مصانع إنتاج أسلحة بمساحة مُدن وضخ عشرات المليارات في الصناعات الحربية ■ هكذا تخطط إسرائيل لبناء استراتيجيتها العسكرية القادمة

تخطط وزارة الدفاع لاستثمار عشرات المليارات من الشواكل في بناء البنية التحتية وتطوير قدرات إنشاء وتوسيع خطوط الإنتاج. الهدف من هذا الاستثمار هو تقليل الاعتماد على المشتريات الخارجية. كما أنه قد يدفع أيضًا لاستثمارات في التكنولوجيا المتقدمة "الهايتك" في الصناعة، وخلق فرص عمل وحتى شركات ستارت-أب في المستقبل.
أيقون موقع وصلة Wasla
يورم غابيزون
The Marker
59764555
محاكاة لسفينة من طراز “رشيف”. وزارة الدفاع ستشتري خمس سفن من هذا الطراز. الصورة: مسفنوت يسرائيل.

تواصل وزارة الدفاع تطبيق الدروس المستفادة من الحظر الذي فرض على توريد الأسلحة إلى إسرائيل خلال الحرب الحالية، إذ أكملت “مديرية البحث وتطوير الوسائل القتالية والبنية التحتية التكنولوجية” (מפא”ת) في وزارة الدفاع سلسلة من الصفقات مع شركة إلبيت معرخوت لتزويد الجيش الإسرائيلي بأنظمة اتصالات متقدمة بقيمة 130 مليون دولار.

تشمل العقود توريد آلاف أنظمة الاتصالات المتقدمة ضمن فئة “الراديو الرقمي”، وأنظمة الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، وقنوات البيانات للمنظومات الذاتية، وتوسيع مراكز الصيانة الميدانية (מרת”מ) التي تعمل على مدار الساعة لدعم القوات المقاتلة.

بالإضافة إلى ذلك، وخلال العام الأخير، طورت مديرية البحث وتطوير الوسائل القتالية والبنية التحتية التكنولوجية في وزارة الدفاع (مفتاح)، بالتعاون مع إلبيت معرخوت والجيش الإسرائيلي، حلولًا مبتكرة للاتصالات المؤمّنة والمشفّرة، المصممة خصيصًا للاحتياجات المتطورة لوحدات الجيش الإسرائيلي. العقد الحالي ينضم إلى سلسلة من العقود التي وقعتها مديرية المشتريات في وزارة الدفاع منذ 7 أكتوبر، كجزء من استراتيجية “أزرق-أبيض” لوزارة الدفاع.

59765131
نظام تحكم من تطوير إلبيت. وزارة الدفاع تواصل تطبيق الدروس المستفادة من الحظر الذي فُرض على توريد الأسلحة إلى إسرائيل. الصورة: إلبيت معرخوت.

في إطار هذه الاستراتيجية، التزمت وزارة الدفاع باستثمار عشرات المليارات من الشواكل في السنوات القادمة في بناء البنى التحتية والقدرات، وتوسيع خطوط الإنتاج، وإنشاء خطوط جديدة وشراء المخزون، بهدف ترسيخ استقلالية الإنتاج الدفاعي. أوضحت الوزارة أن السياسة تهدف ليس فقط إلى تلبية الاحتياجات الأمنية التي ظهرت خلال الحرب و”ضمان استمرار تقدم آلة الحرب الخاصة بالجيش الإسرائيلي”، وإنما أيضًا إلى “ضخ الأموال التي ستدفع الاقتصاد، وتخلق وظائف جديدة وتوفر محركات نمو للتصدير الدفاعي”.

تنفيذ هذه السياسة، التي يقودها المدير العام لوزارة الدفاع، أيال زمير، اكتسب زخمًا منذ 7 أكتوبر 2023. ومع ذلك، بدأت الوزارة في صياغتها بالتوازي مع سياسة مشتريات دفاعية مشابهة تم تطويرها في دول أوروبا الغربية، كجزء من الاستنتاجات المستخلصة من أزمة كورونا. خلال الأزمة، كُشف الاعتماد الكبير لكل من إسرائيل والدول الأخرى على إنتاج وتوريد المكونات الحيوية، مثل المكونات الإلكترونية، من شرق آسيا، وخصوصًا الصين.

