عام 2024 يُعتبر من أخطر الأعوام التي مرت على الشرق الأوسط بشكل عام، وعلى دولة إسرائيل والمجتمع العربي فيها بشكل خاص. اقتصاديًا، كان عام 2024 عامًا مليئًا بالتحديات على الاقتصاد الإسرائيلي ككل، ولكنه كان أكثر قسوة على الاقتصاد العربي داخل إسرائيل. من تفاقم الأزمات المالية إلى تصاعد التمييز في توزيع الموارد والفرص، وجد المجتمع العربي نفسه يواجه أوضاعًا اقتصادية أصعب من أي وقت مضى. فيما يلي، نسلط الضوء على أهم عشر شخصيات وأحداث كان لها تأثير كبير على اقتصاد المجتمع العربي خلال العام المنصرم، وكيف ساهمت في رسم ملامح الوضع الحالي.
1. بتسلئيل سموتريتش- وزير المالية: تأثير سلبي
بصفته وزيرًا للمالية، يُعتبر بتسلئيل سموتريتش الشخصية الاقتصادية الأكثر تأثيرًا على الاقتصاد الإسرائيلي بشكل عام، وعلى اقتصاد المجتمع العربي بشكل خاص. يدير سموتريتش ميزانية الدولة التي بلغت عام 2024 حوالي 584 مليار شيكل، مما يجعله المسؤول الأول عن صياغة السياسات العامة المتعلقة بالإنفاق وتوزيع الموارد.
منذ توليه المنصب، اتبع سموتريتش سياسة تمييزية وعنصرية تهدف إلى تقليص الدعم المالي للمجتمع العربي، مما انعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين العرب. في آب 2023، أصدر قرارًا بتجميد تحويل نصف مليار شيكل للسلطات المحلية العربية، وفي أعقاب الحرب قلّص ميزانية التطوير المخصصة للعرب بمعدل ثلاثة أضعاف مقارنة بالتقليص الإجمالي في ميزانيات الوزارات الأخرى (15% للعرب مقابل 5% لبقية الميزانيات). كما عرقل تحويل ميزانيات تطوير مخصصة للقدس الشرقية وغيرها من المناطق العربية.
لم تتوقف محاولات سموتريتش للتأثير السلبي عند نطاق وزارته فقط، بل تعدتها من خلال الضغط على وزراء آخرين لتجميد أو إلغاء ميزانيات مخصصة للبلدات والمؤسسات العربية. هذه القرارات والممارسات تسلط الضوء على الدور المركزي الذي لعبه في تعميق الفجوات الاقتصادية وإضعاف التنمية في المجتمع العربي خلال العام.
2. ماي جولان، وزيرة المساواة الاجتماعية: تأثير سلبي
أثار تعيين ماي جولان وزيرة للمساواة الاجتماعية وللنهوض بمكانة المرأة احتجاجًا واستغرابًا واسعًا، نظرًا لكونها واحدة من أكثر أعضاء الكنيست افتخارًا بمواقفها العنصرية تجاه كل من لا ينتمي للإجماع اليهودي والصهيوني. لم يمر وقت طويل حتى أثبتت صحة المخاوف، حيث اعتُبر تعيينها صفعة لكل الجهود المبذولة لتقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية في إسرائيل.
بحكم منصبها، تتحكم ماي جولان بسلطة التطوير الاقتصادي للمجتمع العربي، التي تُعد جزءًا من وزارة المساواة الاجتماعية بعدما كانت تتبع سابقًا لمكتب رئيس الحكومة. تُعتبر هذه السلطة النشاط الأهم للوزارة من حيث التأثير وحجم الميزانيات، حيث تضطلع بتطبيق ومتابعة تنفيذ قرار 550 (خطة “تقدّم”).
