مع انتهاء السنة الأولى لحكومة نتنياهو-سموتريتش التي بدأت عملها بتعهد بمعالجة غلاء المعيشة المتفاقم، أظهرت البيانات أن سلة الاستهلاك في إسرائيل هي من الأغلى بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، حيث تأتي في المرتبة الثالثة في غلاء الأسعار بعد سوسيرا وأيسلندا، ويبدو أن التوجه نحو ارتفاع الأسعار لن يتوقف قريبًا. تشير التوقعات لعام 2024 إلى تفاقم الأزمة المالية للأسر، ما يهدد بدخولها في دوامة مالية قد تكون غير مسبوقة.
تظهر بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن مستوى الأسعار لسلة استهلاك الأسر قد ارتفع بنسبة 1% سنويًا منذ 2021، ليصل إلى 140 نقطة عام 2023 بعد أن كان 138 في 2021. وهذا الارتفاع المستمر في الأسعار يجعل إسرائيل من بين الدول الغربية الأكثر تكلفة، حيث ارتفعت تكلفة سلة الاستهلاك بنسبة 40% منذ أن تولى نتنياهو السلطة لأول مرة في 2009.
وفي حين كان الفرق في تكلفة المعيشة بين إسرائيل وسويسرا، مثلًا، يصل إلى 25 نقطة في 2020، تقلص هذا الفارق إلى 8 نقاط فقط في 2023، ما يؤكد تزايد تكلفة المعيشة بشكل متسارع وملحوظ.
بحسب بيانات الناتج المحلي الإجمالي، الذي يعكس المستوى العام للأسعار في الاقتصاد، بما في ذلك المنتجات والخدمات التي لا تستهلكها الأسر بشكل مباشر، تعتبر إسرائيل الدولة الأغلى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ما يعني أن غلاء المعيشة فيها وصل إلى مستويات لم تعد تُحتمل. وعندما ننظر إلى مؤشر القوة الشرائية (PPP) نجد أن في 2009، وهو عام تولي نتنياهو، كانت التكلفة مماثلة لباقي دول المنظمة. لكن منذ ذلك الحين، ارتفعت بشكل مستمر دون انقطاع، رغم وعود نتنياهو التي لم يتحقق منها شيء على أرض الواقع.
مع بداية حكومة التغيير بقيادة بينيت-لابيد، دعا فريق من منظمة التعاون الاقتصادي إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية صارمة، وبدأت الحكومة في اتخاذ خطوات عملية، لكنها كانت فترة قصيرة ولم يتمكنوا من إكمال هذه الإصلاحات، فتوقفت جميع التغييرات الإيجابية. استغل نتنياهو التضخم العالمي المؤقت في فترة حرب روسيا-أوكرانيا للترويج بأن مشكلات الاقتصاد الإسرائيلي مرتبطة بتلك الأزمة العالمية، وهو ما أقنع الناس مؤقتًا، لكن الأمور بقيت على حالها من دون أي تدخل فعلي للتخفيف من أزمة غلاء المعيشة.
يحسب مؤشر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الإنفاق الحقيقي للفرد (Real Expenditure Per Capita)، الذي يقيس كمية السلع والخدمات المستهلكة فعليًا. مستوى إسرائيل في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 92% من المتوسط في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ــ وهو أقل من المتوسط، ويحتل المرتبة الـ22 من أصل 38 دولة.
بخلاف دول غنية مثل سويسرا وأيسلندا التي ترتبط فيهما مستويات الأسعار المرتفعة بارتفاع الدخل ومستوى الرفاهية، فإن وضع إسرائيل يُعد استثنائيًا وسلبيًا. إسرائيل دولة باهظة الأسعار، ومع ذلك فإن مستوى الاستهلاك فيها منخفض نسبيًا، ما يكشف عن فجوة كبيرة بين غلاء الأسعار وقدرة المواطنين على تحملها.
وليست تكلفة سلة الاستهلاك وحدها المهمة، ولكن أيضًا حجم هذه السلة وما تشمله من سلع، حيث تضيق سلة الاستهلاك الإسرائيلية أكثر فأكثر مع الوقت مقارنة بسلات الاستهلاك في الدول المتقدمة.
وفقًا للتوقعات الاقتصادية، فإن مستوى الأسعار في إسرائيل سيستمر بالارتفاع في 2024، حيث يُتوقع أن تصل نسبة التضخم إلى 3.8% بحسب بنك إسرائيل، مع نمو اقتصادي قد لا يتجاوز 1%. في نفس الوقت، ستشهد الخدمات المقدمة للأسر في الصحة والتعليم انخفاضًا بسبب تقليصات الميزانية، مع ارتفاع مدفوعات الديون الحكومية.
وفي ظل هذه الظروف، صرح البروفيسور ميشيل سترافاتشينسكي، الخبير الاقتصادي بالجامعة العبرية وعضو مجلس إدارة سابق في بنك إسرائيل، بأن غياب الإصلاحات الفعلية جعل من إسرائيل واحدة من أكثر الدول تكلفة في غلاء المعيشة. وأشار إلى أن الحكومة الحالية لم تقم إلا بخطوات محدودة تتعلق بتبني المعايير الأوروبية في الاستيراد وتقليل بعض الرسوم الجمركية، بينما بقيت مشاكل أساسية كالعجز في سوق الإسكان بلا حلول جذرية.
مقالات ذات صلة: في آخر 5 سنوات… ارتفاع جنوني في أسعار سلة التسوّق للأسرة في إسرائيل