إن فرض حظر فعلي خلال الحرب من قبل دول مثل بريطانيا، فرنسا، وألمانيا، شدّد الحاجة لدى المنظومة الأمنية إلى توفير متواصل للذخيرة وأنظمة الأسلحة – والسيطرة القصوى على سلسلة الإمداد لهذه الأنظمة.

هكذا وُلدت صناعة السايبر المحلية

هذه السياسة هي نسخة حديثة لخطوة مماثلة اتخذتها المنظومة الأمنية عقب الحظر الذي فرضته الحكومة الفرنسية قبل وقت قصير من حرب الأيام الستة (عام 1973). بالتوازي مع ذلك الحظر، خضعت الحكومة البريطانية للضغط العربي وقررت وقف تعاونها مع إسرائيل في تطوير إحدى الدبابات – وهو قرار أدى لاحقًا إلى تطوير دبابة الميركافا.

قرار المنظومة الأمنية إيجاد حلول بديلة لصناعة الأسلحة الفرنسية أدى، من بين أمور أخرى، إلى زيادة الاستثمارات في تطوير الصناعة الدفاعية في شركات مثل شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية (IAI)، وإلى تأسيس شركة إلبيت معرخوت كشراكة بين شركة إلرون ووزارة الدفاع عام 1966. هذه الخطوة أدت إلى تطوير تقنيات متقدمة – ولاحقًا إلى إنشاء شركات مدنية من قبل خريجي الوحدات التكنولوجية لسلاح الاستخبارات والصناعات الدفاعية، في شركات مثل تشيك بوينت، نايس NICE وصناعة السايبر المحلية.

بشكل رمزي، أُعلن عن صفقة وزارة الدفاع مع شركة إلبيت معرخوت بقيمة 130 مليون دولار لشراء آلاف أنظمة الراديو المتقدمة، بعد أقل من 24 ساعة من بيع شركة السايبر الهجومي باراغون لصندوق الاستثمار الأمريكي الخاص AE مقابل 900 مليون دولار. تأسست باراغون على يد إيهود شنيورسن، قائد الوحدة 8200، وكان من بين المساهمين فيها إيهود باراك، رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان الأسبق.

كما حدث في الماضي، من المتوقع أن تعزز الاستراتيجية الحالية لوزارة الدفاع الصناعة الدفاعية المحلية باعتبارها محركًا للنمو وتطوير التقنيات المتقدمة. وفي المستقبل، يمكن أن تتسرّب هذه التقنيات إلى تطبيقات مدنية وتدفع نحو إنشاء شركات ستارت-أب.

الطلبات التي تلقتها شركات الصناعات المحلية ستؤدي إلى الاستثمار في تقنيات إنتاج متقدمة، والروبوتات، والمواد الأكثر تطورًا، واستيعاب العمال وتدريبهم على تشغيل معدات الإنتاج المتقدمة – ما سيزيد من رأس المال البشري في الاقتصاد ويحسّن الإنتاجية.

الموارد المالية التي ستكون متاحة لوزارة الدفاع لتنفيذ هذه السياسة ستُحدد إلى حد كبير وفقًا للخلاف المتوقع أن يتطور بين وزارة الدفاع ووزارة المالية حول تنفيذ توصيات لجنة ناجِل. أوصت اللجنة بزيادة ميزانية الدفاع مرة أخرى، في ضوء انهيار نظام الأسد وتراجع الوجود الإيراني وحزب الله في سوريا.

تمت زيادة ميزانية الدفاع المُعتمدة لعام 2025 بنسبة 30% مقارنة بمستواها لعام 2024، لتصل إلى 108 مليارات شيكل. وفقًا للتقديرات، قد تدعم اللجنة مطلب المنظومة الأمنية بإضافة ما بين 15-20 مليار شيكل إلى ميزانية 2025.

قنابل ضخمة للطائرات ونظام اعتراض بالليزر

من بين الصفقات البارزة التي أُبرمت مع وزارة الدفاع يمكن الإشارة إلى صفقة بقيمة 1.5 مليار شيكل، التي تم توقيعها في أغسطس مع إلبيت معرخوت. في إطار هذه الصفقة، ستقوم إلبيت بإنشاء مصنع جديد لإنتاج الذخيرة والأسلحة. من المتوقع أن ينتج المصنع قنابل لطائرات سلاح الجو، وذلك في أعقاب تأخير في توريد قنابل من طراز MK–84 وMK–82، التي تصنعها شركة جنرال دايناميكس. تم تأخير توريد هذه القنابل من قِبل الإدارة الأمريكية في مراحل مختلفة من الحرب.