منذ توليها مهام الوزارة في شباط/فبراير 2024، ركزت جولان جهودها على تقويض عمل السلطة وتقليص ميزانياتها باستخدام حجج واهية وغير مدعومة بالحقائق. ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة “كلكاليست” في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، لم تعقد جولان أي جلسة عمل للجنة المسؤولة عن خطة “تقدّم”، ولم تُصادق على خطة العمل للعام الحالي. بالإضافة إلى ذلك، تعمل جولان على عرقلة مشاريع حيوية مثل مركز الطوارئ في كفر قاسم، مما يهدد بتعطيل المبادرات التي تُعد حيوية لتطوير المجتمع العربي.
3. حسان طوافرة، مدير سلطة التطوير الاقتصادي في المجتمع العربي: تأثير إيجابي
يوصف حسان طوافرة على لسان الكثيرين على أنه واحد من المواهب الفذة في القطاع العام الإسرائيلي. يحمل طوافرة (37 سنة) اللقب الأول في الاقتصاد والمحاسبة واللقب الثاني في إدارة الأعمال، وهو مدقق حسابات قانوني. قبل توليه منصب مدير سلطة التطوير الاقتصادي للمجتمع العربي، شغل منصب نائب مدير سلطة الشركات الحكومية. يعتبر طوافرة اليوم العربي صاحب أعلى منصب في القطاع الحكومي في إسرائيل بصفته مدير سلطة التطوير الاقتصادي في المجتمع العربي. وفي إطار هذا المنصب يعمل على تنفيذ ومتابعة تطبيق خطة “تقدم” (قرار 550) والتي تقدر ميزانيتها بـ 30 مليار شيكل والتي من المفترض أن يتم تطبيقها بين السنوات 2022-2026. بالنسبة لغالبية رؤساء السلطات المحلية العربية يُعتبر طوافرة العنوان الأول لتحصيل الميزانيات والموارد المالية بحكم موقعه واطلاعه المعمق على منظومة توزيع الميزانيات والموارد المالية العامة، إلا أنه يواجه في السنتين الأخيرتين تحديات جمة في التعامل مع حكومة يرى غالبية أعضائها في الجمهور العربي تهديداً استراتيجيا وعدواً يجب قمعه.
4. موشيه أربيل، وزير الداخلية: تأثير إيجابي
يرى الكثيرون في معسكر المعارضة في موشيه أربيل، وزير الداخلية عن حزب شاس، بارقة الأمل الوحيدة في عتمة العنصرية والفاشية التي تُميز حكومة بيبي نتنياهو الحالية. يلعب أربيل دورًا هامًا في التأثير على الاقتصاد في المجتمع العربي من خلال مسؤوليته عن ميزانيات السلطات المحلية، تنفيذ السياسات التي تهدف إلى تقليص الفجوات الاقتصادية بين السلطات المحلية العربية واليهودية، بما في ذلك توزيع منح التوازن ودعم مشاريع تطوير البنى التحتية. كما يُشرف على لجان التخطيط والبناء، وهي عنصر أساسي في تعزيز النمو الاقتصادي في البلدات العربية. بخلاف بقية وزراء الحكومة يلعب أربيل دوراً إيجابياً في تنفيذ القرارات وتخصيص الموارد الموجهة لتطوير المجتمع العربي، ويعتبر من الوزراء القلائل جداً الذين يزورون البلدات العربية ويحرصون التواصل مع رؤساء السلطات المحلية العرب.
5. مافيات الجريمة المنظمة: تأثير سلبي
بلغ عدد ضحايا الجريمة والعنف في المجتمع العربي حتى كتابة هذه السطور 236 ضحية. سرطان الجريمة المنظمة يفتك منذ مطلع الألفية في جسد المجتمع العربي في البلاد وفي اقتصاده أيضا. شبكات الاجرام هي في أساسها منظومات اقتصادية هدفها الأول والأخير تحقيق الأرباح بكل الطرق غير المشروعة. بحسب تقرير حديث لاتحاد المقاولين في البلاد، يدفع المُقاولون في السنة نحو 90 مليون شاقل “خاوة” للعصابات الجريمة المنظمة، وهذه “الضريبة” تُحمّل في نهاية المطاف على سعر الشقة ويرفع سعرها بـ 60 ألف شيكل تقريبا. التأثير المباشر للجريمة المنظمة على اقتصاد مجتمعنا العربي ينعكس في اتساع سيطرة السوق السوداء على مجال الإقراض والائتمان وفي خوف المبادرين والمبادرات من تأسيس أو تطوير مشاريع تجارية “تفتح العين” عليهم وتجعلهم عرضة للابتزاز والاستغلال، وأيضا في هروب رأس المال العربي إلى أسواق آمنة خارج البلاد، وتأثيرات سلبية أخرى عديدة.
