تكاد تكون تجربة سُكَيْنة فنادقة حصريّة لها، فهي المدربة العربيّة الوحيدة في حديقة الحيوان “السفاري” في رمات غان. تمضي يومها بين تدريب النمور والدببة، وملاطفة أكبر نوع من السحالي في العالم (كومودو) والأفاعي وغيرها من الحيوانات التي لا يمكن للمرء أن يحظى برؤيتها الا في حديقة الحيوانات، بالإضافة إلى قيامها ببناء المراجيح والبيوت للحيوانات.
التقينا في وصلة مع سكينة فنادقة لنتعرف على قصتها في عالم الحيوانات، التي بدأت بشغفها في الطفولة، واستمرّت حتّى احترافها اليوم، في رحلة ملهمة تبرز الحب والتفاني تجاه الكائنات الحية جميعها.
طفولة استثنائية مليئة بالحيوانات
نشأت سُكينة في بيئة طبيعية غنية، أحاطت بها الحيوانات في بيت جدّيها في قرية ” يما ” حيث كانت تلعب مع أبناء أعمامها وأخوالها. تتذكر تلك الأيام قائلة:
“كنت أقضي وقتي بين الغنم، والدجاج، والأرانب. أراقب كيف يتعامل جدي وجدتي مع الحيوانات بحب واحترام، فتعلمت منهما أن هذه الكائنات تفهمنا إذا عاملناها بودٍّ وصبر”.
وتضيف سكينة: “الأطفال الذين كنتُ أرافقهم إلى الأرض كانوا يلهون باللعب، لكنّ ألعابي كانت مختلفة، إذ كنتُ أجمع الضفادع من المستنقعات القريبة وأراقب النمل بشغف، فتعزّز ارتبطابي مبكرًا بعالم الطبيعة”.
من تصميم الدمى إلى علاج الأطفال بالحيوانات
عندما تزوجت سكينة فنادقة، انتقلت الى السكن في بلدة كفر قرع، وقبل دخولها إلى عالم السفاري، كانت سكينة ناشطة في نوادي الشبيبة، وتعرفت بالصدفة على شابة كانت تعمل في تصميم دمى المسرح، ومن بينها الدمى الخاصة بغرف نوم الأطفال التي تجسد الشخصيات في قصص الأطفال.
عملت سكينة ثلاث سنوات في هذا المجال الذي ساعدها على تطوير مهاراتها في التفاعل مع الصغار، وهو ما انعكس على عملها لاحقًا في إرشاد الأطفال وتعليمهم عن الحيوانات في السفاري، وخاصة الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين تُقَدِّم ورشات ملائمة لهم.
العودة مجددًا الى عالم الحيوانات… والسبب ابنها محمد
بعد إنجاب سكينة ابنها محمد، الذي كان متعلقًا بها بشدّة ويحتاج رعاية واهتمام كبيرين، اضطرت لترك عملها. ولكي تخفّف من تعلّق ابنها بها، قررت بناء زاوية له لتربية وملاطفة الحيوانات، فتعلّق بالحيوانات ورفض الذهاب الى المدرسة، فاقترحت معلمته عليها أن يجلب حيوانًا معه كلّ مرّةٍ إلى المدرسة ليشرح عنه لزملائه، وأصبح ذلك أمرًا اعتياديًا في حياة محمد.
تعلُّق ابنها بالحيوانات، دفعها لتتعلم العلاج بواسطة الحيوانات، لتصبح مرشدة في هذا المجال الذي لم يكن متطورًا في تلك الفترة كما الآن، ثمّ عملت في المدارس مع الطلاب الذين يعانون من صعوبات تعليمية وفي المؤسسات التربويّة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة.
اليوم، يبلغ محمد من العمر 25 عامًا، وهو المسؤول عن حديقة الحيوان في إحدى المدارس بالمنطقة، بالإضافة الى عمله مع والدته في حديقة السفاري.
التحول إلى العمل في حديقة السفاري
قبل دخول سكينة للعمل في السفاري، بنت في حديقة بيتها زاوية (لقاء) لملاطفة الحيوانات، كانت تستقبل الأطفال فيها وتقدم إليهم العلاج بواسطة الحيوانات.
بدأت رحلتها إلى السفاري عام 2013، عندما التحقت بدورة تدريبية للتعامل مع الحيوانات البرية. تتذكر تلك البداية قائلة:
“لم أتوقع أن يتم قبولي للعمل هناك، وكنت خائفة من الفشل. لكن علاقتي القوية مع الحيوانات ساعدتني على تخطي الخوف، وبدأت تدريجيًا أتعلم وأتطور. عملت أولًا مرشدةً، ثم انتقلت إلى تدريب الحيوانات المفترسة، مثل النمور وسحلية الكومودو وهي من أكبر السحالي في العالم “.
