، وكانوا بطبيعة الحال مطّلعين على تجارب عطائية متطوّرة وملهمة في البلاد والعالم، من بينها بناء شبكات متبرعين، كما كانوا منكشفين على التجارب المختلفة لتنظيم مجال التبرعات بمجتمعنا، مثل إقامة صناديق، لم يُكتب لها النجاح في السابق. أدركت المجموعة أنّ الخطوة الأولى في ابتكار طرق عمل جديدة وتوجهات معاصرة لتنظيم مجال التبرعات، وليس بتأسيس صندوق خيري جديد يقدّم التبرعات بنفسه.
لماذا اتخذ مؤسّسو “قدرة” قرار عدم صندوق خيري، وهو النموذج المألوف في مجال الأعمال الخيرية؟
في عالم المبادرات الاجتماعية هناك نوعان من المبادرات، المبادرات القائمة على الحاجة، والمبادرات القائمة على الرؤيا. “الحاجة” لبناء صندوق خيري ليست متوفرة عندنا. لا يوجد طابور من المتبرعين الذين ينتظرون إقامة صندوق تبرعات خيرية، وليس هناك أي مُحفز اقتصادي يُشجع الناس على التبرع، كما هو الحال في الولايات المتحدة مثلا. “قدرة” كمبادرة قائمة على رؤيا تمكين مجتمعنا اجتماعيا واقتصاديا من خلال قدراتنا الذاتية، ولا يمكننا تحقيق هذه الرؤيا بدون العمل مع كلّ متبرع وتطوير رؤيته الذاتيّة لنفسه واستراتيجيته كمتبرّع. وبدون بناء الثقة مع جمهور المتبرعين، وبناء العلاقات والتعاون بينهم.
وهنا تطورت فكرة الشبكة؟
نعم، استلهم مؤسّسو قدرة فكرة تأسيس شبكة متبرعين من تجارب أخرى ناجحة حول العالم، عايشوها ورأوا تميّزها ونجاعتها عن قرب، في الشبكة يلتقي المتبرعون بشكل دوريّ، يخوضون تجربة مشتركة، يتعلمون معًا، يتعاونون معًا، يبنون لغة مشتركة، ويؤثرون معًا، وبنفس الوقت لكل واحد منهم مساره. لكنّهم أدركوا في وقت نفسها أنّ الشبكة غير معروفة في مجتمعنا كنوع من أنواع التنظيم المجتمعيّ، وأنّ بناءها كشبكة يحتاج إلى مراكمة معرفة وتجربة وجهد، وهذا بحدّ ذاته كان بالنسبة لي، حين بدأن عملي كمدير مؤسّس لشبكة “قدرة” تجربة تنظيميّة فريدة ومعلِّمة.
من كان أعضاء هذه المجموعة المؤسّسة؟
النواة الأولى للفكرة ضمت رجل الأعمال وليد العفيفي، المبادران ريم وعماد يونس، المحامي راني حاج يحيى، رجل الأعمال إبراهيم النصاصرة ورجل الأعمال عارف بشير. منهم ولدت الفكرة وما زالوا جميعًا حتّى اليوم يقدّمون من وقتهم ومعرفتهم ودعمهم لبناء وتطوير الشبكة وتعزيز دورها وبلورة رؤيتها، وتوسيعها حيث تضم الشبكة اليوم 56 عضوًا، غالبيتهم من رجال وسيدات الأعمال أبناء المجتمع العربي والقادرون مادًيا على التبرع وتقديم الدعم المادي للنشاطات الخيرية في المجتمع العربي. كما أنّنا نجحنا في تشكيل بنيّة تحتيّة تنظيميّة مبتكرة لتطوير مجال التبرعات حيث يجد اليوم كلّ متبرّع في مجتمعنا بيتًا مهنيًا يضمّه ويرافقه في تطوير استراتيجيات عطائه وأثره.
