هكذا يُخطط سموتريتش لتدمير الاقتصاد الفلسطيني

تعمل الحكومة الإسرائيلية على تدمير الاقتصاد الفلسطيني عن قصد بهدف إسقاطه. بالنسبة لوزير المالية، يُعتبر ذلك خطوة ضرورية ضمن خطته المعلنة للضم والترحيل، ولكن النتيجة قد تكون فتح جبهة جديدة دموية في الضفة الغربية.
أيقون موقع وصلة Wasla
إيتان أفرييل
The Marker

“عندما تندلع الفوضى في المناطق المحتلة من الضفة الغربية، سيبدو يوم 7 أكتوبر وكأنه نزهة. هناك كمية هائلة من السلاح، وحياة العرب واليهود مترابطة. في النهاية، هذا سيحدث فعلاً”. هكذا قال رجل أعمال فلسطيني لموقع The Marker، في حديث حول الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية، وحول سلسلة من الخطوات التي يقودها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ضد السلطة، الاقتصاد، وسكان الضفة. كل ذلك يتم عن قصد وتخطيط، بموافقة وتشجيع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كجزء أول من خطة لضم مناطق الضفة، إغراقها بالمستوطنين اليهود، وتشجيع هجرة العرب وتحويل الفلسطينيين إلى سكان في دولة إسرائيل الكبرى الممتدة “من النهر إلى البحر”، ولكن دون حقوق تصويت أو حقوق سياسية.

عند التفكير في سموتريتش، قد تكون أولى الأفكار التي تراود معظم المواطنين الإسرائيليين هي أنه وزير مالية فاشل، وهو وصف في محله: الاقتصاد الإسرائيلي في حالة ركود، مع نمو صفري وتراجع اقتصادي بمقاييس نصيب الفرد؛ تكاليف المعيشة، التضخم، والفائدة في ارتفاع؛ الميزانية غير واضحة المعالم؛ القطاعات غير المنتجة مثل الحريديم تستنزف الأموال العامة؛ وكالات التصنيف خفضت تصنيف إسرائيل بدرجتين أو ثلاث؛ والمستثمرون الأجانب يتخلصون بسرعة من السندات الإسرائيلية. ولكن بالنسبة لسموتريتش، رغم فشله في تجاوز نسبة الحسم في الاستطلاعات، وزارة المالية ليست سوى أداة وعمل ثانوي. مهمته الحقيقية، والتي يبرع فيها ويعمل عليها بحزم ووفق خطة منظمة، هي إضعاف الاقتصاد الفلسطيني وتعبيد الطريق للضم الفعلي.

1
سموتريتش يتحدث في مؤتمر لحزب الصهيونية الدينية في البؤرة الاستيطانية “حفات شاحاريت”- الصورة: موقع The Marker

 

لا يمكن أن نخطئ في فهم نوايا سموتريتش. على عكس سياسيين آخرين في اليمين، وخاصة نتنياهو الذي يتوخى الحذر في تصريحاته، فقد شرح سموتريتش مرات عديدة رؤيته وخطة عمله لمناطق الضفة الغربية. في يونيو الماضي، نُشرت في “نيويورك تايمز” تسجيلات لتصريحات أدلى بها في البؤرة الاستيطانية “حفات شحاريت” جنوب قلقيلية خلال مؤتمر لحزب “الصهيونية الدينية”. تحدث سموتريتش عن سلسلة خطوات إدارية قام بها، والتي وفقاً له ستقود إلى ضم فعلي للضفة الغربية ونقل إدارة جميع شؤون المستوطنات والأراضي من الجيش إلى جهات حكومية مدنية تخضع لسيطرته.

هذه هي المرة الأولى منذ عام 1967 التي تنتقل فيها صلاحيات إدارية في المناطق من الجيش إلى المدنيين، وليس مجرد مدنيين، بل مستوطنين متدينين – وهو انقلاب سياسي حقيقي، رغم محاولة سموتريتش التقليل من شأنه. “لكي يكون ذلك أسهل للهضم من الناحية السياسية-القانونية، ولتجنب القول بأننا نقوم الآن بضم أو فرض سيادة، لم نغير الوضع القانوني للأرض. لا يزال القائد العسكري هو صاحب السيادة، ولكن هناك أمر قائد موقع بتفويض نائب رئيس الإدارة المدنية بجميع الصلاحيات المدنية”، صرح وزير المالية. وشرح: “الصلاحيات في يد هليل روت، كل الصلاحيات. هو من يوقع على الأوامر، يجمع المجلس الأعلى للتخطيط، يعلن عن أراضي الدولة، يوقع على الحدود الزرقاء، يدير سجلات الأراضي، يصدر مناقصات للموارد البشرية، ويوقع على مصادرة الطرق. كل شيء عنده”.