6. البنوك التجارية: تأثير سلبي
يعاني القطاع المصرفي في إسرائيل من آفة قلة التنافسية. خمسة بنوك تجارية تُسيطر على 95% من القطاع المصرفي التجاري: لؤمي، هبوعليم، ديسكونت، مزراحي تفاحوت وهبنلؤمي هريشون. في المجتمع العربي تُسيطر ثلاثة بنوك على 87% من السوق (لؤمي 33%، مركنتيل ديسكونت 30%، هبوعليم 24%). التمييز في توفير الخدمات المصرفية بين الزبائن اليهود والعرب صارخ وواضح. الزبائن العرب يدفعون فوائد أعلى بـ 10% تقريبا من الزبائن اليهود. المصالح التجارية العربية تدفع فائدة أعلى بنسبة 7% من مثيلاتها اليهودية حتى وإن كانت بنفس درجة المخاطرة. أما حصة العرب من القروض الإسكانية (المشكنتا) فلا تتجاوز 2% من إجمالي هذا النوع من القروض. قلة التنافسية بين البنوك على الزبون العربي، ارتفاع تكاليف الائتمان والإقراض، حرمان الأزواج الشابة العربية من الحصول على قروض إسكانية مريحة، والحذر الشديد في تقديم التسهيلات والقروض المالية للمصالح التجارية هي عوامل تؤثر بشكل سلبي وخطير على النمو والتطور الاقتصادي للمجتمع العربي. هذا ما كان لعقود طويلة واستمر في عام 2024 أيضا.
7. السلطات المحلية العربية: تأثير سلبي
السلطات المحلية العربية هي المُشغل الأكبر في المجتمع العربي، وتتمتع بموارد مالية تعتبر الأكبر مقارنة بأي مؤسسات عامة أو خاصة أخرى في البلدات العربية. للسلطات المحلية العربية دور مركزي في الاقتصاد العربي المحلي وهي تُعتبر من محركات نموه الأساسية لكن المُعطّلة. تعاني السلطات المحلية العربية من أمراض مزمنة كسوء الإدارة والفساد والمحسوبيات والعجز المالي، بالإضافة إلى نقص الاستثمار في البنية التحتية والخدمات وضعف التخطيط طويل المدى، وغياب الدعم الحكومي الكافي. في سنة 2024 عانت هذه السلطات من سياسات حكومية مجحفة وعنصرية تمثلت في تجميد مستحقات مالية من وزارة المالية ومن وزارات أخرى مثل وزارة المساواة الاجتماعية ووزارة الإسكان والتطوير. كل ذلك انعكس في تراجع أداء السلطات المحلية العربية بشكل عام وفي الشأن الاقتصادي والتنموي بشكل خاص. يمكن الإشارة إلى الأزمة المالية الحادة التي مرت (ولا تزال) بها بلدية الناصرة عام 2024 كمثال حي على فشل السلطة المحلية العربية في إحداث تغيير اقتصادي إيجابي للسكان والمجتمع.