ما هي المعايير المطلوبة من المتبرعين وما هي آليات التبرع؟
عندما تم تأسيس الشبكة، كان المطلوب أن يلتزم كل متبرع ينتسب للشبكة بالتبرع بمبلغ 60 ألف شيكل لمؤسسات أو جمعيات أو مبادرات خيرية، يقوم هو باختيارها. شبكة “قُدرة” لا تحصل على هذه الأموال ولا تتدخل باختيار الجهة التي يختار عضو الشبكة التبرع لها. دورنا في هذا السياق يكون في مساعدة المُتبرع على إدارة سيرورة وآلية التبرع وعلى وكيفية بناء التعاونات بين الجهات المختلفة.
قبل سنة بعد بحث ودراسة قررنا تخفيض مبلغ الحد الأدنى للتبرع السنوي لـ 30 ألف شيكل فقط بهدف توسيع دائرة العضوية. المعادلة التي قررنا اعتمادها لتحديد هذا المبلغ هو أن يكون ثلاث أضعاف متوسط الدخل الشهري، وهو حوالي 10 آلاف شيكل.
وبالإضافة الى الالتزام بهذا المبلغ، على المتبرع الالتزام أيضًا بقيّم الشبكة وأهدافها وأن يكون ناشطًا في لقاءاتها، والتي تصل الى 5 لقاءات في السنة. في هذه اللقاءات يتم بناء علاقات التشبيك بين الأعضاء وتقديم المعلومات والأدوات الضرورية لفهم عالم المبادرات الاجتماعية والتبرعات وما شابه. ويتوجب على المُنتسب أيضا دفع رسوم عضوية بقيمة 5000 شيكل في السنة.
انطلقت هذه المبادرة منذ أربع سنوات تقريبا، والآن عدد أعضائها 56، الا تعتقد أن هذا العدد قليل نسبيا؟
قد يبدو قليلًا إن نظرت إليه بشكل مطلق، لكنّه رقم كبير نسبيًا. خذ مثلًا شبكة JFN للمتبرعين اليهود وهي شبكة مهمة عدد أعضائها 160 عضوًا ليس أكثر. كلّ عضو من أعضاء قدرة هو عالم بحدّ ذاته، إذ يمثّل عائلة وشركة وشبكة علاقات وطاقة كامنة هائلة للتأثير. على أي حال نحن حدّدنا طموحنا لأن تصل الدائرة الأولى للعطاء في قدرة، والقصد أعضاء الشبكة من المتبرعين إلى مئة عضو حتّى عام 2026، يشكلون دائرة قوية ومتينة، ويعتبرون النموذج والمثال الحي للفكرة، لكنّ طموحنا هو توسيع دوائر العطاء ودمج فئات واسعة من مجتمعنا فيها. خلال مؤتمرنا القريب سيتم عرض نتائج بحث جديدة عنوانه “الطاقة الكامنة في الطبقة الوسطى في المجتمع العربي”.
ما هي الأرقام والأعداد التي ترى أنّه يمكن للطبقة الوسطى أن تصل إليها كدائرة عطاء؟
بحساب بسيط، نُقدر أن حجم الطبقة الوسطى في مجتمعنا يصل إلى 124 الف شخص. نحن نريد الوصول إلى 10% من هذه الشريحة، لا ليصبحوا أعضاء في الشبكة، بل ليُساهموا في العطاء المنظم للمجتمع، ويتفاعلوا مع المبادرات العطائية والتعاونية المختلفة. نظريا، لو ساهم 10% من أبناء الطبقة الوسطى العربية بعشرة آلاف شيكل في السنة لمبادرات مجتمعية عربية، يعني نتحدث عن 124 مليون شيكل في السنة. توسيع دوائر العطاء المنظّم سيسهل علينا تجنيد مبالغ مماثلة من صناديق عالمية، أو من الحكومة وغيرها، من مبدأ الـ matching. هذه هي الأرقام التي نطمح إلى تحقيقها وهذه هي الطاقات الكامنة في مجتمعنا. عندما نبلغ هذه الأرقام وننجح في تجنيد هذه الموارد الضخمة نستطيع أن نُحدث التغيير على مستوى المجتمع وأن نعالج مشاكل وتحديات استراتيجية تحتاج إلى ملايين وعشرات ملايين الشواقل. هذا يحتاج للكثير من العمل والجهود.