هليل روت، لمن لا يعرفه، هو المسؤول الجديد عن خطة سموتريتش: أول نائب رئيس للإدارة المدنية يكون مدنياً وليس ضابطاً في الجيش الإسرائيلي، وهو مقيم في مستوطنة “رفافوت”، وكان حتى وقت قريب نائب مدير مركز يشيفوت بني عكيفا. من خلال هذا الهيكل، يعتزم سموتريتش، كما أعلن، تأهيل وإنشاء عشرات المستوطنات الجديدة، وجلب نصف مليون مستوطن إضافي إلى المناطق – ما سيرفع عددهم الإجمالي إلى مليون.

2
هليل روث، أول نائب لرئيس الإدارة المدنية من خارج الجيش الإسرائيلي. الصورة: بإذن من موقع The Marker

 

لكن نقل اليهود إلى الضفة الغربية وبناء المستوطنات، والمساكن، والطرق لهم ليست سوى جزء من الخطة. الجزء الثاني، وهو الأخطر، والذي قد يؤدي إلى “7 أكتوبر” جديد، يتمثل في تدمير السلطة والاقتصاد الفلسطيني. لهذا الهدف، يمتلك سموتريتش “بنك أهداف” بدأ بالفعل باستهدافه: ميزانية السلطة، النظام المالي، سوق العمل، المواصلات، الكهرباء، المياه، البناء والعقارات – وهذا جزء من القائمة فقط.

النشاط انخفض إلى النصف

تعاني اقتصاديات الضفة الغربية حاليًا من تدهور حاد، إن لم يكن قاتلاً، منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر من العام الماضي. أدى التدمير الكامل لاقتصاد غزة، الذي كان يشكل قبل الحرب حوالي خمس الاقتصاد الفلسطيني، إلى تأثير سلبي على جميع المؤشرات الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية. للمرة الأولى منذ اندلاع القتال، قدم البنك الدولي والأمم المتحدة، إلى جانب السلطة المالية الفلسطينية، تقديرات أولية لعمق الأزمة. وفقًا لتقرير البنك الدولي، انخفض النشاط الاقتصادي في غزة بنسبة 86% في الربع الأول من العام (ما أدى إلى تراجع مساهمة غزة من إجمالي الاقتصاد الفلسطيني من حوالي 17% إلى 5%)، بينما انخفض الناتج المحلي الإجمالي في الضفة الغربية بنسبة 25% نتيجة التأثير السلبي الذي طال تقريبًا جميع القطاعات الاقتصادية: التجارة، والخدمات، والبناء، والصناعة.

وصف البنك الدولي اتجاه الاقتصاد في الضفة الغربية بأنه “سقوط حر”، مشيرًا إلى عجز مالي قدره 1.86 مليار دولار لعام 2024، وهو ضعف العجز في عام 2023، ما يمثل “خطرًا مرتفعًا لانهيار نظامي، خصوصًا فيما يتعلق بالخدمات العامة”. وأضاف البنك الدولي بقلق أن “هذا العجز يتم تعويضه عبر قروض من البنوك المحلية، وائتمانات مقدمة من القطاع الخاص، ومن موظفي الدولة، وصندوق التقاعد الوطني. بارقة الأمل  الوحيدة هي إعلان البنك الدولي والجهات الأوروبية عن تقديم منح للسلطة الفلسطينية كجزء من خطة إصلاحية قيد التطوير”.

