في الأسفل مقال في صحيفة ذا ماركر بعنوان “ماي جولان لا تثير الضجيج فحسب، بل تُعرّض حياة الناس للخطر أيضًا” نقدمه لكم مترجمًا في وصلة.
آخر ظهور للنائبة ماي جولان في الكنيست الأسبوع الماضي أثار جدلاً واسعاً. من على منصة الخطابة، صرخت جولان على عضو الكنيست فلاديمير بلياك (يش عتيد) ووصفته بألفاظ مثل “قذر”، “حقير” و”عديم القيمة”. كما صرخت على عضوة الكنيست ميراف بن آري (يش عتيد) بـ “كوكوريوكو קוקוריקו” (أي نعتتها بالجنون)، وحتى نعتت نائب رئيس الكنيست من حزبها (الليكود)، حانوخ ميليفتسكي، بصفة “وقح”، وذلك قبل أن يُنزلها حراس الكنيست بالقوة من المنصة. وصفت وسائل الإعلام هذا التصرف المخزي بأنه دليل آخر على تدهور الكنيست، ولكن تم تجاهل حقيقة أن جولان ليست مجرد نائبة مثيرة للجدل، بل هي وزيرة في حكومة إسرائيل، وتترأس وزارة مهمة: وزارة المساواة الاجتماعية.
وزارة المساواة الاجتماعية ليست وزارة هامشية تم إنشاؤها لأغراض سياسية؛ بل هي وزارة قديمة نسبياً ولها تاريخ من العمل، وتهتم بقضايا النساء، وكبار السن، والأقليات على اختلاف خلفياتهم. وتوظف الوزارة حوالي 60 موظفاً، بميزانية تتجاوز 100 مليون شيكل سنوياً، لكن في الواقع تشرف على أكثر من ذلك بكثير، بسبب أنشطتها المتعددة وخاصة ﺳﻠﻄﺔ اﻟﺘﻄﻮﻳﺮ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻟﻸﻗﻠﻴﺎت، وهي الجهة المسؤولة عن تنفيذ الخطّة الخمسيّة لتنمية المجتمع العربيّ (القرار 550) بميزانية تصل إلى 26 مليار شيكل على مدى خمس سنوات.
مقالات ذات صلة: على حساب تنمية المجتمع العربيّ: 5 مليارات ستحوّل لتمويل الحرب
جولان، التي انتُخبت للكنيست ضمن قائمة الليكود بعد أن برزت كناشطة اجتماعية ضد طالبي اللجوء في جنوب تل أبيب، تم ترقيتها بسرعة في الحكومة الحالية من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي عيّنها أولاً وزيرة للنهوض بمكانة المرأة — وهي وزارة تم استحداثها دون نشاطات تذكر — ومن ثم دمج وزارتها مع وزارة المساواة الاجتماعية. وهكذا وصلت جولان، دون أي خبرة إدارية، إلى منصب وزيرة في وزارة حساسة، تشرف بشكل غير مباشر على إدارة ميزانيات بالمليارات.
تشير البيانات إلى أن جولان واجهت صعوبة في التعامل مع هذا الانتقال الكبير من ناشطة ضد طالبي اللجوء إلى مسؤولة عن تنسيق أنشطة جميع الوزارات الحكومية ودفع الاستثمارات في المجتمع العربي داخل إسرائيل. منذ دخولها إلى وزارة المساواة الاجتماعية، تشهد الوزارة تدهوراً متسارعاً. على سبيل المثال، أصبح قسم كبار السن شبه فارغ من موظفيه، حيث غادر 11 منهم، بما في ذلك رئيس القسم، إلى جانب المتحدثة باسم الوزارة ومعظم موظفي مكتب المدير العام السابق.