8. الحرب: تأثير سلبي
سيعمل الباحثون والمؤرخون والمحللون سنين طويلة في لفهم تأثير عملية طوفان الأقصى والحرب التي تلتها على غزة ثم لبنان على مناح الحياة في البلاد والمنطقة. على مستوى الاقتصاد العربي المحلي كان تأثير الحرب فادحاً، وسنظل نتأثر بها على المدى المتوسط والطويل وعلى مختلف المستويات. بحسب الأبحاث الرسمية، خسر أكثر من 22 ألف عامل عربي مكان عملهم بسبب الحرب. قطاعات اقتصادية كاملة وعلى رأسها قطاعات السياحة والبناء والخدمات والتي تُشغل عشرات آلاف المستخدمين العرب عانت من شلل تام بسبب تداعيات الحرب في خلال السنة الماضية. منع دخول العُمال الفلسطينيين أدى إلى شل نشاط مئات المقاولين العرب وإلى حدوث نقص حاد في الأيدي العاملة عند المصالح التجارية العربية. النشاط التجاري في العديد من البلدات العربية في الشمال تقلص بشكل حاد بسبب الوضع الأمني وبسبب ابتعاد المُستهلكين اليهود عن البلدات العربية. ويضاف إلى كل ذلك التقليصات الحادة في الميزانيات المخصصة للمجتمع العربي كما ذكرنا أعلاه. هذا التأثير لن ينتهي مع انتهاء الحرب، بل سنلحظ عواقبه في الأعوام القادمة أيضا.
9. رجب طيب أردوغان: تأثير سلبي
تدهور العلاقات بين إسرائيل وتركيا كان نتيجة مباشرة للحرب أيضا، لكن قرار الرئيس التركي رجب طيب اردوجان بقطع العلاقات التجارية بين الدولتين احتجاجاً على أعمال الإبادة التي تقوم بها حكومة نتنياهو يستحق التطرق بشكل منفصل بسبب تأثيره المباشر على الاقتصاد العربي في إسرائيل. فقد أصبحت البضائع التركية في السنوات الأخيرة “ملكة السوق” والبضاعة المحببة على المستهلك العربي في البلاد، حيث تميزت هذه البضائع بجودتها الجيدة، وسعرها المعقول وملائمتها لذوق المستهلك العربي. ومن بين الأطراف الأكثر تضررا من قرار المقاطعة الجارف هم المستوردون والتجار العرب في إسرائيل على مختلف حجم أعمالهم. فبعض المستوردين العرب الكبار يستوردون معظم بضائعهم من المصانع التركية، وخاصة منتجات الأثاث والحلويات والأغذية. وهناك أيضا عدد كبير جدا من التجار والمستوردين الصغار في المجتمع العربي الذين يعتمدون على البضائع التركية بشكل كامل في أعمالهم. قرار اردوجان أثر بشكل مباشر على هؤلاء التجار وعلى العادات الاستهلاكية للمواطن العربي. يُضاف إلى ذلك وقف الرحلات الجوية المباشرة بين استنبول وتل – ابيب وتجميد العلاقات السياحية بين البلدين وتأثير ذلك على قطاعات اقتصادية مختلفة في المجتمع العربي.
10. غسان عليّان، منسق أعمال الحكومة في المناطق: تأثير سلبي
تلعب العلاقات التجارية بين الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر دوراً محوريًا في اقتصاد المجتمع العربي في البلاد. وبحسب التقديرات يصل حجم الخسائر الاقتصادية التي تكبدها الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية بسبب الإغلاقات ومنع دخول فلسطينيي 48 اليه أكثر من 2 مليار شيكل في السنة. يُضاف إلى ذلك منع دخول العمالة وطلاب الجامعات وتعطيل التبادل التجاري. المسؤول الأول عن فتح وإغلاق المعابر في الضفة الغربية وعن إدارة الشؤون الاقتصادية والتجارية بين إسرائيل والضفة الغربية هو منسق أعمال الحكومة في المناطق. منذ شهر نيسان/ أبريل 2021 يشغل هذا المنصب الجنرال غسان عليّان، ابن مدينة شفاعمرو. القرارات اليومية التي يتخذها عليّان والتوصيات التي يرفعها للحكومة تُؤثر بشكل مباشر على النشاطات الاقتصادية والتجارية بين الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر وعلى الاقتصاد العربي في إسرائيل. سنة 2024 شهدت فترات طويلة من قطع التواصل التجاري والاجتماعي بين الجانبين وكان لها أثر سلبي وشديد على الاقتصاد العربي في البلاد.