من الواضح أن هذه التقديرات أقل مما هو واقع فعليًا، حيث تركز بشكل أساسي على الربع الأول من العام. أفاد رجل أعمال فلسطيني، استنادًا إلى تجربته الشخصية وتقارير زملائه، أن النشاط الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية انخفض بنسبة لا تقل عن 50% مقارنة بما قبل 7 أكتوبر 2023. وصرح قائلاً: “في بداية الحرب، خلال شهري أكتوبر وديسمبر، انخفض نشاط شركتي، التي تعمل في مجال الضيافة، بنسبة 90%. كنت أبيع للفنادق والمقاهي والمطاعم والمتاجر، لكنها ببساطة أغلقت. اضطررت إلى تسريح حوالي 60% من موظفيّ. ومنذ فبراير من هذا العام، لاحظنا انتعاشًا طفيفًا، ربما لأن الناس اعتادوا على الواقع الجديد، أو ربما لأن السلطة الفلسطينية وجدت طريقة لدفع رواتب موظفيها. ولكن مع بدء الحرب مع حزب الله، عدنا إلى الأيام التي بدت فيها الحرب وكأنها بدأت من جديد”.

3
عمال فلسطينيون ينتظرون الدخول إلى إسرائيل من أجل العمل بالقرب من الجدار الفاصل في بيت لحم. الصورة: بإذن من موقع The Marker

في حين أن انهيار اقتصاد غزة ناتج عن الحرب في غزة، فإن أسباب انهيار اقتصاد الضفة الغربية تعود مباشرة إلى سياسات حكومة إسرائيل، وخاصة أفعال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وليست بمحض الصدفة. العجز والأزمة المالية للسلطة الفلسطينية نتجت عن قرار وزارة المالية الإسرائيلية بعدم تحويل أموال الضرائب “المقاصة” التي تجمعها لصالح الفلسطينيين، والتي تشكل أكثر من 60% من الإيرادات السنوية للسلطة، أو اقتطاع مبالغ كبيرة منها بناءً على تقديراتها الخاصة.

يقتطع سموتريتش الأموال المخصصة للسلطة والتي تُحول لعائلات “الشهداء” الفلسطينيين، الذين تعتبرهم إسرائيل “إرهابيين”. كما يقتطع كل دولار مخصص لسكان غزة، بما في ذلك رواتب موظفي القطاع العام، بحجة أن هذه الأموال ستذهب أو تصل إلى يد حماس. يقتطع أيضًا ديون الكهرباء والمياه وكل ما يخطر بباله. منطقه سياسي بحت: عندما اشتكت السلطة للأمم المتحدة من أفعال إسرائيل في غزة، قرر سموتريتش اقتطاع أموال إضافية أو وقف تحويل المدفوعات الجارية. هذا السلوك يتكرر بانتظام في علاقته مع السلطة ومع الأمريكيين الذين يضغطون على إسرائيل لتحويل هذه الأموال لمنع انهيار اقتصاد الضفة الغربية. عندما يشتد الضغط، يفرج سموتريتش عن بعض الأموال، وعندما يخف الضغط، يجد سببًا لتأخير أو إلغاء المدفوعات.

في أعقاب الحرب، جمد سموتريتش تحويل أموال الضرائب بالكامل في النصف الأول من عام 2024، ولم يفرج عن جزء منها إلا في يونيو. وفقًا للبنك الدولي، إذا كانت إسرائيل قبل الحرب تقتطع 200 مليون شيكل شهريًا من أموال السلطة، فإنها منذ يونيو تقتطع حوالي نصف مليار شيكل شهريًا – ما خفض إيرادات السلطة الفلسطينية من الضرائب بنسبة 50%. وعند إضافة 150 ألف فلسطيني كانوا يعملون في إسرائيل قبل الحرب وأصبحوا عاطلين عن العمل، خاصة في قطاع البناء، إلى جانب عدم قدرتهم على سداد الديون، وخفض رواتب موظفي الدولة ومعاشات التقاعد، وتراجع النشاط في القطاع الخاص – يصبح من السهل فهم انهيار الاقتصاد الفلسطيني.