الوزارة حالياً تُدار بدون مدير عام، حيث قامت جولان بإقالة المدير العام المحترم للوزارة، مئر بنغ، الذي كان قد أبقاه الوزير السابق عميحاي شيكلي في منصبه، وعيّنت بدلاً منه ميراف شتيرن، التي كانت تعمل تحت إشرافها كمديرة عامة لوزارة النهوض بمكانة المرأة. لكن شتيرن تفتقر إلى الخبرة الإدارية الحكومية، وليس من الواضح ما إذا كانت تفي بالشروط اللازمة للمنصب. على أي حال، جولان لم تحقق في ذلك، وأبقتها كمديرة مؤقتة لمدة تسعة أشهر. وافقت سلطة الخدمة الوطنية المدنية على تمديد فترة إشغال المنصب المؤقت رغم اعتراض المستشار القانوني للحكومة.
كما أن تقارير إعلامية نقلت عن موظفين شكاواهم بأن الوزيرة بالكاد تشارك في أنشطة الوزارة، وأن الاجتماعات المهنية نادراً ما تُعقد. مع ذلك، تبدي جولان اهتماماً كبيراً بمجال واحد في الوزارة: الخطة الخمسية لتنمية المجتمع العربي بميزانية قدرها 26 مليار شيكل. كان من أول تحركات جولان هو وقف اجتماعات “اللجنة الدائمة”، التي تحدد توزيع ميزانيات الخطة الخمسية بين الوزارات الحكومية المختلفة. وفي حديثها مع الإعلام، وتحديداً على قناة 14، تفاخرَت جولان بأنها أوقفت توزيع أموال الخطة، بحجة أن جزءاً كبيراً منها يتدفق إلى جهات إجرامية في المجتمع العربي. وقالت: “لن أكون مجرد ختم مطاطي”، وأعلنت: “لن أسمح بأن يتسرب المال إلى المجرمين تحت إشرافي الوزاري”.
المشكلة في هذا التصريح هي أن جولان لم تقدم أية أدلة على تسرب أموال خطة الخماسية إلى أيدي مجرمين، ويعتقد معظم الخبراء في الحكومة أن هذا الادعاء لا يستند إلى أي أساس، وأن الضرر قد حدث بالفعل. تدفق الميزانيات للمجتمع العربي، تحت إدارة جولان، يتعثر.
الجلسة التي سببت الإحراج
تصنيف الخطة الخمسية العربية على أنها نوع من “غسل الأموال” لعائلات الجريمة كان مجرد البداية. طوال الطريق، تبدو جولان وكأنها تقوم بما يتعارض تماماً مع مصلحتها كوزيرة: تحاول إفشال البرنامج الرئيسي لوزارتها.
خلال الأشهر التسعة التي قضتها في منصبها، لم تجتمع جولان مع لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية، ولم تقم بزيارات ميدانية في المناطق العربية، بل وقامت بمبادرات لتحويل الميزانيات من خطة الخماسية إلى جهاتٍ أخرى، وفي كل منتدى متاح تضع نفسها كمعارضة لخطتها الخاصة.
ربما بلغ الأمر ذروته في اجتماع لجنة الوزراء لمكافحة الجريمة والعنف في المجتمع العربي، برئاسة نتنياهو، والذي عقد في سبتمبر. في محضر تلك الجلسة، اقتبست تصريحات جولان حول تكلفة خطة الخماسية، 50 مليار شيكل (وهو ليس المبلغ الصحيح)، حيث ذكرت وزيرة المساواة الاجتماعية أنها منذ توليها المنصب، تقوم بالتحقيق والاستيضاح حول 20 مليار شيكل تم تحويلها من قبل وزارة المالية ضمن الخطة المذكورة، لكنها زعمت أنه لا يوجد متابعة حول كيفية استخدامها.
يصف الحاضرون في تلك الجلسة الشعور بالإحراج الذي ساد الغرفة، ومحاولة التوضيح بلطف للوزيرة غير المتمرسة أنه لا يوجد شيء مثل “فقدان 20 مليار شيكل”. قد يكون فقدان 20 مليون شيكل أمراً مقبولاً، لكن 20 مليار ليست بالأمر الذي يضيع. ليس هناك شيء من هذا القبيل. من غير الواضح ما إذا كان هذا التعليق المحرج من قبل جولان يعكس قلة فهمها لإدارة ميزانية الدولة، أو أنه ذريعة تهدف إلى تشويه سمعة الخطة الخمسية. على أي حال، ولإنهاء هذا الحوار المحرج، اختتم رئيس الوزراء النقاش بطلب من المحاسب العام في وزارة المالية إجراء رقابة على استخدام أموال خطة الخمسية. حالياً، الرقابة مستمرة، ويعتقد الخبراء في الحكومة أنه لن يتم الكشف عن نتائج غير طبيعية، حيث تُعتبر إدارة خطة الخماسية تحت إشراف هيئة الأقليات إدارة مهنية وفعّالة.
