خلال أعمال مؤتمر “قدرة” السنوي الأول، الذي انعقد يوم الاثنين في مدينة باقة الغربية، ألقت الدكتورة نسرين حاج يحيى-حداد، الباحثة في معهد “ناس” للأبحاث والدراسات، محاضرة شاملة حول واقع الطبقة الوسطى في المجتمع العربي في إسرائيل. المحاضرة، التي استندت إلى بحث أُعد بطلب من منظمة “قدرة“، سلطت الضوء على التطورات البارزة التي شهدتها الطبقة الوسطى العربية في إسرائيل في العقد والنصف الأخير، لكنها كشفت أيضًا عن التحديات المقلقة التي تواجهها، خاصة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الحالية.
قفزة في حجم الطبقة الوسطى العربية
أشارت د. حاج يحيى-حداد إلى أن “الطبقة الوسطى العربية في إسرائيل شهدت نموًا ملحوظًا خلال العقد والنصف الأخير، بفضل مجموعة من العوامل الأساسية، منها الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية” ولفتت إلى أن هذا الدعم انعكس إيجابيًا على فرص التعليم والتوظيف.
فقد ارتفعت نسبة الطلاب العرب في مؤسسات التعليم العالي في العقد الأخير من 10% إلى 21% في مرحلة اللقب الأول، مع زيادة ملحوظة في أعداد الطلاب في الماجستير والدكتوراه. وأضافت: “اليوم نرى شبابنا يتوجهون إلى تخصصات مثل الهايتك، الطب، والمهن التي تتميز بأجر مرتفع، بعدما كانت المهن التعليمية هي الخيار المفضل في الماضي، وهذا يعكس تغييرًا جذريًا في أنماط التفكير وتطلعات الجيل الجديد.”
تحسن في سوق العمل، لكن الفجوات مستمرة
تطرقت د. حاج يحيى-حداد إلى التقدم في سوق العمل، حيث ارتفعت معدلات مشاركة النساء والرجال في العمل بشكل ملحوظ. النساء العربيات، على سبيل المثال، شهدن ارتفاعًا في معدل التوظيف من 19.9% في عام 2005 إلى نسب تتجاوز 45%. كما أن نسبة تشغيل الرجال العرب تقترب من 80%.
ومع ذلك، أكدت حج-يحيى أن “الفجوات في الأجور ما زالت تمثل تحديًا كبيرًا.” فقد ارتفع متوسط دخل النساء العربيات من مستوى إلى حوالي 7,700 شيكل، بينما ارتفع دخل الرجال العرب إلى حوالي 11,500 شيكل”، لكنها أكدا بأن الفجوات بين معدلات الأجور بين المجتمعين العربي واليهودي لا تزال واسعة.
العنف والجريمة: تهديدات مقلقة
حذرت د. حاج يحيى-حداد من أن العنف والجريمة المتزايدة في المجتمع العربي يشكلان تهديدًا خطيرًا على استقرار وتطور الطبقة الوسطى. وقالت: “في ظل تزايد حالات العنف والجريمة، نجد أنفسنا نواجه تحديات ليست فقط اقتصادية، بل أيضًا اجتماعية. المجتمع العربي يدفع ثمن هذا العنف من خلال انعدام الأمان وتفاقم الأوضاع الاجتماعية، ما يؤثر سلبًا على قدرة العائلات العربية على الاستقرار والتقدم.”
ركزت د. حاج يحيى-حداد على تأثير الظروف السياسية والأمنية على الطبقة الوسطى العربية. وأوضحت أن الحرب الأخيرة والسياسات الحكومية الحالية التي تتسم بتقليص الاستثمارات والميزانيات الموجهة إلى المجتمع العربي تؤثر بشكل فادح على برامج التطوير المخصصة له. وأكدت أن المجتمع العربي يدفع الثمن مرتين – مرة بصفته جزءًا من الدولة التي تعاني من أزمات اقتصادية، ومرة بصفته أقلية تتأثر بشكل غير متناسب من تقليصات الميزانية وتزايد الخطاب السياسي العنصري. “الخسارة هنا لن تنحصر في المجتمع العربي بل ستؤثر على الاقتصاد كله لأن العرب هم محرك اقتصادي مركزي، ومن سيربح هم منظمات الجريمة والعنف التي تُدمر مستقبل شبابنا“.
عن الطبقة الوسطى العربية
أحد المحاور التي تناولتها المحاضرة هو دور الطبقة الوسطى العربية في دعم المجتمع من خلال التبرع والعطاء الخيري. ووفقًا لد. حاج يحيى-حداد، يمكن تقسيم الطبقة الوسطى إلى ثلاث مستويات، الطبقة الوسطى المتدنية، والمتوسطة والعليا، بحسب مستويات الدخل للأسرة. وبحسب المعطيات التي قدمتها حج – يحيى، فإن الدخل الشهري للأسرة التي تنتمي للطبقة الوسطى المتوسطة حوالي 20 ألف شاقل، بينما تُصنف الأسرة التي يصل دخلها الشهري إلى 30 ألف شيكل إلى الطبقة الوسطى العليا. وبحسب د. حج يحيى يصل عدد الاسر العربية المنتمية إلى الطبقة الوسطى المتوسطة والعليا حوالي 50 ألف أسرة.
وحول استعداد أبناء الطبقة الوسطى العربية للتبرع قالت حج-يحيى بأن بحثها يؤكد جاهزية هذه الطبقة للتبرع والمساهمة في المشاريع الخيرية، إن كان من خلال التبرع المادي أو من خلال المشاركة في أعمال تطوعية وخيرية.
رؤية للمستقبل: التحديات والفرص
في ختام كلمتها، دعت د. حاج يحيى-حداد إلى ضرورة توسيع دوائر العطاء وتفعيل دور الطبقة الوسطى بشكل أكبر في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع العربي. “الطبقة الوسطى هي مفتاح التغيير والاستقرار، لكن يجب علينا التغلب على العقبات التي تواجهها من خلال تعزيز الشراكات وتقديم الدعم المطلوب”، قالت. وأضافت: “هذه ليست مجرد خطوة استراتيجية، بل مسؤولية تجاه المستقبل وتحقيق العدالة الاجتماعية.”
واختتمت حديثها برسالة أمل، مؤكدة أن “التحديات التي تواجهها الطبقة الوسطى يمكن أن تتحول إلى فرص حقيقية إذا ما توحدت الجهود وتم توظيف الإمكانات بشكل صحيح.”
مقالات ذات صلة: قرارات الوزيرة “الردّاحة” تهدد حياة الناس في البلدات العربية