تكدّس الشيكل

الإجراءات الإسرائيلية لاقتطاع الأموال من عائدات الضرائب الفلسطينية ليست سوى خطوة مالية ضمن حملة أوسع ينفذها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ضد السلطة الفلسطينية. سموتريتش يتحرك أيضًا على الجانب النقدي، متسببًا في أضرار لا تقل خطورة. وفقًا لاتفاقيات أوسلو، الطريقة الوحيدة التي يمكن للبنوك الفلسطينية العمل بها خارج إسرائيل هي عبر بنكين إسرائيليين: بنك “هبوعليم” وبنك “ديسكونت”. هذان البنكان يشترطان ضمانة من وزارة المالية الإسرائيلية، مدعومة برسالة من الخزانة الأمريكية، لحمايتهما من أي دعاوى قضائية تتعلق بتمويل الإرهاب. لسنوات، كانت هذه الضمانة تُجدد تلقائيًا، إلى أن تولى سموتريتش وزارة المالية واكتشف أنه قادر على شل النظام المالي الفلسطيني بضغطة زر عبر الامتناع عن تجديد الضمانة. نتيجة لذلك، يمكن للبنوك الإسرائيلية رفض التعامل مع الأموال الفلسطينية، ما يؤدي إلى عزل الضفة الغربية ماليًا عن العالم.

العالم، بما في ذلك الأمريكيون والأوروبيون، يضغط على إسرائيل لمنع هذه الخطوة التي قد تكلف مليارات الدولارات لإنقاذ النظام المالي الفلسطيني. في يونيو، مدد سموتريتش الضمانة لمدة أربعة أشهر فقط، انتهت في أكتوبر، لتعود الأزمة إلى الواجهة مجددًا. وفقًا لبنك إسرائيل، القرار بشأن تمديد الضمانة أو عدمه يعود للحكومة ووزارة المالية.

سموتريتش يمتلك أداة نقدية أخرى لإضعاف الاقتصاد الفلسطيني: اعتماد الفلسطينيين على الشيكل الإسرائيلي كعملة رئيسية، إلى جانب استخدام محدود للدولار والدينار الأردني. لكن مؤخرًا، بحسب مصادر فلسطينية، رفض بنك إسرائيل السماح للبنوك الفلسطينية بإيداع كميات كبيرة من الشيكل في البنك المركزي الإسرائيلي، ما أدى إلى تراكم وتكدس كميات ضخمة من العملة في خزائن البنوك الفلسطينية، حيث قُدرت بحوالي 10 مليارات شيكل، مقارنة بملياري شيكل في الأيام العادية. هذا التراكم أجبر البنوك الفلسطينية على التوقف عن قبول الودائع بالشيكل.

4
طابور في محطة وقود في الخليل بتاريخ 7 أكتوبر، 2023. الصورة: حازم بدر، AFP. بإذن من موقع The Marker

 

“لدي 50,000 شيكل نقداً، ولا أستطيع إيداعها في أي بنك”، يقول رجل الأعمال الذي تحدثنا معه. “يقولون إن البنوك الفلسطينية تحتفظ بنحو 10 مليارات شيكل في خزائنها، مقارنة بحوالي 2 مليار شيكل في الأيام العادية. تخيلوا، هذا وضع فريد من نوعه ولا يوجد في أي مكان آخر في العالم: بنك مركزي يرفض قبول الودائع والأموال بعملته الخاصة – والأسباب سياسية. هذا الأمر له تداعيات هائلة على البنوك الفلسطينية، لأنه مكلف جداً بالنسبة لها الاحتفاظ بهذه الكميات الهائلة من الأموال. لذلك توقفت عن قبول ودائع الشيكل.”

ويقدم مثالاً على الفوضى التي نتجت عن ذلك: “قبل أسبوعين، أضربت محطات الوقود في منطقة رام الله وتوقفت عن بيع الوقود، ما أدى إلى طوابير طويلة وازدحامات مرورية. لماذا؟ لأنه، على عكس إسرائيل حيث يتم استخدام بطاقات الائتمان على نطاق واسع، يعتمد الاقتصاد الفلسطيني على النقد. كانت محطات الوقود تمتلك كميات كبيرة من الشيكل التي رفض البنك قبولها، وبالتالي رفضت قبول المزيد من الشيكل من الزبائن وأعلنت الإضراب. هذا وضع معقد ومجنون، وكل شيء مصمم لإحداث انهيار في الاقتصاد الفلسطيني. الشيء الغريب أننا نستورد 80% من بضائعنا من إسرائيل، فكيف سأدفع لمورديّ إذا لم أتمكن من إيداع الشيكات أو تحويل الأموال من رام الله إلى تل أبيب؟”

وقال بنك إسرائيل إن البنك لا يقبل ودائع من البنوك الفلسطينية ولا يحتفظ بحسابات لها. وأضاف البنك في رده: “لأسباب تتعلق بغسيل الأموال، يوفر بنك إسرائيل للسلطة النقدية الفلسطينية حصة لاستيعاب فائض النقد المتراكم في النظام المصرفي، بناءً على تقييم النشاط الاقتصادي المشروع الذي يتم بالنقد، أي النقد الذي ينتقل من إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية”.