حدث آخر، كان أكثر إشكالية، تمثل في قرار جولان، بالتعاون مع المديرة العامة شتيرن، بإغلاق مركز الطوارئ والمعلومات في المجتمع العربي. وقد أُنشئ المركز مباشرة بعد 7 أكتوبر في محاولة لتقليص فجوات الحماية والاستعداد لدى البلدات العربية، لكن تم إغلاقه على الفور من قبل الوزيرة في مايو من هذا العام، أي خلال الحرب، وحينما كانت هناك خطورة واضحة ومباشرة على الجبهة الشمالية وإطلاق الصواريخ على بلدات المجتمع العربي في الشمال.
مقالات ذات صلة: في ظل الحرب المستمرة، وإجماع جهات رسمية على أهمية دوره، الوزيرة جولان تغلق “مركز الطوارئ” للمجتمع العربي وتُشكك بنوايا القائمين عليه
بررت الوزيرة إغلاق المركز بعدم الحاجة إليه، لأن جميع أنشطته تتولى إدارتها جهات حكومية أخرى، وبالتالي اعتبرته تكراراً وإهداراً للموارد. من بين ادعاءاتها، ذكرت أنه لا حاجة لترجمة إرشادات الحماية والاستعداد للسكان باللغة العربية، حيث أن جميع التعليمات الحكومية مترجمة بالفعل إلى العربية، واستشهدت بمسح لاتحاد الإنترنت الإسرائيلي الذي أفاد بعدم وجود مشكلة في توفر المعلومات باللغة العربية. كما زعمت جولان أنه لا يوجد توثيق للطلبات العامة الموجهة للمركز، وأنه من غير المعقول أن يتعامل المركز مع طلبات ناجمة عن الضيق النفسي، وأنه من مسؤولية قيادة الجبهة الداخلية التعامل مع فجوات الحماية، ولذلك لا داعي لمعالجة هذا الموضوع.
إضافة إلى ذلك، طرحت الوزيرة ومديرتها العامة ادعاءات حول عدم الحاجة إلى جمع معلومات أو توفير تدريبات طوارئ في البلدات العربية، واستعدادات كافية لمحلات السوبرماركت المحصن وغيرها. في كل مجال تقريباً، ادعت الوزيرة ومديرتها العامة وجود تكرار في العمل، وألغت الحاجة لنشاط المركز فيه.
الوزيرة والمديرة العامة لم تفهما الاستطلاع
المشكلة مع مجموعة الادعاءات التي قدمتها الوزيرة ومديرتها العامة هي أنها كانت مزيجاً من الأخطاء وسوء الفهم. حاولت الجهات المهنية توضيح أنه لا يوجد توثيق لطلبات الجمهور أو طلبات ذات طابع نفسي، لأن المركز لم يُخصص للجمهور العام، بل لتعزيز التواصل بين الجهات الحكومية والسلطات المحلية العربية. وأظهر استطلاع اتحاد الإنترنت الإسرائيلي نتائج معاكسة تماماً لما فهمته الوزيرة ومديرتها العامة — حيث تبين أن 39% فقط من المواد في مجال الطوارئ على الإنترنت مترجمة إلى العربية.
كذلك، بسبب غياب شبكات البيع بالتجزئة في البلدات العربية، لا يوجد تقريباً متاجر محصنة في البلدات العربية، وكذلك لا توجد فيها فروع لصناديق المرضى المحصنة. ومن المعروف أن قيادة الجبهة الداخلية مسؤولة عن الحماية، ولكن اتضح أنها لم تكن على علم بوجود فجوات كبيرة في الحماية في المجتمع العربي — وكان مركز الطوارئ أداة ممتازة لنقل المعلومات حول مثل هذه الفجوات.
