لوّح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بإعادة قناة بنما إلى السيطرة الأميركية، في تصريح أثار جدلًا واسعًا، حيث أشار إلى أن الرسوم التي تفرضها القناة على السفن الأميركية “غير عادلة”، وأن استمرار ارتفاعها قد يدفع الولايات المتحدة للمطالبة باستعادة القناة. يأتي هذا التهديد في وقت تواجه فيه القناة تحديات كبرى، ليس فقط في ما يتعلق بالرسوم، بل أيضًا في قدرتها على تلبية الطلبات في ظل التغيرات المناخية والجيوسياسية.
الدور التاريخي لقناة بنما في الاقتصاد الأميركي
قناة بنما، التي شُيدت تحت إدارة الولايات المتحدة عام 1914، لعبت دورًا أساسيًا في تعزيز التجارة الأميركية والعالمية. من خلال تقليص المسافة بين المحيطين الأطلسي والهادئ، اختصرت القناة بشكل كبير الوقت اللازم لنقل البضائع، ما أدى إلى خفض تكاليف الشحن وزيادة الكفاءة التجارية. قبل بناء القناة، كان يتعين على السفن الإبحار حول أمريكا الجنوبية عبر مضيق ماجلان، وهي رحلة كانت تستغرق أسابيع. أما القناة، فقد خفضت مدة العبور إلى ساعات قليلة فقط، ما أدى إلى توفير كبير في الوقت والتكاليف.
على مر السنين، استمرت قناة بنما في تحقيق فوائد اقتصادية كبيرة للولايات المتحدة. في عام 2019، مرت عبر القناة حوالي 12 ألف سفينة، تحمل نحو 300 مليون طن من البضائع. ورغم التحديات التي فرضتها الجائحة العالمية عام 2020، ظل هذا الرقم مرتفعًا، حيث عبرت حوالي 11 ألف سفينة.
التأثير الاقتصادي يتجاوز تكاليف الشحن، إذ إن القناة تُسهم في تخفيض أسعار الواردات الأميركية، ما يعود بالنفع المباشر على المستهلكين والشركات. مشروع التوسعة الذي اكتمل عام 2016، والذي أتاح للسفن الأكبر حجمًا (نيو باناماكس) العبور، عزز من كفاءة القناة ورفع قدرتها، وهو ما سمح بنقل حوالي 14% من التجارة الأميركية الدولية عبرها.
القناة والصراع الجيوسياسي
ترمب، الذي يصنف الصين كخصم استراتيجي، أبدى مخاوفه من توسع النفوذ الصيني في القناة. تُعد الصين ثاني أكبر زبون لقناة بنما، وتمتلك شركات صينية موانئ رئيسية على جانبي القناة، وهو ما يراه ترمب تهديدًا للأمن القومي الأميركي. هذا التصور دفعه إلى التحذير من أن القناة قد تقع “في الأيدي الخطأ”، مطالبًا بضمان تشغيلها “بشكل آمن وفعال وموثوق”.
هذه المخاوف ليست فقط تجارية، بل تحمل أبعادًا عسكرية. السيطرة على القناة تعني القدرة على التحكم في حركة السفن الحربية والتجارية، وهو ما يشكل عنصرًا حساسًا في أي مواجهة محتملة بين الولايات المتحدة والصين.
تداعيات اقتصادية محتملة
تصاعد الرسوم التي تفرضها بنما على السفن الأميركية أثار قلقًا واسعًا في الأوساط الاقتصادية. يرى المحللون أن هذه الرسوم تُسهم في ارتفاع أسعار السلع الأميركية، ما يُضعف تنافسيتها في الأسواق العالمية. كما يؤدي ذلك إلى زيادة معدلات التضخم داخل الولايات المتحدة، ما قد يُعقد مهمة الاحتياطي الفيدرالي في ضبط أسعار الفائدة.
إضافة إلى ذلك، أدّى الجفاف المستمر الذي يؤثر على القناة من الحدّ من قدراتها على استقبال السفن الكبيرة، وهو ما يؤثر بشكل سلبي في سلاسل التوريد العالمية. إذا استمرت هذه المشكلات دون حلول جذرية، فقد يُؤثر ذلك سلبًا على الاقتصاد الأميركي، الذي يعتمد بشكل كبير على كفاءة الممرات المائية.
مقالات ذات صلة: ترمب “يضرب” الصين عبر المكسيك