5
شاحنة مياه فلسطينية بالقرب من كريات أربع، حيث قامت إسرائيل بتقليص كميات المياه. الصورة: إميل سالمار. تنشر في وصلة بإذن من موقع The Marker

أزمة المياه والكهرباء

يشكو رجل الأعمال الفلسطيني من إجراءات أخرى تهدف لخنق الاقتصاد الفلسطيني. فمثلًا، يشير إلى أن إسرائيل تستخرج المياه من أحواض المياه الجوفية في الضفة الغربية وتبيعها للفلسطينيين بأسعار مرتفعة، في حين يُمنع الفلسطينيون من حفر آبارهم. كما أوقفت إسرائيل بشكل أحادي إمدادات المياه، خصوصًا في جنوب الضفة الغربية، ما تسبب في نقص حاد بالمياه في مدن مثل الخليل وبيت لحم. يضيف: “توقفت البلدية عن توفير المياه، واضطررت لشراء المياه من موردين خاصين بأسعار باهظة، وصلت إلى 40 شيكل للمتر المكعب مقارنة بـ7 شيكل قبل الحرب، مما رفع تكاليف الإنتاج لدي بشكل كبير.”

فيما يخص الكهرباء، تعاني البلديات الفلسطينية من صعوبات مالية في توفير الكهرباء. في طولكرم، مثلًا، لا يمكن توفير كهرباء بتيار عالي، مما يعوق إنشاء مشاريع جديدة.

قامت إسرائيل وجيشها بإنشاء سلسلة من الحواجز ونقاط التفتيش عبر مناطق السلطة الفلسطينية، مما أدى إلى ازدحامات مرورية خانقة وساعات طويلة لقطع مسافات قصيرة، وهو ما رفع تكاليف النقل واللوجستيات بشكل كبير للغاية، وفقًا لما ذكره أحد الصناعيين. يقول: “أمس، سافرت إلى قرية تبعد بضعة كيلومترات فقط عن رام الله، واستغرقت الرحلة أربع ساعات بسبب الحاجز، على طريق عادة ما يكون فيه حركة مرورية قليلة. حاليًا، هناك مخرج واحد فقط مفتوح من رام الله، بينما يتم إغلاق وفتح باقي المداخل بشكل عشوائي. لا يمكن التنبؤ ما إذا كانت الرحلة ستستغرق ساعة أو أربع ساعات، وتكاليف نقل المواد الخام أصبحت باهظة للغاية.”

6
كفر عقب بالقرب من القدس الشرقية، أكتوبر 2024. الصورة AFP/Z. بإذن من موقع The Marker

 

بالنسبة لرجال الأعمال الفلسطينيين، ليس هناك أي شك حول أسباب تصعيد القيود التي كانت موجودة بشكل أو بآخر منذ سنوات، لكنها تفاقمت بشكل كبير منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية، وتحديدًا بعد اندلاع الحرب في غزة. السبب واضح: إنه جزء من خطة نتنياهو وسموتريتش لدفع الاقتصاد الفلسطيني نحو الانهيار. يقول أحد رجال الأعمال: “الآن كل شيء تصاعد بشكل كبير. الأمور أصبحت أكثر خطورة. من الواضح لنا أن هذا مخطط، وما هو أوضح أن هذا لا يؤثر فقط على السلطة. إنه يؤذي الناس بشكل مباشر، مثل من يريدون ملء الوقود، أو يحتاجون إلى المياه، أو الكهرباء، أو لشراء الضروريات. كل شيء يتم بهدف انهيار الاقتصاد، على أمل أن يقوم الناس، كما تأمل إسرائيل، بجمع أغراضهم والمغادرة. الهدف النهائي للحكومة هو الضم والهجرة القسرية.”