كيف ترى موضوع الحصانة الاجتماعية والمدنية لمجتمعنا العربي بعد السابع من أكتوبر، وما دور قدرة في هذا السياق؟
على مستوى “قدرة”، في فترة الحرب الأخيرة، تضاعف عدد أعضاء الشبكة خلال بضعة أشهر فقط. تفسير هذا الأمر هو أنه عندما تحدث أزمة، عندما تُهدد حصانة المجتمع يسعى الناس إلى العودة لمجتمعها، وهنا لاحظنا بأن قدرة- شبكة المتبرعين العرب- تعطي معنى لهذه الهوية، ولهذا زاد الإقبال على عضوية قدرة.
نظرية التغيير التي نؤمن بها في قدرة تقوم على أن بناء شبكة متبرعين عرب، تُقدم المعرفة والأدوات والمعلومات، فإننا نزيد من العطاء المنظم وبالنتيجة نعزز الانتماء والحصانة الاجتماعية. بعد اندلاع الحرب بادرنا إلى برنامج طوارئ، وساعدنا المتبرعين على دعم مجتمعاتهم المحليّة وساهمنا في مضاعفة هذه التبرعات.
كما ذكرنا في بداية الحوار، في الأسبوع القادم سيتم عقد أول مؤتمر للشبكة في باقة الغربية. ماذا سيكون في المؤتمر؟
هذا المؤتمر سيكون بمثابة فرصة لجمع “الإكوسيستم” العطائي في مجتمعنا، ولتعريف قطاعات وشرائح مجتمعنا على “قدرة” وإعطائه الأمل والشعور بالمقدرة على التعاون وعلى تعزيز الحصانة بقدراتنا الذاتيّة وبالشراكات التي نبنيها بين مختلف القطاعات، ونأمل أن يشكّل نقطة تحوّل نحو المزيد من المأسّسة وتوسيع دوائر العطاء.
العناوين الرئيسية التي سيمتحور حولها المؤتمر هي: التعاون، الحصانة، الأثر والابتكار. يمكن تلخيص كل هذه العناوين تحت عنوان “التعاون حصانة لنا”. ستبدأ فعاليات المؤتمر عند الساعة 09:30 صباحًا، وسيحتوي على 9 محاور وجلسات حوارية، وسيتم خلاله التعريف عن شبكة “قدرة” ونشاطها، بالإضافة الى محاضرة حول العطاء المنظّم في المجتمع العربيّ تشمل استعراض بحث نوعي جديد بالتعاون مع الجامعة العبرية حول قيم ودوافع العطاء في المجتمع العربي.
يشمل المؤتمر أيضًا جلسة حوارية لمتبرعين حول كل ما يتعلق بالعطاء المنظم وصولاً إلى استثمارات الأثر والتعرف على مستقبل التبرع والعطاء المنظم من خلال الاستثمارات الاجتماعية المستدامة، ومناقشة استراتيجيات دعم وتمويل المشاريع الاجتماعية وتحديد الفرص للتأثير الإيجابي طويل الأمد.
ستشمل جلسات المؤتمر أيضا جلسة حوارية حول الابتكار والتكنولوجيا في التغيير الاجتماعي والعمل الخيري، التي تناقش أهمية الابتكار واستخدام التكنولوجيا لتعزيز أثر التغيير المجتمعيّ والعمل الخيريّ. عرض العلاقة بين الحداثة والابتكار، التكنولوجيا والتغيير المجتمعيّ، وأهم الأدوات التكنولوجيّة المستخدمة في المشاريع الاجتماعيّة، وتسليط الضوء على أمثلة ناجحة لمشاريع استخدمت الابتكار والتكنولوجيا لتحسين نتائجها.
بالإضافة الى جلسات حواريّة حول إدارة الشراكات والتعاون وبناء شراكات استراتيجيّة مبتكرة تساهم في تحقيق نتائج فعّالة من خلال تحديد الشركاء المثاليّين.