السفاري مكان متنوع، يجمع بين العديد من الأطياف
تصف سكينة أجواء العمل في السفاري: “السفاري مكان متنوع يجمع الناس من جميع الأطياف والانتماءات المختلفة، لا يوجد تمييز في مكان العمل، أو عنصرية، يتعاون الموظفون من أجل اهتمامهم المشترك، وهو حياة الحيوانات”.
وأضافت: “هذا المكان له أهدافه، لدينا حيوانات نحافظ عليها معظمها مهددة بالانقراض، حيث نعمل ضمن جمعية عالميّة كبيرة تعتني بالحيوانات. وإضافة إلى ذلك، نجري أبحاثًا عن الحيوانات وسلوكها “.
كل عامل في حديقة حيوانات لديه صراع مع نفسه!
وعن وجود الحيوانات داخل أقفاص، تقول سكينة: ” لا يوجد عامل أو مدرب في حديقة حيوانات لا يوجد لديه صراع مع نفسه حول ذلك. ربّما يكون حلمنا جميعًا أن تكون الحيوانات في مكانها الطبيعي، أو في مساحة مفتوحة داخل محمية، وهذا ما نعمل على تطويره بالحديقة، عبر توسيع الحيز الذي توجد فيه الحيوانات”.
التعامل مع الحيوانات المفترسة!
وعن تعاملها مع الحيوانات المفترسة، تضيف سكينة: “التعامل مع الحيوانات المفترسة علمني الصبر. يتطلب تدريبها بناء ثقة متبادلة وشعورًا بالأمان بينك وبين الحيوان. وأقرب الحيوانات إلى قلبي النمر ‘تشن تش’ وسحلية الكومودو التي أطلقتُ عليها اسم ‘نوعام‘”.
وبشغف تصف سكينة تجربتها مع الحيوانين المفضلين عندها: “دربت سحلية الكومودو والنمر على الاستجابة للأوامر، وأصبح الأطباء قادرين على إجراء الفحوصات الطبية لهما دون تخدير، وهذا إنجاز كبير”.
لكن العمل مع الحيوانات يحمل لحظات مؤلمة أيضًا. عن أصعب لحظاتها، تقول: “فقدت سحلية الكومودو ‘شاؤول’ بسبب تقدمه في العمر. كان الأمر صعبًا لأنك حين تربطك بالحيوان علاقة قوية، يكون فقدانه مؤلمًا للغاية”.
التحديات والدعم العائلي والتوفيق بين بيتها والسفاري
حول التحديات التي واجهتها في مسيرتها المهنية، تقول سكينة: ” اختياري لهذا المجال لم يكن سهلًا، خاصة في مجتمع لم يعتبر العمل مع الحيوانات تقليديًا”.
وتضيف: “واجهت بعض الانتقادات في البداية، لكن عائلتي دعمتني، وخاصة أطفالي الذين أحبوا الحيوانات أيضًا. نجحت في تحقيق التوازن بين عملي وحياتي العائلية، وهنا يمكن الإشارة إلى أن التعاون داخل الأسرة يلعب دورًا كبيرًا، مسؤولية البيت لا تقع فقط على عاتقي فهي مقسمة علينا، كل شخص له مساهمته بالاعتناء بالبيت وتحضير الطعام“.
حظيّت سكينة كذلك بدعم كبير من مديرها في العمل، درون تام، خاصة وأنّها العربيّة الوحيدة في مجال التدريب، الذي يحاول دائمًا أن يراعي ما يناسبها، وقد علّمها الكثير من الأشياء، وساعدها في التطور والتقدم بالعمل.
رسالتها وأحلامها المستقبلية…
في ختام لقائنا، وصفت لنا سكينة نظرتها إلى المستقبل: “أرغب بالاستمرار في عملي بالسفاري، ولدي رغبة كبيرة في تطوير مجال تربية وتعليم الأطفال من خلال حدائق الحيوان، إضافة الى تطوير نفسي في مجال تدريب الحيوانات. أرغب كذلك في بناء مجموعات شبيبة لدمجها في عالم الحيوانات والطبيعة، وتأهيلها للحفاظ على البيئة، وهو ما سيساهم في حمايتهم من اللجوء إلى العنف، أو سيرهم في طرق غير مرغوب بها”.
كما وترى سكينة في التعامل الحيوانات وسيلة لتعزيز الرحمة وتقليل العنف في المجتمع، إذ تقول: “التعامل مع الحيوانات يعلمنا الصبر والعطاء، حدائق الحيوانات لها دور كبير في الحفاظ على الكائنات المهددة بالانقراض وتوعية الأجيال الجديدة بأهمية البيئة”.
في النهاية، ليست سكينة فنادقة مجرّد مدربة حيوانات، بل هي أيضًا نموذج للإصرار والشغف. رسالتها تمثل دعوة لاحترام الطبيعة والعيش بتناغم مع كائناتها.
مقالات ذات صلة: رغم الإنجازات الهائلة… جوانب مظلمة لا تعرفونها عن الذكاء الاصطناعي