يضيف رجل الأعمال: “هؤلاء الأشخاص (سموتريتش ونتنياهو) يعنون ما يقولونه. إنهم لا يكتفون بالكلام. ليسوا مجرد مجانين كما يظن البعض. الأمر جنوني، لكن الإسرائيليين لا يتعلمون. السماح للمستوطنين بمهاجمة القرى وحرق المنازل، والأعمال التجارية، والسيارات، وأحيانًا بمراقبة الجيش أو حتى بمشاركته – لم يحدث من قبل بهذا الشكل. لديّ موظفو مبيعات يتنقلون في الضفة الغربية، ومؤخرًا، أحدهم عاد من الشمال وتم توقيفه عند حاجز قرب رام الله. هذا أمر عادي، يتم توقيفنا كل يوم، لكن ما لم يكن عاديًا هو أنهم فتشوا حقيبته، وجدوا 16 ألف شيكل – وصادروها ببساطة. لم يكن الأمر كذلك من قبل. حاول تقديم شكوى، لكنهم هددوه. لم يحدث هذا في السابق، وبالتأكيد ليس بهذا الوضوح، عند حاجز على أطراف رام الله.”

غزة: تضخم بنسبة 250%

وفقًا لتقارير البنك الدولي والأمم المتحدة، تم تدمير اقتصاد غزة بالكامل. بالكاد يوجد نشاط في مجالات التعليم أو الصحة أو الخدمات المدنية. يشير تقرير البنك الدولي إلى أن 100% من سكان غزة يعيشون تحت خط الفقر، مع تضخم يصل إلى مئات النسب المئوية، وصعوبة في الحصول على الغذاء، وخطر المجاعة يلوح في الأفق. التقارير حول عشرات الآلاف من القتلى في غزة – أكثر من 40 ألفًا وفقًا للبنك الدولي – إضافة إلى عدد مماثل من الجرحى، معروفة للجميع. لكن هناك حقائق أقل شهرة، منها أن نسبة البطالة في غزة تجاوزت 50% (مقارنة بـ35% في الضفة الغربية)، وأن التضخم السنوي بلغ 250%. ما تبقى من الاقتصاد يوصف بأنه “نشاط غير رسمي يعتمد على السلع الأساسية التي تُباع أساسًا في السوق السوداء بأسعار مرتفعة وغير خاضعة للرقابة.”

كما هو متوقع، فإن لانهيار غزة أثر مباشر على اقتصاد الضفة الغربية. يقول أحد الصناعيين من رام الله: “كانت غزة تمثل حوالي 25% من مبيعات العديد من الأعمال التجارية، سواء من حيث التصدير أو الاستيراد. هذا السوق اختفى بين عشية وضحاها. الكثير من الشركات قدمت ائتمانات لسكان غزة ولرجال الأعمال هناك، لكن هذا أيضًا اختفى. لدي صديق خسر أكثر من مليوني دولار لأن عميله في غزة لم يتمكن من السداد. في كثير من الحالات، العميل قد توفي، أو الضمانات، مثل شركة أو مخزن أو مصنع، قد دُمرت. المسألة ليست أن العميل لا يريد الدفع – بل لا يملك أي وسيلة لذلك. البنوك في غزة فقدت الكثير من السيولة النقدية، بما في ذلك الدولارات والشيكات، لأن البنوك دُمرت أو أن الأموال سُرقت من قبل حماس أو صودرت من الجيش الإسرائيلي. إذا كان لديك مستحقات مالية في غزة، فهي خسارة تامة، ولن تتمكن من بيع بضائع جديدة هناك.”

يمكن فهم الصعوبات التي يواجهها رجال الأعمال الفلسطينيون وإحباطهم من تصرفات الحكومة الإسرائيلية، وكذلك شكوكهم بأن الهدف النهائي هو دفع السلطة الفلسطينية والجمهور الفلسطيني إلى انهيار سياسي واقتصادي. من وجهة نظرهم، يبدو الأمر واضحًا. ومع ذلك، فإن هذه التقديرات، بما في ذلك فكرة وجود يد موجهة من قبل سموتريتش ونتنياهو، تحظى بتأييد معظم الخبراء في الغرب وإسرائيل الذين يدرسون الاقتصاد الفلسطيني.

