لا يمكن الحديث عن أي تطور ونمو للمجتمع العربي بدون تعزيز اندماج العاملين العرب في سوق العمل الإسرائيلي ومساعدتهم على الوصول إلى أعلى المناصب الإدارية والمهنية. لكن لا يمكن تحقيق أي تقدم إذا لم نُدرك أن العامل المركزي لإحداث التغيير يقع على عاتقنا نحن.
سماء دسوقي- صفوري*
يبدو أن التحديات التي يفرضها سوق العمل الإسرائيلي على العاملين والعاملات العرب منذ السابع من أكتوبر، قد أصبحت أكثر تعقيدًا: معدلات البطالة ارتفعت، مستويات الأجور انخفضت، والفجوات، الكبيرة أصلاً، أصبحت أكبر وأعمق.
مع ذلك، فإن المسؤولية على جودة ومستوى حياتنا، عن تحصيل أرزاقنا وعن تطورنا الشخصي والمهني هي في الأساس مسؤوليتنا نحن، أبناء المجتمع العربي، وهذا يتطلب منا أن نكون جزءا من المجتمع والاقتصاد في إسرائيل، حتى وإن كنا نعارض سياسات وممارسات الحكومة ومؤسساتها العامة. لتحقيق هذا الأمر، علينا أن نقود سيرورة تطوير وترسيخ وجود المجتمع العربي في سوق العمل. علينا أن نبادر وأن نتحرك وأن نتعاون مع بعضنا من أجل بناء مسيرتنا المهنية الناجحة.
سر التنوع والاحتواء
بحكم وظيفتي كمديرة في مجال التعليم والإرشاد في شركة شتراوس، وكخبيرة في تعزيز وترسيخ قيم التنوّع والاحتواء في العمل، أستطيع أن أقول بكل فخر بأن ما قمنا به في الشركة يجب أن يكون مثالاً يُحتذى به لكل الشركات الكبيرة والصغيرة أيضا.
الأهمية الكبرى التي توليها المجموعة لقيم التنوع والاحتواء ساهمت في تحقيق إنجازات مُذهلة، في الأيام العادية وفي فترات الحرب والطوارئ أيضا. فقد ظلت نسبة الموظفين العرب في الشركة عالية، وهم يشعرون بأن مكان العمل يمنحهم الشعور بالانتماء، بالأمان وبأهمية ما يقومون به في العمل.
هذا التوجه أثبت فعاليته بصورة قاطعة مع اندلاع الحرب. لقد نجح العُمال العرب واليهود في تجاوز هذه المرحلة الحرجة بفضل آليات التواصل والتعاون والثقافة التنظيمية الحاضنة والمتسامحة.
لحسن الحظ، مجموعة شتراوس لم تكن الوحيدة في هذا التوجه. هناك العديد من الشركات التي تستثمر موارد ضخمة من أجل خلق بيئة عمل متسامحة ومتساوية من خلال تطبيق برامج تأهيل مبتكرة وسياسات توظيف متساوية وثقافة تنظيمية تُشجع على الاحتواء والتواصل مع المجتمع. لكن في المقابل، اعتقد بأن غالبية الشركات في البلاد لم تنجح حتى الآن في تبني قيّم التنوع والاحتواء، وفشلت في تحقيق ما هو ضروري من أجل تحويل مكان العمل لبيت آمن وحاضن للعمال والعاملات أبناء المجتمع العربي.
كيف نحقق التغيير؟
بعد أن تحدثنا عن أهمية دور المُشغلين، يجب أن نتحدث أيضا عن دورنا نحن، العاملين والعاملات العرب في سوق العمل الإسرائيلي. كيف يمكننا تحقيق التغيير المطلوب؟ الجواب بسيط: على كل واحد وواحدة منا إحداث التغيير في الثقافة التنظيمية وتمهيد الطريق لمن سيأتي لاحقا.
كيف يتم ذلك؟ من خلال العمل المشترك والمساعدة المتبادلة نغيّر واقع مكان العمل ونجعله أكثر تنوعًا واحتواء على جميع المستويات، من قاعدة الهرم التنظيمي وحتى رأسه.
اخترت ثلاث محطات مركزية في أي مسيرة مهنية لشرح الطريقة الأفضل لتحقيق ذلك:
استثمروا في اكتساب الخبرات
في مرحلة البحث عن مكان عمل، يجب على المُرشحين الاستثمار في أنفسهم لكي يكونوا جذابين ومتميزين بعيون مكان العمل. هذا الاستثمار يبدأ، مثلاً، من مرحلة التعليم الأكاديمي من خلال العمل في وظائف مخصصة للطلاب، أو من خلال الاندماج في مسارات التدرّب المهني أو المشاركة في مسارات التأهيل والتحضير لسوق العمل التي تقوم بها الجمعيات والمؤسسات الحكومية المختلفة، وأيضا في برامج التطوع المختلفة. نصيحة مهمة: في هذه المرحلة ركزوا على الخبرة وعلى فرصة التعلّم التي يقدمها مسار التدريب أو التطوّع، اعملوا لساعات طويلة حتى وإن كان الأجر المادي محدود أو قليل؛ الخبرة هي الأجر الحقيقي.
