حسب العديد من وسائل الإعلام، ينص اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل، المتوقع توقيعه اليوم الثلاثاء، على انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان في غضون 60 يومًا من دخوله حيز التنفيذ، لتحل محلها قوات الجيش اللبناني واليونيفيل. وستتولى هذه القوات إزالة البنية التحتية التابعة لحزب الله حتى نهر الليطاني. كما يؤكد الاتفاق على عدم إنشاء منطقة عازلة داخل لبنان، مع السماح لسكان القرى الجنوبية بالعودة إلى منازلهم.
وينص الاتفاق أيضًا على تشكيل لجنة دولية برئاسة الولايات المتحدة وعضوية بريطانيا وفرنسا، لضمان الالتزام ببنود الاتفاق، استنادًا إلى قرار مجلس الأمن رقم 1701. ومع فرح اللبنانيين على اختلاف طوائفهم بأنباء اقتراب توقيع الاتفاق، سيدخل لبنان هذه المرحلة الجديدة وسط أزمة اقتصادية كارثية تلقي بظلالها على جميع قطاعات الدولة، وقد تعيد التحديات المقبلة تشكيل خارطة المشهد السياسي والاجتماعي في البلاد.
أزمة اقتصادية غير مسبوقة
قبل التصعيد الأخير في أكتوبر، كان لبنان يعاني من انهيار اقتصادي عميق. منذ عام 2019، شهدت البلاد انخفاضًا حادًا في الناتج المحلي الإجمالي من 55 مليار دولار إلى أقل من 20 مليار دولار بحلول 2023، إلى جانب تضخم سنوي تجاوز 200%. أدى انهيار الليرة اللبنانية إلى تعميق الأزمات المعيشية، وزادت كارثة انفجار مرفأ بيروت في صيف 2020 من تأكيد حالة الفشل الإداري للدولة، وأصاب الشلل البنوك اللبنانية، ما جعل ودائع المواطنين رهينة لدى المصارف.
ومع بداية التصعيد العسكري الأخير، انتقلت الأضرار الاقتصادية من جنوب لبنان، معقل حزب الله التاريخي، إلى عموم البلاد، ما أسفر عن نزوح أكثر من مليون شخص، وتدمير 50 ألف وحدة سكنية، وخسارة نصف مليون وظيفة، إضافة إلى تراجع عائدات السياحة التي تشكل موردًا مهمًا.
تقديرات الأضرار والتمويل المطلوب
تشير تقديرات أولية إلى أن الأضرار الاقتصادية قد تتراوح بين 5 إلى 20 مليار دولار، تشمل تدمير البنية التحتية والخسائر الناتجة عن توقف النشاط الاقتصادي. على سبيل المثال، يُقدر أن تكلفة إعادة بناء الوحدات السكنية المدمرة وحدها تصل إلى 3.5 مليارات دولار، وهو رقم يصعب توفيره في ظل الانهيار المالي.
لكن، مع غياب الموارد الذاتية، تعتمد عملية إعادة الإعمار على تمويل خارجي. الدول الخليجية والمجتمع الدولي قد يكونان جزءًا من الحل، وهو ما حصل مثلاً بعد حرب تموز عام 2006 عندما تكفلت دولة قطر بجزءٍ كبير من إعادة الإعمار.
لكن تجارب سابقة تظهر أن حزب الله قد يحاول قيادة عمليات الإعمار، خاصة في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، مستفيدًا من دعم ماليِّ إيرانيّ، رغم أنّه سيكون محدودًا مقارنة بدعمها السابق عام 2006، خصوصًا مع الأزمة المالية التي تشهدها طهران إثر تشديدات العقوبات الدولية عليها، والتي يتوقَع أن تتفاقم مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بداية العام القادم.
تداعيات سياسية محتملة
إعادة الإعمار لن تكون مجرد عملية اقتصادية، بل هي ساحة لصراع النفوذ السياسي. إذا تمكن حزب الله من تولي زمام المبادرة، فإنه قد يعيد بناء شعبيته التي تأثرت خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع مشاركته بالحرب في سوريا، ومواقفه المناهضة للحراك الشعبي اللبناني عام 2019.
في المقابل، إن تولت الدولة اللبنانية، بدعم من المجتمع الدولي ودول الخليج، تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار، فقد يشكل ذلك ضربة إضافية للحزب، خاصة في ظل تزايد الانتقادات “لدوره في جر البلاد إلى أزمات متتالية”، وتراجع قوّته الإعلامية التي كانت خطابات أمينه العام السابق، حسن نصر الله، جزءًا أساسيًا منها.
سيناريوهات المستقبل
بينما يترقب اللبنانيون مرحلة ما بعد الحرب، يبقى السؤال الرئيسي حول قدرة الدولة على تجاوز الانقسامات السياسية والعوائق الاقتصادية لتنفيذ خطة إعادة إعمار شاملة، في وقت يحتاج فيه لبنان إلى دعم خارجي يفوق بكثير ما حصل عليه في الأزمات السابقة.
ويظلّ السؤال حول صمود الاتفاق قائمًا: هل سيكون الاتفاق دائمًا أم مجرد هدنة ستستمرّ بأحسن الأحوال عدّة أشهر، سيعود الحزب بعدها إلى مهاجمة المناطق الإسرائيلية الشمالية المتاخمة للحدود، خاصّة إذا لم يكن هناك اتفاقٌ مماثل في قطاع غزة، تأكيدًا على وعود أمينه العام السابق بعدم ترك غزة وحدها؟ وهل يعتبر نتنياهو أيضًا الاتفاق مجرد هدنة قصيرة الأمد، بانتظار عودة ترمب إلى البيض الأبيض؟ أم أنّ الخسائر الاقتصادية الكبيرة في المناطق الشمالية الإسرائيلية التي ستنكشف عند انقشاع دخان الحرب، وعقبات التقدم البري الذي واجهه الجيش الإسرائيلي ستجعل إعادة إشعالها صعبًا للغاية؟
مقالات ذات صلة: 5 مليارات شيكل تكلفة الأضرار الاقتصادية الناجمة عن صواريخ حزب الله في الشمال