7
مبنى كان يخدم كمدرسة في خان يونس، يونيو 2024. الصورة: إياد بابا- AFP. تنشر في وصلة بإذن من The Marker

 

د. ميخائيل ميلشتين، الذي كان يشغل منصبًا رفيعًا في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) ويشغل حاليًا منصب رئيس المنتدى للدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب وباحث في جامعة رايخمان، يوضح: “ليس لدى سموتريتش أجندة خفية. كل ما يفعله اليوم هو جزء من خطة عرضها بالفعل في عام 2017، ولكن الأمور تغيرت في يناير 2023. حدث شيئان مهمان للغاية. الأول: سموتريتش، لأنه يعرف كيف يركز على ما يغير الواقع في الضفة الغربية، لا يضيع وقته في التنسيق مع الفلسطينيين. لقد أنشأ وظيفة خاصة به داخل الإدارة المدنية مسؤولة عن جميع مخططات البناء، ومن خلالها يغير الواقع. كل ما يتعلق بشرعنة المستوطنات والميزانيات الضخمة المخصصة من وزارة المواصلات ووزارة الإسكان للمناطق – يتحكم فيها. أقدر أن حوالي ربع ميزانية وزارة المواصلات مخصصة للضفة الغربية. قال: ‘جئنا لتغيير الحمض النووي للضفة الغربية، حتى إذا خسرنا الانتخابات، سنكون قد تجاوزنا نقطة اللاعودة، ولن يكون من الممكن إعادة الوضع إلى ما كان عليه. عندما تسافر في الضفة الغربية، ترى بأم عينيك كيف يحدث اندماج كامل بين المجالين الفلسطيني والإسرائيلي من الناحية الديموغرافية والجغرافية والبنية التحتية – وكل ذلك عن قصد. هدف سموتريتش هو الوصول إلى دولة واحدة بلا حدود.”

يضيف ميلشتين: “من بين جميع وزراء الحكومة، سموتريتش هو أحد الأشخاص الذين لديهم رؤية وخطط عمل واضحة جدًا لخلق واقع جديد. إنه أمر مدهش. إنه يعمل على ذلك: البنية التحتية، خطط العمل، البعد القانوني – كل شيء.”

لماذا هذا مدهش؟ في الوقت الحالي، يبدو أن غالبية الجمهور الإسرائيلي غير مهتم بحل الدولتين.
“منذ الحرب، حدث أمران غير متصلين: من ناحية، يقول الجمهور إنه لا يريد سماع أي شيء عن دولتين، ومن ناحية أخرى، لا يريد رؤية العرب أو سماعهم. ولكن إذا اتجهنا نحو دولة واحدة، كما يريد سموتريتش، فسيتعين على الجمهور رؤية العرب في الشواطئ، والمراكز التجارية، وفي كل مكان. الجمهور العام لم يصغِ هذا الأمر لنفسه بعد، باستثناء الصهيونية الدينية التي تسعى بشكل واضح إلى توسيع أراضي إسرائيل. وفقًا لخطة سموتريتش، يجب أن يكون هناك مليون إسرائيلي في مناطق الضفة بحلول عام 2030-2032، وعندها لن يكون من الممكن الحديث عن دولتين على الإطلاق. الشيء الأساسي الثاني هو سيطرته على الإدارة المدنية: لقد أنشأ داخل الجيش ووزارة الدفاع فرعًا مدنيًا يروج لأيديولوجيا سياسية. ومن الناحية الاقتصادية، الأمر واضح: سموتريتش يعرّف السلطة الفلسطينية كعدو – ويسعى إلى إسقاطها.”

في اليوم الذي تنهار فيه السلطة الفلسطينية: ماذا سيفعل سموتريتش، نتنياهو، والحكومة؟

