يشهد سوق العمل العالمي تغييرات جذرية مدفوعة بالتطور الرقمي المتسارع واعتماد تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي والأتمتة. تقرير “مستقبل الوظائف 2025” الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي يقدم تحليلًا معمقًا للوظائف التي تنمو بسرعة وأخرى تتلاشى بحلول عام 2030، مسلطًا الضوء على العوامل التي تقود هذا التحول.
الوظائف الأسرع نموًا
الوظائف المرتبطة بالتكنولوجيا تتصدر القائمة في النمو خلال السنوات القادمة. يأتي على رأس هذه الوظائف خبراء البيانات الضخمة، الذين يلعبون دورًا أساسيًا في تحليل البيانات واتخاذ القرارات الاستراتيجية. يليهم مهندسو التكنولوجيا المالية الذين يقودون التحول الرقمي في القطاع المالي، والذين أصبحوا في قلب الابتكار المالي. الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة يشغلون المركز الثالث، حيث يعززون الكفاءة ويطورون تقنيات جديدة تساهم في تحسين الإنتاجية.
كما تشمل قائمة الوظائف الأسرع نموًا مطوري البرمجيات ومتخصصي الأمن السيبراني، الذين أصبحوا ضروريين لحماية البيانات وتعزيز الأمن الرقمي. أيضًا، مهندسو السيارات الكهربائية وذاتية القيادة يكتسبون أهمية متزايدة مع تطور تقنيات التنقل المستدام. وفي ظل التحول نحو الطاقة الخضراء، تسجل وظائف الهندسة البيئية والطاقة المتجددة طلبًا كبيرًا مع تركيز العالم على الاستدامة.
المهن المتراجعة وتأثير الذكاء الاصطناعي
في المقابل، تواجه العديد من المهن التقليدية خطر التلاشي نتيجة التحول الرقمي والأتمتة. من بين هذه المهن موظفو الخدمات البريدية الذين يعانون من انخفاض الطلب مع الاعتماد المتزايد على الوسائل الرقمية. أيضًا، وظائف مثل أمناء الصندوق وموظفي البنوك تشهد تراجعًا مع تزايد استخدام الأتمتة والخدمات الذاتية. المساعدون الإداريون والموظفون المسؤولون عن إدخال البيانات يواجهون ضغوطًا مماثلة نتيجة الأتمتة التي أصبحت جزءًا أساسيًا من العمليات اليومية.
وفقًا للتقرير، من المتوقع أن يخلق الذكاء الاصطناعي والرقمنة 19 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2030، بينما سيتم فقدان 9 ملايين وظيفة بسببهما. الذكاء الاصطناعي وحده سيضيف 11 مليون وظيفة لكنه سيؤدي أيضًا إلى اختفاء 9 ملايين وظيفة، بينما ستلغي الأتمتة 5 ملايين وظيفة أكثر مما ستخلقه. هذا التأثير المزدوج يبرز الحاجة إلى إعادة التفكير في كيفية تأهيل العاملين لمواكبة هذا التحول.
التغيرات في سوق العمل لا تقتصر على نوعية الوظائف فحسب، بل تشمل أيضًا المهارات المطلوبة. التقرير يشير إلى أن 39% من المهارات الحالية ستتغير بحلول عام 2030، مع تزايد أهمية المهارات التكنولوجية. على هذا الأساس، باتت برامج التدريب المستمر وإعادة التأهيل المهني أمرًا حيويًا للشركات لضمان جاهزية موظفيها لمواكبة التغيرات.
أهمية التكيف مع التغيرات
التقرير يسلط الضوء على أن التكيف مع التحولات الرقمية يمثل العامل الحاسم لضمان النجاح في سوق العمل المستقبلية. الشركات التي تستثمر في برامج التعليم المستمر وتوفر فرص تدريب للعاملين ستكون في موقع أفضل للاستفادة من الفرص الجديدة. كذلك، سيكون العاملون الذين يسعون لتطوير مهاراتهم التكنولوجية الأكثر قدرة على التكيف مع احتياجات سوق العمل المتغيرة.
تحولات سوق العمل تشكل فرصة هائلة لأولئك القادرين على التكيف مع التغيرات السريعة، لكنها تمثل تحديًا كبيرًا لأولئك الذين يتأخرون عن اللحاق بقطار التكنولوجيا، الذي لن ينتظر أحدًا…
مقالات ذات صلة: رغم الإنجازات الهائلة… جوانب مظلمة لا تعرفونها عن الذكاء الاصطناعي