كوريا الجنوبية: من ركام الحرب إلى قمة الاقتصاد العالمي

تصدرت كوريا الجنوبية أخبار الصحف والقنوات الإخبارية حول العالم بعد إعلان رئيسها الأحكام العرفية، ورغم تراجعه سريعًا عنها، إلّا أنّ صدى تلك "الصدمة" التي وقعت في دولة ديمقراطية، اقتصادها من الأقوى في العالم، لا يزال يتردد عاليًا. فما هي أبرز معالم الاقتصاد الكوري؟
أيقون موقع وصلة Wasla
طاقم وصلة
كوريا
 إحدى الأسواق في كوريا الجنوبية

تمثل قصة كوريا الجنوبية نموذجًا للتحول الاقتصادي المذهل في العصر الحديث. فقد تحولت هذه الدولة الصغيرة، التي خرجت مدمرة من الحرب الكورية في منتصف القرن العشرين، إلى واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم. بناتج محلي إجمالي بلغ 1.71 تريليون دولار في عام 2023، أصبحت كوريا الجنوبية تحتل المرتبة الـ14 عالميًا من حيث حجم الاقتصاد، مع نسبة نمو بلغت 2.32% مقارنة بعام 2022.

عندما انتهت الحرب الكورية عام 1953، كان نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي لا يتجاوز 67 دولارًا. ومع مرور السنوات، ونتيجة للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، قفز هذا الرقم إلى 33,745 دولارًا في عام 2023.

التحول من دولة زراعية تعتمد على المعونات إلى اقتصاد حديث بدأ من الستينيات، عندما ركزت كوريا الجنوبية على تطوير الصناعات الخفيفة مثل النسيج. في السبعينيات، تم توجيه الجهود نحو الصناعات الثقيلة مثل الصلب والكيماويات. بحلول الثمانينيات، أصبحت الصناعات التكنولوجية المتقدمة، بما في ذلك الإلكترونيات والسيارات، ركيزة أساسية للاقتصاد.

بين عامي 1960 و2019، حققت كوريا الجنوبية معدل نمو سنوي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بلغ 7.3%، وفقًا لمؤسسة مديري الصناديق الآسيوية. وفي أعقاب جائحة كوفيد-19 التي أثرت على الاقتصاد العالمي، انكمش اقتصاد كوريا الجنوبية بنسبة 0.7% في عام 2020، وهو أول تراجع له منذ عام 1998. لكن البلاد عادت بقوة في عام 2021، مسجلة نموًا بنسبة 4.6%، وهو الأعلى خلال 11 عامًا. ومع ذلك، تباطأ النمو تدريجيًا إلى 2.7% في عام 2022 ثم إلى 1.4% في عام 2023.

توقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى نمو الاقتصاد الكوري بنسبة 2.5% في عام 2024 و2.2% في عام 2025. هذا التوقع الإيجابي يعود جزئيًا إلى الأداء القوي لقطاعات مثل أشباه الموصلات، التي رغم انخفاض صادراتها بنسبة 30.6% في عام 2024، أظهرت إشارات للتعافي في أكتوبر من العام نفسه.

 

كوريا الجنوبية
كوريا الجنوبية

ورغم هذه النجاحات، لا تخلو مسيرة كوريا الجنوبية من التحديات، كان آخرها الأحداث السياسية التي شهدتها البلاد بعد إعلان الأحكام العرفية. كذلك، فإنّ التوترات الجيوسياسية، بما في ذلك الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، أثرت على سلاسل التوريد، خاصة في قطاعات حيوية مثل أشباه الموصلات وبطاريات السيارات الكهربائية. علاوة على ذلك، انخفضت الصادرات إلى الصين بنسبة 20% في عام 2023 لتصل إلى 124.8 مليار دولار، وهو ما أدى إلى أول عجز تجاري لكوريا الجنوبية مع الصين منذ 31 عامًا.

على صعيد الطاقة، ورغم انخفاض واردات كوريا الجنوبية من الطاقة بنسبة 22% في عام 2023، فإن التكاليف ظلت مرتفعة مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب الروسية الأوكرانية. في محاولة لتعزيز أمنها الطاقي، وقعت كوريا اتفاقًا مع السعودية لتخزين 5.3 ملايين برميل من النفط الخام في مدينة “أولسان” كاحتياطي إستراتيجي.

إن قصة كوريا الجنوبية ليست مجرد تحول اقتصادي، بل هي درس في التخطيط الاستراتيجي والابتكار، رغم العقبات والتحديات. من دولة تعتمد على المساعدات، أصبحت كوريا عضوًا في لجنة مساعدات التنمية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 2010. وبينما تواجه تحديات كبرى على صعيد التجارة والطاقة والجيوسياسية، يظل التفاؤل سيد الموقف، مع استمرار البلاد في الاعتماد على قدراتها التكنولوجية والاقتصادية لتحقيق مزيد من النمو.

مقالات ذات صلة: “الحرب” القادمة مع شركاء الولايات المتحدة التجاريين

مقالات مختارة

Skip to content