“بالنسبة له، سيكون ذلك مثاليًا. من سيملأ الفراغ هي إسرائيل، مما سيدفعنا خطوة أخرى نحو السيطرة وفرض السيادة. أعتقد أن سموتريتش يقصد أن الوزارات الحكومية الإسرائيلية ستدير الضفة الغربية مباشرة، وليس الإدارة المدنية. الوزارات مثل التعليم، الصحة، الرفاهية، وحماية البيئة هي التي ستدير المناطق. حتى مشاريع تبدو هامشية ولكنها ذات تأثير كبير، مثل مشاريع وحدة شؤون الطبيعة والحدائق التي تُفرض سلطتها على المحميات الطبيعية داخل الضفة الغربية. هذا كله بهدف التأكيد على أن ‘هذه المناطق لنا’. الحكومة تطبق سيادة تدريجية بطرق مختلفة، مثل وزير الإسكان يتسحاق غولدكنوبف، حيث إن بعض مشاريعه المخصصة للمتدينين الحريديم ليست في إسرائيل نفسها بل في الضفة الغربية. هذه الأمور تحدث دون أن يلاحظها الكثيرون، لكن منطقها الأساسي هو الدمج بين الضفة الغربية وإسرائيل، ووضع الأسس التي سيتم عليها فرض السيادة.”

هل منع دخول العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى إسرائيل هو لأسباب أمنية أم لضرب اقتصاد السلطة؟

“يوجد ما يقارب 190 ألف فلسطيني عملوا في إسرائيل، من بينهم 17 ألفًا من غزة. يشمل العدد حاملي التصاريح والعاملين دون تصاريح. منذ اندلاع الحرب، تم إلغاء حوالي 25 ألف تصريح، لكن معظمها كان مخصصًا للضفة الغربية، خاصة لبناء المستوطنات والأعمال الزراعية. بالطبع، هناك اعتبارات أمنية، لكن السبب الرئيسي هو رغبة الحكومة في دفع السلطة الفلسطينية إلى الانهيار. لا توجد أسباب أمنية قوية تدعم منع عودة هؤلاء العمال إلى إسرائيل.”

في بنك إسرائيل، أشار محافظ البنك أمير يارون خلال قراره الأخير بشأن الفائدة إلى أهمية عودة العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية، مؤكدًا أن لهذا الموضوع أهمية اقتصادية كبرى، ليس فقط في قطاع البناء. وقال: “بناءً على توجيهات وقيود الجهات الأمنية، من الأفضل اتخاذ الإجراءات اللازمة لتمكين العمال الفلسطينيين من العودة إلى قطاع البناء.”

تحذير من انتفاضة جديدة

يحذر رجل أعمال من رام الله من أن انهيار السلطة الفلسطينية واقتصادها سيؤدي حتمًا إلى انتفاضة جديدة وعنيفة. يقول: “لا أرى كيف يمكن أن يكون انهيار الاقتصاد في المناطق المحتلة جيدًا لإسرائيل. لا أرى ذلك ببساطة. لا يمكن أن ينتج شيء جيد من هذا، إلا إذا كنت تسعى لحرب شاملة. إذا كانت هذه هي الحرب التي تريدها، فهذا بالضبط ما يفعله سموتريتش والحكومة.”

بالنسبة لد. ميخائيل ميلشتين، غياب مثل هذه الانتفاضة يمثل لغزًا. يقول: “بعد عام مروع بالنسبة للضفة الغربية، علامات الانتفاضة غير ظاهرة بعد. هم بالكاد يتمكنون من التنفس فوق الماء. كنت في رام الله، وحاليًا لا يوجد جوع هناك، والمطاعم ممتلئة أكثر من تلك في تل أبيب. لكن هناك جيلًا نشأ يكره أبو مازن والسلطة. وعندما تتزايد البطالة، ويغيب الأفق، مع وجود شباب متعلمين وفساد كبير – تتراكم طاقة قد تنفجر كما حدث في الربيع العربي. وإذا حدث ذلك، فسنكون جميعًا في مشكلة. هناك أيضًا هجرة؛ كل من أنهى دراسته الجامعية يرغب في المغادرة، واستطلاعات الرأي لديهم تظهر رغبة كبيرة في الهجرة.”

كل هذه الأمور تتماشى بالتأكيد مع طموحات سموتريتش والصهيونية الدينية، وربما مع رؤية نتنياهو للعالم. لكن هناك شكوك حول إمكانية تنفيذ هذه الخطة دون تحمل مخاطر هائلة لفتح جبهة جديدة، قد تكون أصعب من تلك التي تواجهها إسرائيل حاليًا في غزة ولبنان.

لم يصدر أي تعليق من مكتب وزير المالية.

المقال منشور في وصلة بإذن خاص من موقع The Marker

مقالات مختارة

Skip to content