قبل الذهاب لمقابلات عمل مهم جدا التدرّب والاستعداد المسبق. شاركوا في دورات تحضير واستغلوا خدمات المرافقة المهنية التي تقدمها الجمعيات العاملة في هذا المجال. استشيروا أصحابكم أو معارفكم الذين نجحوا في الاندماج بسوق العمل وتعلموا منهم اللغة “الإسرائيلية” الضرورية للنجاح في أي مقابلة عمل.
وهنا يهمني أن أتوجه لأبناء المجتمع العربي الذين نجحوا في الاندماج بسوق العمل الإسرائيلي: إذا كانت الشركة التي تعملون فيها تنوي توظيف عُمال أو موظفين جدد، توجهوا انتم إلى أصدقائكم ومعارفكم وحاولوا جذبهم للاندماج في مكان العمل، بهذا تصيبون ثلاثة عصافير بحجر واحد: تساعدون الشركة في التوظيف، تعززون التنوعّ والاحتواء في مكان العمل، وتساهمون في اندماج أبناء المجتمع العربي في سوق العمل الإسرائيلي.
آمنوا بتميّزكم
كلنا نطمح إلى التقدم والتطور في مكان العمل، ونسعى لزيادة الأجر وتحسين شروط العمل. لتحقيق ذلك لا بد لنا من الإصغاء والتركيز على التقييم الذي نحصل عليه من مكان العمل وأن نتعامل معه بشكل موضوعي ومهني، بعيدا عن الحساسية والمشاعر الشخصية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب المثابرة على إثراء المعرفة المهنية، والمشاركة في الدورات التدريبية، والمبادرة لاستغلال الفرص لعرض معرفتكم، وخبراتكم، ومهاراتكم أمام زملائكم وأمام الإدارة. كل هذه الخطوات ستعزز مكانتكم في مكان العمل، وتمنحكم فرصة للتواصل مع المدراء، وتوفر لكم منصة ممتازة للتحسين المستمر.
وبعد أن تحدثنا عن الأسس المطلوبة للتقدم في مكان العمل، حان الوقت للحديث عن أهم شيء: لا تترددوا في الترشّح لوظيفة أو منصب جديد! حتى وإن لم تستجيبوا لمتطلبات الوظيفة بشكل تام. إذا كان زملائكم اليهود يفعلون ذلك، عليكم أنتم أيضا فعل نفس الشيء.
إذا كنتم مترددين بشأن مدى ملاءمتكم، تحدثوا مع زملائكم ومدراءكم، تعلموا منهم كيف يمكنكم التقدم في مكان العمل وما هي النقاط الضعف التي عليكم تحسينها. مهم جدا العثور على مُرشد (mentor) يساعدكم على تحسين قدراتكم ومهاراتكم.
القمة بعيدة لكنكم “قدها”
كلما تقدمتم في العمل واقتربتم من رأس الهرم التنظيمي، كلما زاد التنافس وصار التقدم أصعب. الصعوبة تزداد أكثر بالنسبة لأبناء الأقليات. فالوصول إلى القمة يتطلب معرفة أسرار السياسة الداخلية في المؤسسة، وبناء علاقات مع الإدارة العليا ومع أعضاء مجلس الإدارة وأصحاب الشركة. هذا الأمر صعب لكنه غير مستحيل!
للقيام بذلك يجب أن تعرفوا جيدا الثقافة التنظيمية في المؤسسة، وعليكم اكتساب المهارات المهنية والشخصية والإدارية. عليكم أيضا التمتع بالشجاعة الإدارة، بناء التعاونات المهنية والشخصية وأيضا التمتع بالجرأة للتقدم للوظائف الإدارية. قد يتحقق النجاح من أول مرة، أو عاشر مرة، لكن سر النجاح هو المثابرة حتى الوصول إلى القمة.
لقد علمتنا ثقافتنا العربية بأن نحترم ونرضخ للمدراء وللكبار، لكن علينا أن نُدرك بأن التميزّ يتطلب الجرأة والشجاعة والتحرر من القيود التي نضعها لأنفسنا. علينا أن نُدرك وأن نُذوّت أننا نملك قيمة إضافية، ومهارات مهمة وأن نفتخر بقدراتنا وخبراتنا لنكون جذابين لمن يبحث عنا في مكان العمل وأن نثق بأنفسنا وبقدرتنا على التميّز في اعلى المناصب.
ختاماً، أكرر: مسؤولية الاندماج والتميّز في سوق العمل الإسرائيلي تقع أيضا على عاتقنا، نحن شباب المجتمع العربي. نجاحنا يعني نجاح وتطوّر مجتمعنا العربي والاقتصاد الإسرائيلي أيضا.
***
*الكاتبة من مدينة يافا، مستشارة متخصصة في موضوع التنوع والاحتواء في القطاع العام، الأكاديمي والاجتماعي. وتحمل اللقب الثاني في الاستشارة التنظيمية. كانت المسؤولة عن موضوع التنوّع في وزارة العدل، وأدارت مشروع تشغيل العرب في مركز أكورد.