وفقاً لذلك، كتب قائد الجبهة الداخلية ومسؤولون آخرون في القيادة والشرطة عن مساهمة مركز الطوارئ المهمة في تعميق التعاون بين جهات الطوارئ والمجتمع العربي، وأهميته الكبيرة في تعزيز الاستعداد للطوارئ في البلدات العربية. وكتب ضباط كبار في قيادة الجبهة الداخلية: “التعاون بين مركز المعلومات في كفر قاسم وقيادة الجبهة الداخلية كان ضرورياً لإيجاد استجابة توعوية دقيقة وملائمة للمجتمع العربي، ما ساهم في إنقاذ الأرواح“.
ومع ذلك، أصرت جولان، وتوقف نشاط مركز الطوارئ في المجتمع العربي في مايو، على الرغم من الفجوات الكبيرة في الحماية التي تعاني منها البلدات العربية: فقد وجد تقرير مراقب الدولة لعام 2018 أن 46% من السكان في السلطات غير اليهودية لا يملكون حماية على الإطلاق، مقارنة بـ 23% في السلطات اليهودية. وأجرى مكتب الأقليات في مارس 2024 دراسة لفحص مستوى الحماية بين كرميئيل والبلدات العربية الواقعة على الجانب الآخر من الطريق 85 في الجليل، وتبين أن 58 ألف نسمة من اليهود لديهم 128 ملجأً عاماً؛ بينما يملك 53 ألفاً من السكان العرب على الجانب الشمالي من الطريق ملجأين عامين فقط.
بالإضافة إلى ذلك، وفقاً للتقرير، فإن 29% من المدارس الرسمية العربية ليست محصنة (مقارنة بـ 13% من المدارس اليهودية)؛ وهناك 12 فرعاً محصناً فقط (أي 3.5% من أصل 341 فرعاً في جميع أنحاء البلاد) في البلدات العربية؛ وهناك أربع بلدات عربية فقط بها صناديق مرضى محصنة؛ وثمانية فقط من أصل 19 صفحة من المعلومات الأساسية لحماية الجبهة الخلفية تم ترجمتها إلى العربية.
كانت هذه الفجوات الضخمة معروفة بشكل جزئي فقط لقيادة الجبهة الداخلية، والدليل على ذلك أنه حتى يناير، كانت قيادة الجبهة الداخلية قد وضعت 15 وحدة حماية فقط في البلدات العربية — رغم عدم وجود ملاجئ عامة فيها، وعدد قليل جداً من غرف الحماية المحصنة. بالإضافة إلى ذلك، هناك فجوات ناجمة عن توعية غير متلائمة مع نمط الحياة العربي، مثل: الأم وابنها اللذين لقيا حتفهما مؤخراً خلال موسم قطف الزيتون في شفاعمرو، دون علم بأن بساتين الزيتون محددة في نظام الدفاع الجوي على أنها “أراضي مفتوحة” — ومن الضروري تنسيق خروج المزارعين إلى القطف.
كان من الممكن أن تُعالج هذه الفجوات من خلال مركز الطوارئ، لولا أن الوزيرة أوقفت نشاطه. ومنذ توقيف النشاط، تحقق الخوف من فتح جبهة شمالية، وتزايدت كثافة إطلاق النار على بلدات الشمال — حيث يوجد نسبة مرتفعة من البلدات العربية. وهكذا وجد المجتمع العربي نفسه في خضم الحرب، دون حماية ودون توعية ملائمة، وكانت النتائج: منذ اندلاع الحرب، بلغت نسبة القتلى من المواطنين العرب في الشمال 56%، وهي أعلى بكثير من نسبتهم في عدد السكان. يمكن فقط تخيل عدد الأرواح التي كان يمكن إنقاذها لولا إصرار جولان على وقف الدعم للمجتمع العربي فيما يخص الاستعدادات للطوارئ، بدون أي تبرير مهني معتمد.