اتفاق بارز آخر هو صفقة بقيمة 2 مليار شيكل، التي تم توقيعها مع رافائيل وإلبيت معرخوت لتوسيع الإنتاج التسلسلي لنظام مَجِن أور (الشعاع الحديدي) لاعتراض التهديدات الجوية بالليزر، مثل الصواريخ، قذائف الهاون، والطائرات المسيّرة. سينضم النظام إلى طبقات الدفاع الجوي الأخرى مثل القبة الحديدية، مقلاع داود وحيتس.

كما أن هناك صفقة أخرى مهمة هي الاتفاق الذي تم توقيعه في نهاية الأسبوع الماضي مع شركة مسفنوت يسرائيل لشراء خمس سفن من طراز رشيف لسلاح البحرية خلال السنوات الست القادمة مقابل 2.4 مليار شيكل، مع خيار لشراء خمس سفن إضافية.

59764931
نظام اعتراض الليزر “مَجِن أور” من تطوير إلبيت. الصورة: وزارة الدفاع.

قال إيتان تسوكر، المدير العام لشركة مسفنوت يسرائيل، إن الشركة تعمل مع سلاح البحرية منذ أربع سنوات على تصميم هذا الطراز، بعد فوزها بمناقصة وزارة الدفاع عام 2019. ووفقًا له، فإن أنظمة الهجوم والدفاع الأكثر تقدمًا التي طورتها ثلاث الشركات الدفاعية الكبرى في إسرائيل – شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، رافائيل وإلبيت معرخوت – مدمجة في السفينة الجديدة، التي ستحل محل طراز نيريت، الذي تم تطويره في الثمانينيات كتحسين لسفن من طراز ساعر 4.

وأشار تسوكر إلى أن هذه الصفقة ليست فقط الأكبر في تاريخ الشركة، بل هي أيضًا ذات أهمية كبيرة لها، لأن قدرة شركة مسفنوت يسرائيل على بيع السفن للعملاء الأجانب تعتمد على شرائها من قِبل سلاح البحرية. وقال: “توقيع الاتفاق مع وزارة الدفاع قد جلب لنا بالفعل فرصًا لبيع السفينة لدول نعمل فيها ولعملاء جدد”.

أما الصفقات الأصغر، فشملت صفقة مع مصنع رشيف التابع لمجموعة أريت، لشراء صواعق للقذائف بقيمة 210 ملايين شيكل، والتي تم توقيعها في يونيو؛ وصفقة أخرى لشراء مكونات لدبابات الميركافا من شركة عشوت أشكلون، الخاضعة لسيطرة صندوق فيمي، بقيمة 86 مليون شيكل، والتي تم توقيعها في أغسطس.

مجمع صناعي جديد

أحد العوامل الرئيسية في تنفيذ استراتيجية “أزرق-أبيض” الخاصة بوزارة الدفاع هو إنشاء المجمع الصناعي الجديد التابع لشركة إلبيت معرخوت في رمات بيكع، جنوب بئر السبع. المجمع الجديد، الذي تمّ البدء بتشييد بعض مرافقه بالفعل، سيدخل حيز التشغيل الكامل في الربع الأول من عام 2025، وسيتضمن عشرات المصانع. يمتد الموقع على مساحة 52 كيلومترًا مربعًا، وهي مساحة تزيد بنسبة 40% عن مساحة مدينة بيتاح تكفا.

الهدف الأصلي من الموقع كان توفير بديل لموقع الإنتاج التابع للشركة الفرعية تاعش في رمات هشارون. كان من المخطط إخلاء موقع تاعش لصالح بناء 36 ألف وحدة سكنية، لكن نتيجة النقص الحاد في الذخيرة الذي أدى إلى تقنين استخدامها خلال الحرب، أمرت وزارة الدفاع شركة إلبيت معرخوت في النصف الأول من عام 2024 بالاستمرار في الإنتاج في رمات هشارون لمدة لا تقل عن عام بعد الموعد النهائي المحدد لإخلاء الموقع (الربع الأول من عام 2024)، وذلك بالتوازي مع بدء الإنتاج في موقع رمات بيكع.

المقال منشور في وصلة بإذن خاص من موقع The Marker

مقالات مختارة

Skip to content